نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الثلاثاء 13/6/2012
لفترة طويلة من الزمن، ومنذ انطلاق الأزمة المالية العالمية، ادعت إسبانيا
أنها لا تحتاج إلى خطة إنقاذ لاقتصادها، كتلك التي قدمتها أوروبا لليونان أو إيرلندا
أو البرتغال، على أساس أن الاقتصاد الإسباني (رابع اكبر اقتصاد أوروبي) أكبر من أن
يسقطToo big to fail. إسبانيا أيضا تحاول دائما
أن تبقي صندوق النقد الدولي بعيدا عن الصورة، حتى لا تغذي التخمينات حول المخاطر
التي يمكن أن تلحق بالاقتصاد الإسباني، إذا ما دخلت إسبانيا في خطة للإنقاذ
الاقتصادي على نمط الخطط المذكورة أعلاه. غير أن الأوضاع المالية لإسبانيا قد
تفاقمت في أعقاب قيام مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني بتخفيض التصنيف الائتماني
لإسبانيا إلى BBB وهو مستوى
قريب من تصنيف الاقتصادات المقدمة على الإفلاس، بسبب الأوضاع المالية لبنوكها.
تعاني البنوك الإسبانية من قدر هائل من الأصول المسمومة (الديون
المشكوك في تحصيلها) والناجمة عن فقاعة سوق العقار الإسباني، وهي نفس القصة التي
عاشها سوق العقار الأمريكي، والتي نجمت عن عمليات توريق الديونSecuritization، ذلك الابتكار المالي الذي يسمح للبنوك
بتجميع القروض العقارية التي تمنحها لعملائها المختلفين في حزم، ثم بيع هذه الحزم
في أسواق المال في صورة أوراق مالية للاستثمار، يطلق عليها والأوراق المالية المغطاة
بالرهون العقارية Mortgage-backed securities ، والتي للأسف الشديد
يشتريها المستثمرون دون أدنى علم بطبيعة الغطاء الذي تحتويه تلك الأوراق، ولا يمكنهم
بأي حال تحديد مستويات المخاطرة التي تحملها، على نحو معقول، سوى من خلال تصنيف
محدد تمنحه إحدى مؤسسات التصنيف الائتماني لهذه الأوراق، والذي أثبتت التجربة أنه
يمكن شراءه بسهولة.
أدى نجاح البنوك في نقل مخاطر عمليات الإقراض إلى المستثمرين في سوق
المال، والذين يسعون نحو المكاسب السريعة من خلال هذه الأدوات، إلى تشجيع البنوك
على الإفراط في عمليات الإقراض بغض النظر عن الملاءة المالية التي يتمتع بها المقترضين،
طالما أن هناك مستثمرين جوعى لمثل هذه الأدوات في كافة أنحاء العالم، لتنتفخ نتيجة
لضخ هذه الأموال الضخمة أسعار العقار ومن ثم الغطاء المستخدم لهذه الأوراق المالية
شبه الوهمية، حتى حدثت الكارثة وانفجرت فقاعة أسعار العقار.
حاولت الحكومة الإسبانية في البداية إنقاذ بنوكها الصغيرة، ووفقا
للتقارير فإن الحكومة الإسبانية أنفقت حوالي 15 مليار يورو لإنقاذ البنوك الصغيرة،
غير أنه أصبح من الواضح اليوم أن عملية إنقاذ بنوكها الكبرى، والتي تحولت إلى بنوك
زومبي، تفوق إمكانياتها المالية، أخذا في الاعتبار طبيعة الأوضاع المالية الحالية
للدولة. على سبيل المثال بنك بي إف إى بانكيا، ثالث البنوك الإسبانية من حيث
الحجم، يسعى نحو الحصول على ميزانية إنقاذ بـ 19 مليار يورو (حوالي 25 مليار
دولارا)، لذلك لم تجد إسبانيا بدا من طلب المساعدة من المجموعة الأوروبية لضبط
الأوضاع المالية لبنوكها المترنحة حاليا.
مؤسسة فيتش تتوقع أن عملية إنقاذ البنوك الإسبانية قد تتطلب حوالي 125
مليار دولارا، وهو نفس المبلغ الذي تقدمت به الحكومة الإسبانية
لطلب المساعدة، غير أن بعض المصادر الأخرى مثل جي بي
مورجان تقدر التكلفة بحوالي 185 مليار دولارا. يوم السبت الماضي وفي مؤتمر لوزراء
المالية الأوربيين تمت الموافقة على منح إسبانيا حزمة إنقاذ بـ 125 مليار دولارا لإنقاذ
قطاعها المصرفي. بمقتضى الاتفاق سوف تتولى الحكومة الإسبانية المسئولية الكاملة عن
المساعدة المالية، كما ستوقع مذكرة تفاهم بهذا الشأن، ولكن الأنباء الأولية تشير
إلى أنه بموجب الاتفاق سوف يتولى صندوق إعادة الهيكلة المنظم للبنوك الإسبانية Fund for Orderly Bank Restructuring (F.R.O.B.) استلام هذه الأموال ثم إعادة
تدويرها إلى البنوك الإسبانية. بهذا الاتفاق يرتفع الدين السيادي القائم على
إسبانيا من 600 مليار يورو تقريبا إلى 700 مليار يورو، مضيفا بالطبع مزيد من
الضغوط على ميزانيتها على الرغم من التطمينات بأن شروط الحزمة سهلة للغاية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق