نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الجمعة 20/1/2012
إلى أين يتجه النمو في المملكة العربية السعودية؟ هل يسير
النمو في المملكة في الاتجاه الصحيح؟ هل تحقق المملكة التنويع المطلوب لمستويات
الدخل والناتج بما يؤهل المملكة لدخول الألفية الثالثة بأمان؟ في أي اتجاه تذهب
الاستثمارات السنوية للمملكة، وهل تتمكن المملكة من التخلص من قيد المورد شبه الوحيد
للناتج والدخل؟ ما هي أهم التحديات الحقيقية التي تواجه المملكة في المستقبل؟،
وأخيرا ماذا يجب أن تفعل المملكة لمعالجة مشكلات النمو التي تواجهها؟ في هذه
السلسلة من المقالات سوف أحاول الإجابة على هذه الأسئلة حول اتجاهات النمو في
الاقتصاد السعودي.
دائما ما أبدا فصول التحليل الاقتصادي الكلي
على مستوى البكالوريوس أو الدراسات العليا بالحديث عن النمو الحقيقي والناتج المحلي
الحقيقي Real GDP،
والتفرقة بين الناتج والنمو الاسمي Nominal والناتج
والنمو الحقيقي Real،
والتأكيد على أن الإحصاءات المنشورة عن كل من الناتج والنمو الاسمي قد تكون مضللة،
أو تخفي تفاصيل جوهرية حول اتجاهات النمو ومعدلاته من الناحية الحقيقية.
يعرف الناتج الإسمي Nominal،
بأنه القيمة السوقية للناتج، وهي حاصل ضرب كميات الناتج من السلع والخدمات في
أسعارها السوقية (وغالبا ما يطلق عليه تسمية الناتج بالأسعار الجارية)، أما الناتج
الحقيقي فهو كميات السلع والخدمات التي يتم إنتاجها في الاقتصاد، ومن الناحية
الفعلية عادة ما يتم حساب هذا الناتج باستخدام أسعار سنة محددة يطلق عليها سنة
الأساس Base Year
(وغالبا ما يطلق عليه تسمية الناتج بالأسعار الثابتة). عندما يتغير الناتج الإسمي
فإن هذا التغير يكون بالتبعية محصلة قوتين؛ التغير في الكميات المنتجة من السلع
والخدمات (الناتج الحقيقي) والتغير في الأسعار السوقية، وتعتمد اتجاهات النمو في
الناتج الإسمي على أيهما أقوى في الأثر. فمن الممكن أن تزيد كميات الناتج وكذلك
الأسعار فيزيد كل من الناتج الإسمي والحقيقي، ومن الممكن أن تتراجع الكميات
المنتجة من الناتج، ومع ذلك تتزايد الأسعار بمعدلات أكبر فيتزايد الناتج المحلي من
الناحية الإسمية رغم أنه تراجع من الناحية الحقيقية، ومن ثم فإن الحديث عن أي نمو
في الناتج في هذه الحالة يعد مضللا لأن الناتج من الناحية الحقيقية (كمية السلع
والخدمات المنتجة) يكون قد تراجع بالفعل، وأن هذه الزيادة في القيمة الاسمية
للناتج مردها الأساسي هو ارتفاع الأسعار، ولهذه الأسباب يقتصر التحليل الاقتصادي
الكلي على الناتج والنمو الحقيقي وليس الإسمي.
تعد هذه المقدمة للموضوع في غاية الأهمية،
خصوصا في حالة الاقتصاد السعودي، حيث تلعب التغيرات في الأسعار، بصفة خاصة أسعار
النفط، الدور الأهم في تغيرات الناتج المحلي من الناحية الإسمية، وكما سأتناول
مستقبلا، فإن التغيرات في أسعار النفط الخام يكون لها تأثيرات على المستوى العام
للأسعار على المستوى العالمي، وفي حالة اقتصاد مفتوح مثل الاقتصاد السعودي، فإن
تغيرات الأسعار عالميا تلعب دورا هاما في تحديد اتجاهات التضخم المحلي.
دعونا نبدأ بالسؤال الأول: إلى أين يتجه
النمو في المملكة؟ تشير بيانات الناتج المحلي الإجمالي من الناحية الاسمية إلى أنه
في عام 1970 كان الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية 24.2 مليار ريال، وذلك
قبل الفورة الأولى لأسعار النفط والتي نتجت عن الحظر العربي لصادرات النفط الخام إلى
الغرب في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية في 1973، حيث تضاعفت أسعار النفط، مما
أدى الى زيادة الناتج المحلي الإجمالي من الناحية الإسمية إلى 161.2 مليار ريال في
1974، ونتيجة لاستمرار تصاعد أسعار النفط سجل الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار
الجارية مستويات قياسية في 1981 حيث بلغ أعلى مستوياته خلال هذه الفترة؛ 623.4
مليار ريال. غير أنه بدءا من عام 1982 أخذت أسعار النفط في التراجع وهو ما ترتب
عليه تراجع مستويات الناتج بالأسعار الجارية بصورة جوهرية، ولم يسترد الاقتصاد
السعودي هذه المستويات من الناتج إلا بحلول عام 2000، عندما بدأت أسعار النفط في
التعافي بصورة غير مسبوقة مرة أخرى، وبدأت الوفرة النفطية الثانية، لدرجة أنه في
عام 2011 قدر الناتج المحلي بالأسعار الجارية في المملكة بحوالي 2163 مليار ريال
سعودي، وهو بلا شك ناتج محلي ضخم بمقاييس الدول النامية في العالم.
باستخدام أسعار 1999 كسنة أساس في تعديل قيم
الناتج الإسمي فإن الناتج المحلي الحقيقي في المملكة يصبح 174.5 مليار ريالا في
1970، ويصل الناتج الحقيقي إلى أعلى مستوياته أيضا في عام 1981 بقيمة 542 مليار
ريالا ليبدأ الناتج الحقيقي في التراجع بصورة محدودة نسبيا بعد ذلك. غير أنه من
الناحية الحقيقية يستعيد الاقتصاد السعودي تلك المستويات من الناتج في عام 1991،
حينما بلغ الناتج المحلي الحقيقي 552.6 مليار ريالا، ومنذ ذلك العام والناتج
المحلي الحقيقي في نمو مستمر تقريبا، وقد شهد العقد الأول من هذا القرن أعلى
معدلات النمو في الناتج الحقيقي للاقتصاد السعودي منذ سبعينيات القرن الماضي،
ويقدر الناتج المحلي الحقيقي في عام 2011 بحوالي 935.2 مليار ريال (مقارنة بـ 2163
مليار ريال ناتج اسمي).
الشكل التالي يوضح اتجاهات الناتج المحلي
الإسمي والحقيقي خلال الأربعين عاما الماضية. لاحظ في الشكل اتساع الفجوة بين
الناتج المحلي الحقيقي والناتج الإسمي في السنوات الأخيرة، والتي تعكس بالدرجة
الأولى تأثير تطورات أسعار النفط على الناتج الإسمي في المملكة، باعتباره المكون
الأساسي للناتج والدخل في المملكة. ولكن ماذا يعني ذلك؟ الإجابة هي أن الجانب
الأكبر من التطورات التي حدثت في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة لم تكن راجعة إلى
النمو في القدرات الحقيقية للاقتصاد السعودي بالدرجة الأولى، بقدر ما ترجع إلى
تأثير الزيادة الواضحة في الأسعار.
إن صورة هذا النمو تتضح بصورة أكبر عندما
ننظر إلى معدلات النمو السنوي في الاقتصاد السعودي ودرجة استقرارها خلال الأربعة
عقود الماضية والموضح في الشكل رقم (2). لاحظ من الشكل أن النمو في الناتج الإسمي
يتسم بالتقلب الشديد (المنحنى الأزرق)، والذي يعكس تقلبات سعر النفط الخام خلال
الأربعة عقود الماضية، ذلك أن معدلات النمو والناتج في المملكة تشير إلى أن
الاقتصاد السعودي يتعرض من وقت لآخر بصورة كبيرة للصدمات الخارجية.
أما من الناحية الحقيقية، وهذا هو الأهم، فقد
حقق الاقتصاد السعودي خلال الأربعة عقود الماضية معدل نمو حقيقي بلغ في المتوسط
4.6%، وقد كانت أعلى معدلات النمو الحقيقي التي تم تحقيقها في الاقتصاد السعودي هي
تلك المحققة خلال عقد السبعينيات، حيث بلغ معدل النمو الحقيقي المتوسط 12.3%، وهو
بالمقاييس الدولية يعد معدلا استثنائيا. غير أنه نظرا للاعتماد الشديد على الناتج
النفطي، تراجعت معدلات النمو الحقيقي بصورة واضحة خلال الثمانينيات، حيث حقق
الاقتصاد السعودي معدل نمو متوسط سالب يساوي 1.4% نتيجة تراجع الناتج الحقيقي، كما
حقق الاقتصاد السعودي خلال التسعينيات معدل نمو حقيقي متواضع نسبيا بلغ 2.5%، وهو
ما يعني أنه في المتوسط خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي تراجع متوسط
نصيب الفرد من الناتج من الناحية الحقيقية، نظرا لانخفاض معدل النمو المتوسط
للناتج الحقيقي عن معدل النمو المتوسط للسكان في المملكة. إلا أن الأوضاع انعكست
في العقد الأول من هذا القرن والذي شهد تزايد الناتج ومعدلات النمو الحقيقي على
نحو واضح، ففي المتوسط بلغ معدل النمو الحقيقي 4.4% خلال الفترة من 2001-2011،
وتزايد الناتج الحقيقي من 633 مليار ريال تقريبا في عام 2001 إلى 935.1 مليار ريال
كما سبقت الإشارة.
إن الخلاصة التي يمكن التوصل إليها من
التحليل في هذه الحلقة هي أن النمو في الاقتصاد السعودي يتسم بالتقلب الواضح وهو
ما يعكس حقيقة أن استراتيجيات النمو التي اتبعت حتى اليوم لم تؤمن للاقتصاد
السعودي التنويع القطاعي اللازم الذي يقلل من اعتماد الاقتصاد الوطني على القطاع
النفطي ويؤمن فرص النمو المستقر للناتج الحقيقي، وهو ما سأتناوله في الحلقة
القادمة من هذه السلسلة إن شاء الله.
بتمنى من كل قلبى الاقتصاد العربى كله يوقف من تانى على رجله
ردحذفمدونة مميزة .. مشكووووورين
ردحذف