الاثنين، أبريل ٠٦، ٢٠٠٩

الخيارات المتاحة للاستفادة من الفوائض. الخيار الثالث: تنويع هيكل الاقتصاد وخلق مصادر جديدة للتنافسية

هذا هو الخيار الأفضل والوحيد لضمان استمرارنا ككيان مستقل في المستقبل، ومن الناحية الواقعية لا يوجد لدينا خيار امثل آخر لتوظيف الفوائض النفطية المحققة. أن مصدر تنافسية اقتصادنا الوحيدة ينبع حاليا من الميزة النسبية Comparative Advantage، التي تقوم على تملكنا لمصدر طبيعي هو النفط الخام، ننتجه بتكاليف منخفضة، ونبيعه بالأسعار السائدة في السوق العالمي للنفط. ولا نملك أي مزايا تنافسية أخرى نساهم بها في التقسيم الدولي الحالي للعمل. ومن المعلوم أن الميزة النسبية كمصدر للتنافسية على المستوى الدولي انخفضت أهميتها بشكل كبير حاليا، إذ أصبح الاعتماد أساسا على المزايا التنافسية المكتسبة Competitive Advantages، والتي تنبع أساسا من الجهود المختلفة لتنمية هذه المزايا من قبل المنظمات المختلفة في المجتمع، والطاقة الابتكارية للاقتصاد المحلي. وتشير التقارير الدولية للتنافسية التي يصدرها المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، إلى أن المركز التنافسي لدولة الكويت بالنسبة لباقي دول العالم ضعيف بشكل عام، خصوصا في الكثير من الجوانب المرتبطة ببيئة الأعمال والتكنولوجيا وجوانب المعرفة والإنفاق على البحوث والتطوير.

ماذا نفعل إذن؟ لا بد وان نستغل هذه الفرصة الذهبية، التي ربما قد لا تتكرر مرة أخرى في المستقبل؟ إن الإجابة ببساطة تتمثل في استغلال هذه الفوائض لتنمية مستويات التنافسية للاقتصاد الكويتي على المستوى الدولي بخلق مزايا إضافية مكتسبة ترفع من قدرات الاقتصاد الوطني على توليد مصادر جديدة للدخل من عمليات مختلفة للإنتاج، وتنوع هيكل صادراته وتزيد من قدرته على جمع عملات أجنبية من مصادر أكثر تنوعا وأكثر استقرارا. ويقتضي ذلك الأمر تبني خطة إستراتيجية تحتوى على برامج استثمارية لإنشاء مجموعة من الصناعات الإستراتيجية سواء في مجال إنتاج السلع أو الخدمات، ذات الجدوى اقتصادية عالية، والتي تؤمن مستقبلا للأجيال المقبلة.

والواقع أن الكويت كانت قد أعلنت كما يقولون عن بدء عهد "المشروعات العملاقة Mega projects"، إلا أن المقصود هنا ليس هو هذه المشروعات، أي مد جسر أو إنشاء مدينة، أو ميناء.. الخ، على الرغم من أهمية مثل هذه المشروعات، فهي بالتأكيد تساعد في تفعيل القدرات التنافسية للدولة، ولكن المقصود بالمشروعات الاستراتيجية تلك المشروعات ذات الطابع الإنتاجي بالدرجة الأولى. بالتأكيد نحن نحتاج إلى قدر اكبر من التحليل باستخدام نماذج SWOT، لتحديد مواطن القوة التي نمتلكها، ومواطن الضعف التي نعاني منها، وتحديد طبيعة الفرص المتاحة وأفضل السبل لتعظيم العوائد منها، والمشكلات المختلفة التي يمكن أن نواجهها، وكل ذلك بهدف تحديد الميزة التنافسية التي يمكن أن نستثمر جهودنا وطاقاتنا فيها، وطبيعة القطاعات التي سننميها، والصناعات التي سنستثمر فيها، والأسواق التي نستهدفها.. الخ. ولا يمكننا أن نتحجج بأننا لا نملك موارد، أو إننا بلد صغير.. الخ، فهونج كونج جزيرة صغيرة وكذلك تايوان، وسنغافورة بلد صغير، وتتشابه هذه الدول في كثير من الخصائص معنا، ومع ذلك استطاعت تلك الدول أن تحقق معجزة اقتصادية على الرغم من ضعف مواردها، وفي غضون فترة زمنية قصيرة. بل على العكس، من وجهة نظري نحن في وضع أفضل من الوضع الذي بدأت فيه تلك الدول خططها التنموية، على الأقل نحن نملك الموارد الرأسمالية الكافية، ولدينا كم لا بأس به من الاحتياطيات الدولية مثل هذه الاوضاع تمكننا من أن نبدأ مشروع التغيير براحة أكثر وضغوط أقل. كما أننا أصبحنا نعيش في عالم ليس فيه للتكنولوجيا أو الابتكار موطن محدد، بسبب موجة العولمة، ومن ثم فان الذي يستحوذ على ابتكار معين على المستوى العالمي، هو الذي يستطيع إنتاجه بتكاليف أقل، بغض النظر عن موطن هذا الابتكار الأصلي. نحتاج فقط أن نؤمن بحاجتنا الى هذا المشروع ونعدل تشريعاتنا لكي تتماشى مع متطلبات مثل هذا المشروع، ونقوم بحملات توعوية لغرس ثقافة التغيير وأهمية تحويل اتجاهاتنا نحو المستقبل، ونقدم لغيرنا كافة المزايا التي تعمل على تشجيعهم على المشاركة معنا في تحقيقه، تاركين فكرة ان كل شيئ لا بد وأن يتم من خلالنا، وهو ما يعني ضمنا الغاء نظام الكفيل الكويتي لأنه يضرنا أكثر مما يفيدنا، ونسخر كل طاقاتنا وامكانياتنا لتهيئة السبل نحو نجاح مثل هذا المشروع
.

إنشاء مجموعة من الصناعات المتكاملة Clusters

أن الهدف الأساسي من مثل هذا النوع من التحليل إنشاء مجموعة من الكلسترز (أو العناقيد) الصناعية في مجموعة من الشركات التي تتسم بتكامل أنشطتها، أو ما يطلق عليه الكلسترز الصناعية وهي مجموعة من الشركات المتكاملة التي تعمل في منطقة صناعية محددة، تحقق وفورات من وجودها في نفس الموقع، أما وفورات رأسية أو أفقية، على سبيل المثال كلستر لصناعة الشحن البحري، أو كلستر لصناعة الكيماويات، أو كلستر لصناعات المنتجات عالية التقنية hi-tech، أو كلستر للخدمات المالية، أو كلستر للخدمات اللوجستية ارتكازا على ما حققته بعض الشركات الكويتية من سبق في هذا المجال، أو كلسترز لخدمات إعادة التصدير، أو كلسترز للخدمات التجارية، أو كلسترز في مجال الخدمات السياحية، فلدينا سبع جزر يمكن ان تكون أماكن سياحية من الدرجة الأولى، ... الخ، مثل هذا النمط من الصناعات أثبت جدارته في الكثير من الدول الناشئة لما تقدمه من مزايا ووفورات أفقية ورأسية تساعد على رفع مستويات النمو بسرعة وتنويع هيكل الانتاج والدخل. على سبيل المثال فان سر قوة الهند في عالم اليوم هو حجم الكلسترز الصناعية بها. ويتطلب هذا الامر مجموعة من دراسات السوات SWOT لتحديد نقاط القوة ونقاط الضعف لكل كلستر في الكويت، ومن ثم اجراء دراسات مكثفة للتعرف على سبل تعزيز نقاط القوة وسبل معالجة نقاط الضعف، على الاقل على اساس مرحلي. كذلك يجب أيضا تحليل الفرص المتاحة للكويت اقليميا وعالميا من كل كلستر، والعقبات أو التهديدات التي يمكن ان تواجه كل كلستر اقليميا وعالميا، ومن ثم أيضا دراسة كيفية تعظيم الفرص المتاحة لهذه الكلسترز اقليميا وعالميا، وسبل التغلب على العقبات أو التهديدات التي تواجه هذه الكلسترز اقليميا وعالميا، ومما لا شك فيه أن ذلك التحول لن يتم ذلك إلا من خلال جهد قومي يشمل كافة منظمات المجتمع المدني والحكومة لإحداث تغير في المفاهيم أولا، وتحويل الاهتمام إلى هذه القضية المصيرية، ولرسم أبعاد هذه الإستراتيجية بالاستعانة بالكوادر الوطنية والعالمية، وذلك في مناخ سياسي مناسب. بمعنى أن نقطة الانطلاق لنجاح أي مشروع قومي على هذا المستوى لا بد وان تستند إلى إصلاح سياسي أولا يعالج مواطن الفساد ويسمح بأكبر قدر من الشفافية والمحاسبة في ذات الوقت في ظل نمط حكومي صالح Good Governance، يستهدف مصلحة الجمهور بالدرجة الأولى، ويمثل قدوة ومثال يحتذي به، ويسهل من خلاله تسويق مثل هذا المشروع الوطني لدى الجمهور استنادا إلى ثقة لدى المواطن بالحكومة. ولا يمكن لنا أن ندعي أننا لا نصلح لإنشاء مثل هذه الكلسترز، أو أننا لا نمتلك العناصر البشرية اللازمة.. إلى آخر هذه الحجج، فالكلسترز تتنوع أشكالها بشكل كبير، منها ما يصلح للدول كثيفة السكان، ومنها ما يصلح للدول صغيرة السكان وكثيفة رأس المال، منها ما يصلح للدول المتقدمة، ومنها ما يتوافق مع طبيعة الدول المتخلفة، ما علينا سوى ان نقوم ببذل الجهد اللازم لدراسة جدوى هذه الكلسترز لنختار منها ما يناسبنا.

تحويل الكويت إلى مركز مالي

يعد مشروع تحويل الكويت إلى مركز مالي احد المشروعات الإستراتيجية الهادفة إلى تنويع هيكل الناتج والدخل بدولة الكويت. فقد أشارت وثيقة "مسودة مشروع خطة التنمية الخمسية لدولة الكويت" (2006/2007-2010/2011)، إلى تحويل الكويت كمركز مالي وتجاري إقليمي كأحد سياسات تطوير وتنويع الهيكل الاقتصادي لدولة الكويت خلال سنوات الخطة. وقد تناولت الخطة مجموعة السياسات اللازمة لتحويل الكويت إلى مركز مالي بالنسبة لـ "خلق بيئة مناسبة لعمل المركز المالي الإقليمي مع الالتزام باتخاذ الإجراءات اللازمة لتهيئة القطاع المصرفي لمواجهة التحديات المستقبلية المترتبة على تنفيذ اتفاقية تحرير تجارة الخدمات في إطار منظمة التجارة العالمية" (صفحة 5).
[1] وفي هذا الإطار فقد تم تخصيص برنامجين لدعم مشروع الكويت كمركز مالي: الأول "زيادة كفاءة الجهاز المصرفي" متضمنا مجموعة من الآليات لتنفيذ البرنامج تشمل تعزيز مبادئ الإدارة السليمة في العمل المصرفي، ودعم مناخ المنافسة الحرة للخدمات المصرفية، وتطوير نظم الرقابة على البنوك التجارية، ودعم نظم الإشراف المصرفي، والثاني "تطوير سوق الكويت للأوراق المالية" متضمنا مجموعة من الآليات التي تنصرف إلى تطوير الأنظمة الحالية في سوق الكويت للأوراق المالية، وتنويع الأدوات الاستثمارية والمؤسسات العاملة في السوق، وتوسيع القاعدة الاستثمارية للسوق، وتحسين درجة الشفافية وتوفير المعلومات ونشرها وأخيرا تفعيل الدور الرقابي للسوق. وقد كان من المفترض أن تبدأ دولة الكويت في اتخاذ الخطوات التنفيذية لتحويل المشروع إلى واقع عملي.

ويهدف المشروع إلى تنشيط دور الكويت إقليميا وعالميا كمركز لتقديم الخدمات المالية بمختلف أشكالها للمقيمين وغير المقيمين، بصفة خاصة للشركات الدولية وحكومات الدول الأخرى، ويتم ذلك من خلال قبول الأموال من غير المقيمين، سواء أكانوا أفرادا أو مؤسسات أو حكومات، وإعادة إقراضها بصفة أساسية لغير المقيمين، أو استثمارها داخل وخارج دولة الكويت، ويتطلب ذلك الأمر إنشاء عدد كبير من المؤسسات المصرفية وغيرها من مؤسسات الوساطة المالية الأخرى لتعمل في مناخ حر ونظم رقابية تساعد على سهولة انسياب الأموال من والى دولة الكويت، مع مراعاة القواعد والنظم الدولية التي تضمن الاستخدام الصحيح لتلك الأموال.

غير أن إنشاء مركز مالي يمارس هذا الدور يتطلب توافر مجموعة من الشروط، كي يقف المشروع على قدميه، ويواجه المنافسة، والتي أصبحت بفضل تطور وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية إلى منافسة عولمية Global. من ناحية أخرى فان إنشاء مركز مالي لا يضمن استمرار عمل المركز، ففي دراسة لـ(1974) Kindleberger عن المراكز المالية في الدول الغربية توصل إلى أن التجربة التاريخية تشير إلى انه مثلما تنتعش المراكز المالية، فإنها تزول أيضا، وان هذا التحول إنما يعكس طبيعة التحول في العوامل الديناميكية مثل الاستقرار السياسي وأنماط النظم السائدة والبنى التحتية المرتبطة بالنقل والاتصالات..الخ.

وغني عن البيان أن الأزمة المالية الحالية أظهرت مدى خطورة اعتماد دولة ما على أن تكون مركزا ماليا تولد دخولها بشكل أساسي منه، على الرغم من ارتفاع العوائد المولدة من مثل هذه المراكز. على سبيل المثال فان مستوى دخل الفرد في أيسلندا كان الأعلى على المستوى العالمي بسبب اعتمادها على القطاع المالي. غير أن الأزمة المالية العالمية وضعت هذا البلد على حافة الإفلاس.

خلاصة التحليل أن تحويل الكويت إلى مركز مالي يتطلب مجموعة من الإصلاحات لتهيئة بيئة الأعمال على المستوى القومي يمكن تلخيصها في الأتي:

* ترشيد الدور التدخلي للدولة في الحياة الاقتصادية
* إطلاق قوى السوق وجهاز الأسعار لتوجيه الموارد في الاتجاه الصحيح
* إيجاد البيئة مناسبة للاستثمار الخاص ودعم وتطوير القطاع الخاص
* إيجاد سوق مالية منظمة جيداً تتمتع بالكفاءة
* بناء مجتمع المعلومات والمعرفة
* تطوير الأداء الاقتصادي

كلمة أخيرة: الفوائض المالية مؤقتة

الحقيقة هي أن هذه الفوائض المالية التي تتمتع بها الكويت حاليا، بل وجل الإيرادات النفطية التي تأتينا، سواء تحقق منها فائض أم لم يتحقق، هي مؤقتة بطبيعتها، لأنها ترتبط أساسا بمورد ناضب هو النفط الخام، سوف ينتهي هذا المورد يوما ما، ربما بعد 50 عاما، أو أقل من ذلك أو أكثر يعتمد ذلك على كمية الاحتياطيات الحقيقية التي تملكها الكويت من النفط ومعدل الاستخراج من تلك الاحتياطيات. إن أفضل التقارير المتاحة لدينا الآن تشير إلى أن النفط ربما ينضب في غضون خمسين عاما على الأكثر. معنى ذلك أن الفوائض النفطية هي بطبيعتها مؤقتة، شئنا ذلك أم أبينا.

الفوائض النفطية هي أيضا خادعة، لأنها توحي لنا، بل وتوهمنا، بأننا أمة غنية، لديها فوائض، وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن ينعم الناس بهذه الفوائض. وحقيقة الأمر أننا لسنا أمة غنية كما قد يتصور البعض، إننا أمة فقيرة جدا في مواردها. فبدون النفط سنواجه كارثة تهدد بقائنا على هذه الأرض الطيبة، أو ربما تهدد استقلالنا كدولة. وربما يرد البعض بالقول بأننا أمة عاشت عمرها بدون نفط، فليذهب النفط، ونحن باقون. نعم هذا صحيح، ولكن على أي صورة، وبأي حال؟ من المؤكد أننا سنبقى، ولكن في حال مختلفة تماما عما نعيشه اليوم.

خلاصة القول هي أن الوفرة الحالية التي تمر بها الكويت تمثل فرصة ذهبية نادرة، ربما لا تتكرر أبدا في تاريخ الكويت، فإما أن نكون على مستوى المسئولية والحدث ونتعامل مع تلك الفوائض بما ينبغي، بدلا من دعوات الهدم والهدر سعيا وراء الأصوات الانتخابية أو السمعة والشهرة، أو تحقيق نفع أو مكسب ذاتي، وإلا فان الثمن سيكون فادح جدا، إنه مستقبل الكويت ومستقبل أجيالها، وربما وجودها كدولة مستقلة. إن التاريخ والأجيال القادمة لن ترحم الجيل الحالي إذا لم يحسن استخدام الفرصة ويكون على القدر المناسب من المسئولية قبل مستقبل هذا البلد ومستقبل أجياله القادمة.
----------------------------------------
[1] - وزارة التخطيط "مسودة مشروع خطة التنمية الخمسية لدولة الكويت (2006/2007-2010/2011)، نوفمبر 2005.

هناك ٥ تعليقات:

  1. thank you professor el sakka for enriching your blog viewers with your strategic thinking. Prof. unfortunately I found reading this entry a bit hard. I think there are some missing words that are making it hard to understand. Please check the third paragraph and below where every line ending, the word in the line after doesn't link with the line before it. thank you prof.

    ردحذف
  2. Thank you for your comment.

    I checked the entry. It seems Ok on my labtop and desktop as well. Perhaps there is a problem with your viewing instrument.

    Just send me your email, I ll send you the original word file.

    Thanks again.

    ردحذف
  3. Thank you prof. for your timely reply. Yeah it seems that the problem was from my browser. The article is complete right now. Thanks again prof.

    ردحذف
  4. كفو والله يادكتور محمد

    شرح ممتاز وزبدة الزبده

    انشالله تكون في ميزان حسناتك لان مدونتك تعتبر من العلم اللي ينتفع به وهي احد افرع الصدقة الجاريه

    اخوك لافي اللافي

    ردحذف
  5. مشكور لافي على تعليقك، وعلى مرورك
    شكرا جزيلا

    ردحذف