نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الجمعة 27/1/2012
مر الاقتصاد السعودي بحالة تحول واضح في
التركيبة القطاعية خلال الأربعة عقود الماضية. ففي عام 1970 كانت ملامح الاقتصاد
التقليدي واضحة على التركيب القطاعي لهذا الاقتصاد، حيث يحتل القطاع الأولي النسبة
الأكبر في مجمل الناتج المحلي الإجمالي، مع الدور الواضح الذي يلعبه القطاع
النفطي. لقد كان قطاع التعدين والتحجير يمثل نسبة 50% من إجمالي الناتج، الجانب
الأعظم منها لإنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي. إذا ما أضفنا صناعة تكرير الزيت
فإن نصيب القطاع النفطي إلى إجمالي الناتج المحلي الإجمالي يرتفع إلى 54%، وهي
نسبة مرتفعة للغاية، تعكس هيمنة هذا القطاع على مسار الناتج في الاقتصاد السعودي
بصورة واضحة في ذلك الوقت.
في هذا العام كانت الصناعة التحويلية في
المملكة مرتكزة أساسا على صناعة تكرير الزيت، بينما لم يزد نصيب الصناعات
التحويلية الأخرى عن 1.9% من إجمالي نصيب قطاع الصناعة التحويلية في الناتج والذي
لم يزد عن 5.9%. كذلك كان نصيب القطاعات الخدمية، باستثناء القطاع الخدمات الحكومي
والذي بلغت مساهمته في هذا العام 15.3%، محدودا للغاية، وكاقتصاد تقليدي اتسم
الاقتصاد السعودي في هذا العام بتواضع المساهمة النسبية لقطاعات الخدمات في الناتج
المحلي الإجمالي والتي لم تتجاوز 30% في عام 1970، بينما بلغت مساهمة القطاعات
السلعية حوالي 69% الجانب الأكبر منها من المصادر الأحفورية.
شهد عقد السبعينيات تطورات ملحوظة في التركيب
القطاعي للناتج بصفة خاصة النمو الملحوظ لقطاعات التشييد والبناء الذي ارتفعت
مساهمته من 5% في عام 1970 إلى حوالي 11% في عام 1980، وقطاع العقارات من 7% إلى
11% على التوالي تقريبا، في الوقت الذي تضاعفت فيه مساهمة قطاع التجارة والمطاعم
والفنادق إلى 5% تقريبا، من جانب آخر تراجعت مساهمة قطاع التعدين والتحجير والتي
أخذت في التراجع بصورة بطيئة حتى بلغت حوالي 44% بنهاية العقد.
بحلول منتصف عقد الثمانينيات أخذت فورة قطاع
البناء والتشييد في التراجع لعدة أسباب أهمها تراجع الإيرادات النفطية والانتهاء
من تشييد معظم مشروعات البنى التحتية التي بدأتها المملكة بعد فورة أسعار النفط في
أوائل السبعينيات، لدرجة أنه في عام 1990 تراجعت مساهمة هذا القطاع إلى 6.5% فقط
من الناتج المحلي الإجمالي لتستقر عند هذه المستويات تقريبا بعد ذلك. كذلك استمرت
مساهمة قطاع التعدين والتحجير في التراجع على نحو ملحوظ من 41.7% في عام 1981 إلى
30.7% فقط في عام 1990. في المقابل شهد قطاع الصناعات التحويلية نموا واضحا حيث
تضاعفت مساهمته تقريبا خلال هذا العقد حتى بلغت 8.4% في عام 1990، منها 4.8%
للصناعات التحويلية الأخرى غير صناعة تكرير الزيت، وتضاعفت مساهمة قطاع الزراعة
والصيد بثلاثة أضعاف تقريبا من 2% في بداية العقد إلى 6% في عام 1990. كذلك استمرت
مساهمة قطاع الخدمات الحكومي في النمو بصورة ملحوظة حتى بلغت 19.1% في عام 1990،
أدت هذه التطورات إلى تراجع مساهمة القطاعات السلعية بصورة كبيرة إلى حوالي 52%،
في مقابل ارتفاع مساهمة قطاع الخدمات خلال هذا العقد.
