نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الجمعة 15/6/2012
غير أنه يتوقع أن تؤدي الحزمة إلى طمأنة الأسواق عن الأزمة الإسبانية،
وإن كان هناك من يرى هذه الحزمة قد تبدو غير كافية لطمأنة الأسواق حول الأزمة
الأوروبية بشكل عام، فالشواهد تشير إلى أن الأزمة تتسع، فبالأمس تقدمت قبرص طالبة
المساعدة المالية، وهناك تخمينات بأن إيطاليا ربما تكون في الطريق في المستقبل
القريب.
بالتركيز على حزمة الإنقاذ المالي لإسباني يلاحظ أن الحزمة بشكل عام
لم تكن مرتبطة ببرنامج للإصلاح الاقتصادي أو التعديل الهيكلي الذي تلتزم به إسبانيا
على نفس النمط الذي حدث مع أعضاء مثل اليونان، حيث ستستخدم هذه الأموال أساسا لرفع
رسملة البنوك الإسبانية وزيادة قدرتها على مقاومة الأوضاع المتدهورة في سوق العقار
الإسباني، واكتفت اكتفت المجموعة الأوروبية بالإعلان عن أن إسبانيا قامت بتطبيق
الكثير من الإصلاحات المالية وإصلاحات سوق العمل، وكذلك اتخذت إجراءات لدعم القواعد
الرأسمالية للبنوك الإسبانية، وأن المجموعة الأوروبية واثقة من أن إسبانيا سوف تفي
بالتزاماتها وتصحح اختلالاتها الاقتصادية الكلية في الاطار الأوروبي، وهذا ما كانت
تحرص عليه إسبانيا من الأساس. غير أن المجموعة الأوربية أعلنت أنه سوف يتم مراجعة
التطورات على الأرض في شكل مواز مع المساعدة المالية، ومراقبة مدى تنفيذ الحكومة الإسبانية
لتعهداتها والتي تركز على إصلاحات محددة تستهدف القطاع المالي، بما في ذلك خطط إعادة
الهيكلة التي تستهدف إصلاح النظام المالي المحلي.
وفقا لرويترز، فإن المبلغ النهائي الذي سوف يتم تقديمه لإسبانيا سوف
يعتمد على تقارير من مؤسسات مستقلة للمراجعة لحالة البنوك الإسبانية واحتياجاتها
الحقيقية لا عادة الرسملة (Oliver Wyman and Roland Berger)، والتي يتوقع أن تقدم
يوم 21 يونيو القادم. غير إن المصادر تشير إلى أن المبلغ المخصص كبير إلى الحد
الذي تتلاشى معه مصادر القلق التي تلف الأسواق حاليا حول سلامة البنوك الإسبانية. للأسف
البنوك الإسبانية تواجه اليوم عمليات سحب
للمودعات وإرسالها خارج إسبانيا بسبب حالة عدم التأكد السائدة حاليا، وهو ما يضيف
المزيد من الأعباء على السلامة المالية لهذه البنوك، ولذلك يرى المراقبون أن
المبالغ المخصصة، وان كانت تفوق التقديرات الأولية للحاجة الحقيقية للبنوك الإسبانية،
إلا أن تزايد الطلب على السيولة يحتاج إلى مثل هذه الميزانية الضخمة لتأمين موقف
البنوك الإسبانية.
ليس هناك في رأيي من هو أكثر سعادة بهذه التطورات على الساحة الأوربية
من الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي يصارع حاليا لخوض انتخابات الإعادة ويرغب في
ألا يرى أية انعكاسات سلبية لأي شرارة لأزمة في أوروبا على الاقتصاد الأمريكي، على
الرغم من أن الرئيس قد صرح مؤخرا بأن الاقتصاد الأمريكي يمكنه امتصاص أي تأثيرات
للأزمة الأوروبية، ولكن هل بالفعل يستطيع الاقتصاد الأمريكي المترنح حاليا امتصاص
تأثيرات أي أزمة أوربية؟ ربما أتناول هذا الموضوع قريبا. كذلك رحب تيم جايثنر وزير
الخزانة الأمريكي بالاتفاق الأوروبي ودعا صندوق النقد الدولي لدعم عملية تنفيذ
الاتفاق من خلال مراقبة المساعدات المالية من خلال تقديم التقارير الدورية عن إسبانيا،
كما رحب جايثنر بجهود الحكومة الإسبانية لا عادة رسملة النظام المصرف الإسباني
وبالتعهدات الأوروبية لتقديم المساندة المالية لإسبانيا.
الآن، هل تنجح عملية الإنقاذ المالي للبنوك الإسبانية؟ في رأيي أن الميزانية المقترحة، على
الرغم من أن الحكومة الإسبانية تؤكد أنها كافية للتعامل مع مشكلات البنوك الإسبانية،
تمثل حقنة مسكنة للاقتصاد الإسباني، لأن المشكلة الحقيقية التي تواجهها إسبانيا
ليست هي المشكلة المالية لقطاعها المصرفي، وإنما هي مشكلة النمو وتصاعد معدلات
البطالة على نحو مرتفع للغاية بالمقاييس الأوروبية، حيث تعاني البنوك الإسبانية من
آثار عمليات فقدان الوظائف التي تتصاعد في سوق العمل الإسباني، ومن ثم فإن الإجابة
على هذا السؤال سوف تعتمد، ليس جهود إعادة الرسملة، وإنما يكمن العلاج الناجع في
نمو الاقتصاد الحقيقي الإسباني، وهذا على ما يبدو صعب المنال حاليا خصوصا في ضوء
تطورات سوق العمل التي تضع مؤشرات البطالة في إسبانيا في أعلى المعدلات في منطقة اليورو.
غير أنه من
المؤكد أن إنقاذ بنوك الزومبي الإسبانية هو في حقيقة الأمر
إنقاذ للنظام المصرفي الأوروبي بأكمله، وربما العالمي، والذي يمكن أن يتعرض لضربة
قاصمة اذا ما انهارت بنوك الزومبي في إسبانيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق