نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الجمعة 13/1/2012.
كثر الحديث عن فقدان الدولار الأمريكي لوضعه
الدولي كعملة التبادل الأساسية للعالم وعملة الاحتياط الأساسية التي تحتفظ البنوك
المركزية بها للأغراض المختلفة، وأخذنا نقرأ عن السيناريوهات البديلة لعصر الدولار
الذي ولى وقارب على الأفول، كما أخذت الترشيحات للعملات البديلة في التزايد، بصفة
خاصة بالنسبة لليورو أو اليوان الصيني. بل وأخذت بعض الدول مثل مجموعة البريكس في
الاتفاق على ترتيبات لتسوية المدفوعات الدولية فيما بينها بهدف استخدام عملاتها
الوطنية في تسوية قيمة المعاملات التجارية فيما بينها بدلا من الدولار، والذي نظر
البعض إليه على أنه يمثل ضربة قاصمة للوضع الدولي للدولار، دون أن يسأل أصحاب هذا
الرأي أنفسهم عن نسبة المعاملات التجارية البينية لتلك الدول إلى إجمالي الطلب
اليومي في سوق النقد الأجنبي، والذي يزيد حاليا عن 4 تريليون دولار يوميا تتم
أساسا بالدولار الأمريكي.
تجدر الإشارة إلى أن العالم أخذ يشهد مؤخرا تصاعد
الدور الدولي لبعض العملات غير التقليدية، مثل الفرنك السويسري والدولار الأسترالي
والدولار الكندي والتي يتزايد استخدامها يوما بعد يوم، غير أن الأهمية النسبية
لهذه العملات ما زالت محدودة إلى حد كبير، كما أن استخدام هذه العملات على النطاق
الدولي ينحصر تقريبا في تسوية المعاملات التجارية البينية والتي تمثل جانبا صغيرا
من إجمالي الطلب اليومي على العملات في السوق العالمي للنقد الأجنبي.
من الناحية الواقعية فإن الأوضاع الأرض لا
تسير على هذا النحو الذي توحي به تحاليل المراقبين في هذا المجال، ويوما بعد يوم
تثبت التقارير أن الوضع الدولي للدولار لم يتدهور على النحو الذي يشير إليه بعض
الكتاب أو يحاول الآخرون إقناعنا به، وأن العملة الخضراء ما زالت هي عملة التبادل
الأساسية للعالم وعملة الاحتياط الأولى للبنوك المركزية لكافة دولة العالم.
منذ عدة أيام صدر التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي عن
إجمالي احتياطيات العالم من النقد الأجنبي، والذي احتوى على أحدث إحصاءات
احتياطيات البنوك المركزية لـ 139 دولة من النقد الأجنبي حتى الربع الثالث من عام
2011، وتشمل الاحتياطيات الدولية المطالبات على غير المقيمين (الأجانب) في
صورة نقد (أجنبي) سائل، واحتياطيات مصارف (بالنقد الأجنبي)، وأذون خزانة وسندات
حكومية قصيرة وطويلة الأجل لحكومات أخرى، والمطالبات الأخرى بالنقد الأجنبي
القابلة للاستخدام في سداد احتياجات ميزان المدفوعات. الجدول رقم (1) يوضح تطور احتياطيات النقد الأجنبي
خلال الخمس سنوات الماضية، والتي تنقسم إلى نوعين؛ الاحتياطيات المخصصة، ويقصد بها
احتياطيات البنوك المركزية للدول التي تقدم بيانات للصندوق عن تفاصيل
تخصيص احتياطياتها بالنقد الأجنبي، والاحتياطيات غير المخصصة، وتشمل احتياطيات
الدول التي لا تقدم بيانات عن كيفية تخصيص احتياطياتها لصندوق النقد الدولي وأي
فجوات في البيانات عن الاحتياطيات المقدمة للصندوق. يتضح من الجدول أعلاه الآتي:
-
أن احتياطيات البنوك المركزية في العالم من النقد
الأجنبي قد تزايدت من 6.7 تريليون دولارا في 2007، عندما انطلقت أزمة سوق الرهن
العقاري في الولايات المتحدة، إلى حوالي 10.2 تريليون دولارا في الربع الثالث من
2011، تزايدت منها الاحتياطيات المخصصة من 4.1 تريليون دولارا إلى 5.4 تريليون
دولارا على التوالي، بينما تزايدت الاحتياطيات غير المخصصة من 2.6 تريليون دولارا
تقريبا إلى 4.7 تريليون دولارا على التوالي.
-
من بين الاحتياطيات المخصصة تزايد الطلب على الدولار
الأمريكي في إجمالي احتياطيات دول العالم من 2.6 تريليون دولارا في 2007 أي بنسبة
64.1% من إجمالي الاحتياطيات المخصصة إلى حوالي 3.4 تريليون دولارا في الربع
الثالث من العام الماضي، أي بنسبة 61.7% من الاحتياطيات المخصصة. العملة الوحيدة
التي يمكن القول بأنها تنافس الدولار كعملة احتياط عالمية نسبيا هي اليورو
الأوروبي، والتي تزايد الطلب عليها من 1.1 تريليون دولارا في 2007، أي بنسبة 26.3%
من إجمالي الاحتياطيات المخصصة، إلى 1.4 تريليون دولارا أي بنسبة 25.7% من إجمالي
الاحتياطيات المخصصة في الربع الثالث من 2011.
-
وفقا لآخر البيانات المتاحة فإنه ما بين الربعين الثاني
والثالث في العام الماضي تزايد طلب البنوك المركزية على الدولار الأمريكي من 3.298
تريلون دولارا إلى 3.360 تريليون دولارا على التوالي، بينما تراجع الطلب على
اليورو من 1.458 تريليون دولارا إلى 1.400 تريليون دولارا على التوالي.
-
أن طلب البنوك المركزية في العالم على العملات الأخرى
(والتي تتمثل أساسا في الجنيه الإسترليني والين الياباني والفرنك السويسري وغيرها
من العملات مثل الدولار الكندي والدولار الأسترالي) تزايد من 395 مليار دولارا في
2007، بنسبة 9.6% من إجمالي الاحتياطيات المخصصة إلى 684 مليار دولارا في الربع
الثالث من 2011، بنسبة 12.6%. غير أنه ما بين الربعين الثاني والثالث من العام
الماضي انخفض الطلب على هذه العملات من 711 مليار دولارا إلى 684 مليار دولارا.
-
أن هذه التطورات تشير إلى أن الربع الثالث من 2011 قد
شهد تراجعا في الطلب على كافة العملات في الاحتياطيات الدولية للبنوك المركزية
فيما عدا الدولار الأمريكي الذي استمر الطلب عليه في التزايد.
من ناحية أخرى اذا ما حاولنا تتبع الطلب على
الاحتياطيات الدولية وفقا للمجموعات المختلفة من دول العام سوف نلاحظ التالي:
-
أن طلب الدول المتقدمة على الدولار الأمريكي قد تزايد من
1.423 تريليون دولارا في 2007 إلى 1.915 تريليون دولارا في الربع الثالث من 2011.
كذلك تزايد طلب هذه المجموعة على اليورو من 522 مليار دولارا إلى 698 مليار دولارا
على التوالي. بينما تزايد طلب الدول النامية والناشئة على الدولار من 1.218
تريليون دولارا إلى 1.446 تريليون دولارا على التوالي. في الوقت الذي تزايد فيه
طلب هذه المجموعة على اليورو من 560 مليار دولارا إلى 703 مليار دولارا على
التوالي.
-
ما بين الربع الثاني والربع الثالث من 2011 تزايد طلب
الدول المتقدمة على الدولار من 1.791 تريليون دولارا إلى 1.915 تريليون دولارا،
بينما تراجع طلب هذه المجموعة خلال نفس الفترة على اليورو بصورة محدودة من 707
مليار دولارا إلى 698 مليار دولارا على التوالي. أما بالنسبة للدول النامية
والناشئة فقد تراجع طلبها على الاحتياطيات بالدولار من 1.507 تريليون دولارا إلى
1.446 تريليون دولارا، وكذلك تراجع طلبها على الاحتياطيات باليورو من 751 مليار
دولارا إلى 703 مليار دولارا على التوالي.
إن خلاصة التطورات السابقة هي أن الطلب على
الدولار الأمريكي في تزايد مستمر بشكل عام، وأنه ما زال، على الرغم من الصعوبات
التي تعرض لها منذ بداية الألفية الثانية حتى اليوم، هو عملة العالم الأساسية سواء
في مجال التبادل أو في مجال الاحتياط، وأن هناك محاولات لاستبدال الدولار الأمريكي
بعملات أخرى في احتياطيات العالم من النقد الأجنبي ولكن الطلب على هذه العملات ما
زال محدودا وفي نطاق ضيق بالنسبة إلى إجمالي احتياطيات العالم من النقد الأجنبي،
وأن التطورات الأخيرة التي يتعرض لها اليورو الأوروبي تجعل الدولار الأمريكي سيد
الموقف بلا منازع، نظرا للخصائص المتميزة التي يتمتع بها الدولار التي أهمها أنه
يمثل عملة اقوى اقتصاد عالميا، وأن الولايات المتحدة تملك اكبر سوق للمال في
العالم، كما أن الولايات المتحدة تملك اكبر دين في العالم من الناحية المطلقة
والذي يقدر حاليا بـ 15.2 تريليون دولارا. هذا الدين الضخم، والذي يصنف على أنه من
افضل الديون السيادية في العالم يوفر، بصفة خاصة القصير الأجل منه، للبنوك المركزية
ميزة هامة وهي الاستفادة من احتياطياتها من النقد الأجنبي بالاستثمار في هذا الدين
وفي ذات الوقت التمتع بميزة سيولة هذه الاحتياطيات.
عقبااااااااااال الجنية المصرى لما يتحسن موقفه .. !!
ردحذف