استمرت التأثيرات السلبية لتراجع النمو في القطاع
النفطي خلال الثمانينيات تلقي بظلالها على الاقتصاد السعودي خلال عقد التسعينيات،
وفيما عدا نمو مساهمة قطاع الصناعات التحويلية في الناتج إلى 10.4%، منها 7.5%
نسبة مساهمة الصناعات التحويلية الأخرى غير صناعة تكرير الزيت، فإن المساهمة
النسبية للأنشطة الاقتصادية المختلفة في الناتج ظلت كما هي تقريبا بدون تغير ملموس،
واستمرت مساهمة القطاعات السلعية والخدمية على حالها تقريبا بنهاية العقد، وبدى من
الواضح أن الاقتصاد السعودي يعيش حالة من الركود الاقتصادي خلال هذا العقد.
بحلول الألفية الثالثة حدثت بعض التغيرات
الهامة في التركيب القطاعي للناتج المحلي أهمها استمرار مساهمة قطاع الصناعة
التحويلية في النمو حتى بلغت 13.3% في عام 2011، منها 2.4% فقط لصناعة تكرير الزيت،
وبالمقارنة مع عقد السبعينيات فإن مساهمة قطاع الصناعة التحويلية قد تزايدت بصورة
جوهرية، وهو ما يعكس تزايد حجم القطاع الصناعي في المملكة، غير أن مساهمة هذا
القطاع ما زالت أقل من المساهمة المتوسطة لمثل هذا القطاع في الاقتصادات الناشئة، وتزايدت
مساهمة قطاع النقل والتخزين والاتصالات من 5.3% في بداية العقد إلى 7.6% في عام
2011، وارتفعت مساهمة قطاع التشييد والبناء بصورة محدودة إلى 7.5% في نهاية العقد.
كما تراجع نصيب قطاع التعدين والتحجير إلى 22.8% في عام 2011، في الوقت الذي
استمرت مساهمة قطاع الخدمات الحكومية مرتفعة عند مستوى 18.2% في عام 2011، وبنهاية
العقد الأول من الألفية الثالثة تصل مساهمة قطاع الخدمات في الناتج حوالي 52%،
وذلك مقارنة بنسبة 30% في 1970.
الجدول رقم 2 يلخص تطور المساهمة المتوسطة
للقطاعين النفطي وغير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي خلال الأربعة عقود الماضية
في المملكة، ومن الجدول يتضح تراجع مساهمة القطاع النفطي في المتوسط من 52.6% خلال
السبعينيات إلى 30.2% خلال العقد الأول من هذا القرن، في مقابل تزايد مساهمة
القطاع غير النفطي من 46.2% إلى 68.6% على التوالي. كذلك يوضح الجدول أنه فيما
يتعلق بملكية القطاع غير النفطي تزايدت حصة القطاع الخاص من 30.3% إلى 45.7% على
التوالي، كما تزايدت حصة القطاع الحكومي من 15.9% إلى 23% على التوالي.
بالرغم من كل التحولات السابقة فيما يتعلق
بمساهمة الأنشطة الاقتصادية المختلفة في تكوين الناتج إلا أنه يلاحظ أن القطاع
النفطي ما زال يلعب الدور الرائد في تحديد في مستويات الناتج والدخل في المملكة،
من ناحية أخرى فإنه وأخذا في الاعتبار أن القطاع النفطي مملوك بالكامل للقطاع
الحكومي، فإنه من الواضح أن القطاع الحكومي ما زال يسيطر على الجانب الأكبر من مجريات
النشاط الاقتصادي في الاقتصاد السعودي.
مثل هذه الخصائص للاقتصاد السعودي تفقده
جانبا كبيرا من قوة الدفع الذاتي في النمو، وهي إحدى سمات الاقتصادات شبه أحادية
الموارد، حيث يظل النمو رهنا بتطورات القطاع النفطي من جانب، ويعتمد أساسا على
اتجاهات الإنفاق الحكومي من جانب آخر، الأمر الذي يجعل النمو تحت رحمة تطورات
السوق العالمي للنفط الخام والكميات المصدرة منه، وهو، كما لاحظنا في الحلقة
السابقة من هذه السلسلة، ما يؤدي إلى حدوث تقلب شديد في معدلات النمو الاقتصادي في
الناتج الحقيقي للمملكة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق