الثلاثاء، أغسطس ٢٤، ٢٠١٠

ما هو الاقتصاد الخفي

يعتبر الاقتصاد الخفي من الظواهر القديمة في كافة المجتمعات الإنسانية ، فجرائم السرقة والنصب والاحتيال والابتزاز وغيرها من الجرائم ذات الدوافع الاقتصادية، قديمة قدم الإنسان نفسه على هذه الأرض. كذلك يمكن افتراض أن جرائم التهرب الضريبي والتحايل على القوانين والإجراءات الحكومية قد بدأت فعليا مع إدخال نظم الضرائب والإجراءات المنظمة لممارسة الأنشطة الاقتصادية المختلفة في المجتمعات المختلفة. إلا أنه مع ذلك فان الاهتمام بهذه الظاهرة لم يبدأ إلا منذ أعوام قليلة مضت.
ويوجد شبه اتفاق بين دارسي الاقتصاد الخفي على أن الظاهرة تشترك فيها كافة دول العالم المتقدم منها والنامي. بل ويمكن التأكيد بأن كل منا قد شارك بالفعل بشكل أو بآخر في أنشطة هذا الاقتصاد ، سواء كان يعلم أو لا يعلم أنه يتعامل في الاقتصاد الخفي. على سبيل المثال عندما ندفع نقودا في مقابل درس خصوصي لأبنائنا ، أو عندما نستدعى سباكا أو نجارا أو غير ذلك ، أو عندما نشترى سلعة من بائع جائل ، أو عندما ندفع بقشيشا أو رشوة ... الخ، فإننا نتعامل في الاقتصاد الخفي. ذلك إن أمثال هؤلاء لا يكشفون عن مثل هذه الدخول إلى السلطات الضريبية. ونحن نسمع من وقت لآخر من وسائل الإعلام عن قصص حول الاقتصاد الخفي ، كذلك قد نسمع عن بعض المعاملات التي تتم بالمقايضة أو نسمع عن بعض الأنشطة والمبادلات غير القانونية التي تتم ولا تسجل أو لا تقاس.
ويتفق الكثير من الباحثين في مجال الاقتصاد الخفي على أن مصطلح الاقتصاد الخفي يضم مجموعة مختلفة من الأنشطة التي تشترك في محاولة التهرب الضريبي أو الحاجة إلى تجنب القيود الروتينية الموضوعة على عملية ممارسة النشاط الاقتصادي. غير أن هناك جانبا لا يمكن إهماله من الأنشطة التي تتم في هذا الاقتصاد بسبب الطبيعة الخاصة لهذه الأنشطة والتي تعد مخالفة للقانون. على سبيل المثال فان أنشطة الرشوة والعمولات والسرقة وبيع السلع المسروقة وتجارة المخدرات وأنشطة التهريب السلعي Smuggling وتهريب الأموال وأنشطة القمار والدعارة وأنشطة المافيا أو فرض الإتاوات... إلى آخر هذه القائمة الطويلة من الأنشطة التي تعد مخالفة للقانون قد تمثل جانبا لا يمكن إهماله.
ويشير Mirus, Roger, & Smith [ 1994a ] إلى أن ما نطلق عليه بأنشطة الاقتصاد الخفي سيعتمد على المنظور الذي ننظر منه إلى هذا الاقتصاد. فقد ننظر إلى الاقتصاد الخفي على أنه يضم كافة الأنشطة المصاحبة لعمليات التهرب الضريبي الناشئ عن وجود هذا الاقتصاد. أو قد ننظر إليه من منظور أثر وجود هذا الاقتصاد على مدى دقة حسابات الناتج القومي في الاقتصاد ككل. ومن المنظور الأول فان نقطة الانطلاق هي النظام القانوني الذي يحدد طبيعة الدخول التي تخضع للضريبة. ووفقا لذلك فان الاقتصاد الخفي يشمل كافة الأنشطة التي تولد دخلا يخضع للضريبة والتي يتم إخفاءها عن السلطات الضريبية في البلاد بهدف التهرب من دفع الضريبة. أما من المنظور الثاني فان الاقتصاد الخفي سيتسع ليشمل كافة الأنشطة التي يترتب عليها توليدا للدخل ، سواء أكانت هذه الأنشطة قانونية أو غير قانونية ، أو سواء إذا كانت خاضعة أو غير خاضعة للضريبة.
ولكن هل يمكن أن نطلق على هذا الاقتصاد عبارة الاقتصاد غير القانوني. إن مدى دقة هذا اللفظ سوف تعتمد على مفهومنا حول ما يمكن أن نطلق عليه غير قانوني. فهل الأنشطة المولدة للدخل في الاقتصاد الرسمي والتي لا يعلن عنها للسلطات الضريبية تعد غير قانونية ، أم أن عملية التهرب الضريبي ذاتها هي التي تعد غير قانونية. أن المشكلة الأساسية التي نواجهها هنا لها جانبان ، جانب حسابي وجانب قانوني. فالجانب الحسابي يتمثل في أن هناك جزءا من النشاط الاقتصادي يتم في إطار قانوني كامل ويتمتع بالصفة القانونية ولكنه لم يسجل ضمن حسابات الدخل القومي لتعمد إخفاؤه بهدف التهرب من الضريبة. أما الجانب الآخر، وهو التهرب الضريبي ، فهو الجانب غير القانوني في القضية. ولذلك يصعب أن نطلق على كافة المعاملات التي تتم في الاقتصاد الخفي بأنها معاملات غير قانونية.
من ناحية أخرى نجد أن بعض الاقتصاديين مثل Molefsky [ 1982 ] يشير إلى أن عبارة الاقتصاد الخفي لا تعنى أن كافة المعاملات التي تتم في الاقتصاد الخفي لا تسجل في الإحصاءات الرسمية للدخل القومي. فهناك احتمال أن يشمل الاقتصاد الخفي جانبا من المعاملات التي تتم أصلا في الاقتصاد الرسمي. فقد تنتج بعض السلع في الاقتصاد الرسمي ، ومن ثم تسجل بالتبعية ضمن حساباته ، ومع ذلك يتم استخدامها في الاقتصاد الخفي ، ولا تسجل بالتالي القيمة المضافة التي تتم عليها في الاقتصاد الخفي ضمن حسابات الناتج القومي.
ومما سبق يمكن تعريف الاقتصاد الخفي بأنه " كافة الأنشطة المولدة للدخل الذي لا يسجل ضمن حسابات الناتج القومي إما لتعمد إخفاءه تهربا من الالتزامات القانونية المرتبطة بالكشف عن هذه الأنشطة ، وإما بسبب أن هذه الأنشطة المولدة للدخل بحكم طبيعتها تعد من الأنشطة المخالفة للنظام القانوني السائد في البلاد ". ووفقا لهذا التعريف فان أنشطة الاقتصاد الخفي تشمل الدخول المولدة بطرق شرعية ولكن لا يعلن عنها للإدارات الضريبية ، وكذلك الأنشطة الإجرامية التقليدية مثل الاتجار بالمخدرات والقمار والتهريب وغيرها. وأخيرا عمليات المقايضة التي تتم بدون استخدام النقود.
وتختلف أسباب نمو الاقتصاد الخفي من دولة لأخرى ، إلا أن هناك اتفاق على عدة أسباب على أنها المسئولة عن نمو الاقتصاد الخفي، وأهمها ارتفاع مستويات الضرائب أو الرغبة في التهرب منها، حيث يتزايد الحافز نحو التحول إلى العمل في الاقتصاد الخفي إذا كانت الأنشطة في الاقتصاد الرسمي تتعرض للمزيد من الضرائب من وقت لآخر. ويعتمد قرار المشاركة في الاقتصاد الخفي للتهرب من الضرائب على أساس الموازنة بين العقوبات التي قد يتعرض لها الفرد في حالة اكتشاف التهرب ، وكافة المخاطر الأخرى ، وبين الدخول الإضافية التي ستعود عليه من التهرب من دفع الضرائب ، أخذا في الاعتبار مدى استعداده لتحمل المخاطرة. وبناءا على هذه الموازنة يتخذ الفرد قراره بالتهرب أو عدم التهرب.
ويؤدى نمو العبء الضريبي سواء أكان ذلك بالنسبة للضرائب المباشرة أو الضرائب غير المباشرة إلى رفع نسبة الضرائب إلى الناتج القومي. وهو ما يدفع إما إلى محاولة تجنب الضرائب أو التهرب من دفع الضرائب. ويؤدى ارتفاع العبء الضريبي إلى تحويل بعض الأنشطة إلى الاقتصاد الخفي ، حيث تصبح هذه الأنشطة غير مسجلة وبالتالي لا تدفع ضرائب. ويتوقع أن تؤدى كل أشكال الضرائب إلى تحول المشروعات نحو الاقتصاد الخفي ، إلا أن أهمية ودرجة تأثير نوع معين من الضرائب تختلف من دولة إلى أخرى. على سبيل المثال فان نمو الاقتصاد الخفي في الولايات المتحدة يعزى إلى الضرائب على الدخل. بينما يعزى نمو الاقتصاد الخفي في أوروبا إلى ارتفاع اشتراكات التأمينات الاجتماعية والضرائب على القيمة المضافة. أما إذا ما أخذنا الدول النامية في الاعتبار فان الضرائب المرتفعة على التجارة الخارجية لهذه الدول يمكن إدخالها أيضا في قائمة العوامل المسئولة عن تحول المشروعات نحو الاقتصاد الخفي.
على سبيل المثال يشير Hansson ( 1982 ) إلى أن ارتفاع معدل الضريبة على الدخل الإضافي يمثل العامل الرئيسي في ظهور الاقتصاد الخفي في السويد. فوفقا لمعدلات الضريبة السائدة في السويد يؤدى قيام الممول بعدم الكشف عن دخوله الإضافية إلى تهرب ضريبي نسبته 65% من الدخول غير المكشوف عنها. الأمر الذي يمثل حافزا كبيرا للممولين نحو التهرب الضريبي والتحول نحو الاقتصاد الخفي. ويعطى Hansson ( 1982 ) مثالا على ذلك في حالة السويد ، حيث يشير إلى أن العامل الذي يعمل في الاقتصاد الخفي ساعة إضافية بنصف الأجر الذي يعمل به في الاقتصاد الرسمي سيحصل على إيراد صافى يساوى ضعف إيراده من تلك الساعة إذا ما عمل في الاقتصاد الرسمي ودفع الضريبة المفروضة في الاقتصاد الرسمي عن هذه الساعة الإضافية. وبالرغم من كون النظام الضريبي في السويد من الأنظمة ذات الكفاءة العالية ، بالإضافة إلى انخفاض نسبة الفساد الإداري بين العاملين في مجال الضرائب ، والتي تكفل حصر الاقتصاد الخفي في أضيق نطاق ممكن بالمقارنة بباقي الدول ، إلا أن Hanson ( 1982 ) يشير إلى أن آثار ارتفاع معدلات الضريبة ، وبصفة خاصة على الدخول الحدية على المدى الطويل ، تنعكس في صورة ازدهار للاقتصاد الخفي ، وتوفر بالفعل دوافع نحو المخاطرة والتحول نحو الاقتصاد الخفي.
وتمثل العلاقة التبادلية بين التضخم وارتفاع مستويات الضريبة على الدخل عاملا إضافيا يؤدى إلى ازدهار أنشطة الاقتصاد الخفي. فعندما تزداد الدخول الاسمية مع ارتفاع معدلات التضخم ينتقل دافعي الضرائب إلى شرائح أعلى من الدخل ، وهو ما يؤدى إلى ارتفاع معدلات الضرائب بالرغم من أن الدخل القابل للتصرف بعد فرض الضريبة قد ينخفض من الناحية الحقيقية بفعل وجود التضخم. لذلك يعمد بعض الأفراد إلى التهرب الضريبي من خلال إخفاء جانب من دخولهم عند كتابة إقراراتهم الضريبية ، أو قد يميلون إلى تفضيل إجراء المعاملات من خلال نظام المقايضة حتى يتجنبون انخفاض مستويات المعيشة الناجمة عن التضخم وارتفاع معدلات الضريبة في ذات الوقت.
على أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل يؤدى تخفيض معدلات الضريبة إلى القضاء على الاقتصاد الخفي؟. إن تخفيض معدلات الضريبة قد لا يعنى بالضرورة القضاء على الاقتصاد الخفي. ذلك أن المتعاملين في الاقتصاد الخفي يتمتعون بمعدل ضريبة فعلى يساوى صفرا. وبالتالي فان تخفيض معدل الضريبة بعدة نقاط ليس من المحتمل أن يؤثر على رغبة هؤلاء الأفراد في إظهار دخولهم الحقيقية ودفع الضريبة المطلوبة. على انه على أحسن الفروض يمكن تخيل أن تخفيض معدل الضريبة سوف يقلل من الحافز نحو دخول مزيد من الأفراد إلى الاقتصاد الخفي. أما هؤلاء الذين يتعاملون فعلا في الاقتصاد الخفي فيصعب تصور أن تتأثر أعدادهم بتخفيض معدلات الضريبة.
كذلك فان إدخال أشكال أخرى من الضريبة غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة Value Added Tax ( VAT ) ، أو ضريبة المبيعات Sales Tax بدلا من الضرائب على الدخل لن يقضى على الاقتصاد الخفي. على سبيل المثال فان الدول الأوروبية تعانى من وجود اقتصاد خفي بالرغم من استخدام ضريبة القيمة المضافة على نطاق واسع. ذلك أن من الممكن التهرب من ضريبة القيمة المضافة من خلال الاتفاقات التي يمكن أن تتم بين المنتجين والمشترين ، وكذلك من خلال تزييف الفواتير. وإذا ما نجح المتعاملون في التهرب من الضريبة على القيمة المضافة فان ذلك سوف يمكنهم من تحصيل الضريبة والاحتفاظ بها لأنفسهم.
وبالرغم من أن التحليل الاقتصادي الجزئي Microeconomic Analysis للضريبة يشير إلى أن أرباح المنتج تميل إلى الانخفاض مع زيادة مستوى الضريبة لان المنتج قد يضطر إلى تحمل جانبا من الضريبة ، يعتمد ذلك على درجة مرونة الطلب السعرية. إلا أن التحول نحو الاقتصاد الخفي يجعل من الضريبة مصدرا جيدا للدخل للكثير من تجار التجزئة. بل وقد يمكنهم من زيادة مستوى أعمالهم وذلك عن طريق منح خصم لعملائهم يعادل قيمة - أو جزء من - الضريبة.
ويرتبط بهذا العنصر مدى شعور الأفراد بالرضاء عن السياسات الحكومية ، وقناعتهم بالأهداف التي تسعى السلطات إلى تحقيقها. إذ يعد ذلك من العوامل الفعالة في رفع درجة الالتزام الأدبي من جانب الأفراد نحو دفع الضريبة. فإذا أحس الأفراد بعدم جدوى البرامج الحكومية ، أو أن هناك إسرافا مبالغا فيه في إنفاق حصيلة الضرائب ، أو أحس الأفراد بان ليس هناك عائد ملموس يعود عليهم ، فإنهم قد يميلون إلى محاولة التهرب من أو تجنب دفع الضريبة.
ويرى البعض أنه إذا لم يكن هناك ضرائب فان الاقتصاد الخفي سوف يستمر أيضا في الظهور بسبب القيود الحكومية الأخرى المفروضة على النشاط الاقتصادي للأفراد. وتفرض هذه النظم أو القيود إما بهدف تنظيم ممارسة أعمال معينة أو رفع مستوى الرفاهية الاقتصادية للأفراد وضمان مستويات مناسبة من المعيشة أو الرفاهية أو الأمان. أو قد تفرض بسبب أن الأنشطة ذاتها أنشطة إجرامية أو غير قانونية من المنظور الاقتصادي أو الاجتماعي. وإذا كانت هذه القيود مصحوبة بغرامات مرتفعة ونظام فعال للرقابة فقد تحول دون وجود مثل هذه الأنشطة ، إلا أنها للأسف في أغلب الأحوال ستحول هذه الأنشطة إلى الاقتصاد الخفي.
أن الكثير من الدول وبصفة خاصة الدول الصناعية تمنح بعض المزايا لأغراض رفع مستويات الرفاهية العامة للأفراد المقيمين داخل حدود دولهم. وتتناسب هذه المدفوعات بصورة عكسية مع الدخل. وعادة ما يبدأ صرفها عندما ينخفض الدخل إلى مستوى معين. وقد تؤدى نظم الضمان الاجتماعي ومدفوعات الرفاهية التي تدفعها الحكومة للأفراد إلى دفعهم نحو دخول الاقتصاد الخفي. فعندما يتعدى الدخل مستوى معين ، يصبح الفرد غير مؤهل للحصول على الإعانة الاجتماعية ، أو يحصل على جزء منها فقط. وقد يدفع هذا الأمر هؤلاء الأفراد إلى دخول الاقتصاد الخفي حتى لا تتأثر مدفوعات الضمان الاجتماعي لهم. ولهذا السبب تنتشر عمالة الأفراد الذين أحيلوا إلى التقاعد في الاقتصاد الخفي ، خوفا من تأثر مدفوعات المعاش لهم من جراء انكشاف مصادر الدخل التي يحصلون عليها من عملهم إذا ما قرروا العمل في الاقتصاد الرسمي.
وفى كثير من الأحيان تتطلب ممارسة بعض أنواع الوظائف أو الحرف الحصول على إذن رسمي أو ترخيص. كما قد تهدف هذه النظم إلى الحد من الكمية المعروضة من سلع أو خدمات معينة ، وهو ما ينشأ عنه في بعض الأحوال فجوة بين الكمية المعروضة والكمية المطلوبة من هذه السلع والخدمات ، مما يوفر دافع لدى الأفراد الذين ليس لديهم ترخيصا بمزاولة المهنة أو بإنتاج هذه السلع والخدمات إلى دخول الاقتصاد الخفي والعمل بأجر اقل أو الإنتاج بسعر أقل في الاقتصاد الخفي بدون تحمل الاستثمارات المتمثلة في تكاليف استخراج مثل هذه التراخيص.
كذلك فان بعض القيود الحكومية على إنتاج سلعة معينة قد تهدف إلى تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. مثل حماية مستوى المعيشة للعمال أو حماية المستهلكين. إلا أن ذلك يدفع بعض المنشآت إلى الظهور بهدف الحصول على ميزة تنافسية من خلال تجنب هذه القوانين. كذلك فان هناك مجموعة من القيود القانونية الأخرى التي تساهم في تحول المشروعات نحو الاقتصاد الخفي ، مثال ذلك القيود القانونية أو المفروضة من قبل نقابات العمال حول مستويات الأمان والسلامة الواجب توفيرها أثناء أداء الوظيفة. أو القيود القانونية الخاصة بالمواصفات الواجب الالتزام بها في تصميم المشروعات بهدف حماية البيئة. أو القيود على الحد الأدنى للأجور.
ويعتبر الاقتصاد الخفي مهم جدا بالنسبة للمشروعات الصغيرة ، كما أن المشروعات الصغيرة مهمة جدا لوجود الاقتصاد الخفي. فالمشروعات الصغيرة تميل إلى إجراء معاملاتها باستخدام النقود السائلة ، ومن المعلوم أن مجالات الأعمال التي تقوم على استخدام النقود السائلة في إجراء المعاملات تسهل من الأنشطة الخفية. ولهذا السبب نجد أن أي محاولة لتطبيق النظم الضريبية بالقوة يترتب عليها إفلاس عدد كبير من المشروعات الصغيرة ، لان هذه المشروعات تعمل أصلا في ظل افتراض عدم وجود ضرائب.
ويؤدى تزايد أعداد المشروعات الصغيرة التي تقوم أساسا على استخدام النقود السائلة في إبراء المعاملات إلى زيادة الأهمية النسبية للاقتصاد الخفي في العديد من الدول. حيث يصبح من السهل التهرب من الضريبة عندما يكون حجم المشروعات صغير نسبيا.
وتختلف طبيعة العوامل المسئولة عن نمو الاقتصاد الخفي من الدول النامية إلى الدول المتقدمة. فمما لا شك فيه أن جانبا كبيرا من التحليل عن أسباب نمو الاقتصاد الخفي تم على أساس حالة الدول المتقدمة ، والتي تلعب فيها الضرائب دورا أساسيا. أما فيما يتعلق بالدول النامية فان الأمر يختلف بعض الشيء. إذا أننا نواجه في هذه الحالة اقتصادا على جانب كبير من السيطرة والتحكم فيه من جانب الحكومة ويعانى من عجز في عرض بعض السلع. كما أن جانبا كبيرا من هيكل الضريبة ينصب على الضرائب الغير مباشرة وليس الضرائب على الدخل ، والتي يفترض أنها العامل الأساسي في نمو الاقتصاد الخفي في الدول المتقدمة. ولذلك نجد أن السبب الرئيسي في نمو الاقتصاد الخفي في هذه الدول هو نقص عرض السلع الاستهلاكية والرأسمالية ، وسهولة التلاعب في السلع التي توفرها الحكومة ، والتي يفترض أن يتم توزيعها من خلال المنافذ المختلفة التي تتولى الحكومة الإشراف عليها.
إن النظام الخاص بالأسعار في هذه الدول عادة ما يكون غير مناسبا ولا يعكس مستوى الندرة. فالسلع الأساسية تباع بأسعار مدعمة. وتؤدى هذه الأسعار المنخفضة إلى انتشار ظاهرة الطوابير وأحيانا زيادة فائض الطلب على السلع الاستهلاكية. ويؤدى ذلك الأمر إلى ازدهار أنشطة الاقتصاد الخفي أما من خلال إعادة بيع هذه السلع بصورة غير قانونية ، أو من خلال محاولة إنتاج هذه السلع في الاقتصاد الخفي للوفاء باحتياجات الطلب عليها.
وتلعب المعلومات دورا حيويا في أداء الاقتصاد الخفي. فكل من المشترين والبائعين في سوق السلع والعمل يحتاجون إلى معلومات عن الأطراف موضع المعاملات التي تتم على أرض الواقع. كذلك قد تكون هناك حاجة إلى المعلومات عن الأسعار والجودة والبدائل المتاحة. وبدون توافر هذه المعلومات فان السوق لا يمكنه العمل. وعلى ذلك لكي ينمو الاقتصاد الخفي فلابد من توافر المعلومات بسهولة وبتكلفة قليلة.
على أنه تنبغي الإشارة إلى انه إذا كانت البيانات متاحة بهذه السهولة للأطراف المتعاملة في الاقتصاد الخفي ، فانه من المتوقع بالتالي أن تكون متاحة أيضا للحكومة. ومما لاشك فيه أن المعلومات سوف يكون لها تكلفة لمن يريد التعامل في الاقتصاد الخفي. ومن ثم فان ازدهار الاقتصاد الخفي في هذه الحالة سوف يعنى أن الحكومة أما لا تستطيع جمع هذه المعلومات أو لا ترغب في جمعها أصلا.
الشكل التالي يوضح مدى انتشار الاقتصاد الخفي في 12 دولة من دول العالم، مرتبة حسب كثافة انتشار الاقتصاد الخفي من الأكثر إلى الأقل وهي لاتفيا واستونيا وبلغاريا وتركيا واليونان وايطاليا وأسبانيا والسويد وألمانيا وبريطانيا واليابان والولايات المتحدة لاحظ من الشكل أن الاقتصاد الخفي ينتشر بشكل مكثف في دول مثل لاتفيا واستونيا وبلغاريا حيث يتم حوالي 40% تقريبا من المبادلات في الاقتصاد الخفي، بينما يصل حجم الاقتصاد الخفي إلى أدنى مستوياته في بريطانيا واليابان والولايات المتحدة حيث يتم حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصاد الخفي.



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق