نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الجمعة 13/7/2012.
في الحلقة السابقة من هذا المقال انتهينا إلى أنه خلال أزمة سوق
المساكن وكذلك الأزمة المالية العالمية تصاعدت الشكوك حول أسلوب تحديد معدل
الفائدة الليبور، حيث أكد المراقبون إلى أن الشواهد المتراكمة تشير إلى أن الليبور
يتحدد عند مستويات تقل عن مستوياته التي يجب أن يكون عليها. بالطبع لا يمكن لبنك
واحد أن يحدث هذا التأثير المفترض على الليبور، مما يعني أن هناك تكتل ما غير معلن
بين مجموعة من البنوك البريطانية مثل بنك باركليز، وكذلك البنوك العالمية المشتركة
في تحديد الليبور لعرض معدلات فائدة تقل عن المعدلات الفعلية التي يجب أن تتحدد
وفقا لقوى السوق، ولكن ما الذي يدفع هذه البنوك أن تقوم بذلك؟ وما الذي يمكن أن
يترتب على تحديد معدل الفائدة بما يعكس التكلفة الحقيقية التي يجب أن تقترض على أساسها
بنوك مثل بنك باركليز؟
الإجابة هي أنه في أوقات الأزمة المالية العالمية انعدمت الثقة في
الملاءة المالية لبنوك العالم قاطبة، وحرصت كافة البنوك على أن تقوم إما بالاحتفاظ
باحتياطياتها في صورة سائلة، ربما لدى البنك المركزي إذا كان النظام يسمح، أو في
أصول آمنة مثل الدين العام الأمريكي، وكانت معدلات الفائدة التي تقترض على أساسها
البنوك هي أهم المحددات للملاءة المالية للبنك، إلى الحد الذي كان ينظر فيه إلى
ارتفاع معدل الفائدة التي يقترض على أساسها البنك، ولو بعدة نقاط أساس، على أنه
مؤشر لتراجع الملاءة المالية لهذا البنك وارتفاع مخاطر تخلفه عن السداد. معنى ذلك
أنه لو سمح لمعدل الليبور بالارتفاع في أوقات الأزمة كان سيترتب على ذلك أن تتوقف البنوك
عن ضخ السيولة لسوق القروض ما بين البنوك، الأمر الذي كان من الممكن أن يؤدي إلى
توقف نشاط سوق ما بين البنوك في لندن وارتفاع مخاطر السيولة، ومن ثم انطلاق ازمه
في الاقتصاد الحقيقي نتيجة تشديد القيود على/أو حدوث أزمة في الائتمان، أو أن يواجه البنك ذاته أزمة سيولة
نتيجة تدافع المودعين على سحب مودعاتهم من البنك.
كيف إذن تم التلاعب بالليبور؟ لكي ندرك بدقة الذي كان يحدث دعونا
نستخدم الكلمات التي صرح بها من حوالي أسبوعين "شاهد من أهلها"، حيث قام
أحد الممثلين للبنوك البريطانية المشتركة في عملية تحديد الليبور بوصف كيف كان يتم
التلاعب بالليبور، وذلك في مقال منشور بصحيفة التليجراف، إذ أقر بأنه شعر أن البنك
كان يتلاعب بالليبور، ولكنه لم ير العملية على هذا النحو في ذلك الوقت، يقول
"لقد قال لنا ممثل البنك، دون أن يحدد اسمه، أن البنك لا يمكنه أن يقترض عند
هذه المستويات المرتفعة للفائدة، وبالتالي نحن نعرض معدلات اقل لليبور، مثلنا مثل
الآخرين"، ولكن كيف يمكن أن يتم ذلك؟ يشير القائل إن ذلك أمر سهل، إن جمعية المصرفيين البريطانية التي تقوم بحساب
المعدل تطلب من البنوك الرئيسة أن تعرض معدلات الفائدة الخاصة بالأموال التي يمكن
أن تقترض أو تقرض على أساسها، غير أن النظام الحالي لتحديد معدل الليبور ليس فيه أية
آليات للتأكد من أن ما يتم تقديمه من معلومات يتم على الوجه الصحيح، وما حدث أنه
كان هناك قبول عام بأن يقوم بنك ما بعرض معدلات للفائدة أقل بعدة نقاط كل يوم،
ولقد كان الجميع يعلم ذلك لأن الجميع كان يمارس هذه اللعبة، كما أنه لم يكن ينظر إلى
العملية على أنها عملية غير قانونية.
معنى ذلك أنه طوال الفترة من 2007-2009 كانت البنوك تتعمد أن تعرض
معدلات زائفة لليبور لكي تتجنب أن ينظر إلى القروض التي يمكن أن تحصل عليها على
أنها ائتمان ذو مخاطر، وحتى لا تضطر لأن تقوم بدفع علاوة مخاطرة وهو ما يمكن أن يرسل
إشارات سيئة في سوق المال حول القوة المالية للبنك ودرجة استقراره، وأن البنوك
المضطربة كانت ببساطة تكذب حول معدلاتها، إما لكي تحقق أرباحا أو لكي توفر في
التكاليف التي يمكن أن تتحملها عندما تقوم بالاقتراض، حتى تبقي معدلات الفائدة
الليبور منخفضة بشكل غير واقعي.
ولكن دعونا نتساءل مرة أخرى، ما هو الضرر الذي يمكن أن يحدث نتيجة قيام
مجموعة من البنوك بعرض معدلات فائدة أقل من الواقع؟ للإجابة على هذا السؤال لا بد
وان نتذكر أن الليبور هو الأساس المستخدم في معظم العقود المالية في العالم، مثل
عقود مقايضات معدل الفائدة Interest rate swaps، وعقود المشتقات
والمستقبليات .. الخ، الأمر الذي يمكن أن يترتب عليه تحقيق عوائد/أو خسائر ضخمة للمتعاملين
في حال تقلب هذا المعدل.
للتبسيط دعونا نفترض أن احدى الولايات في
أمريكا ترغب في اقتراض مليار دولار، وبما أن معدل
الفائدة المتقلب الذي ستدفعه على القرض يصعب التنبؤ به ومن ثم يصعب التخطيط
للأعمال في ظل المعدلات المتقلبة للفائدة، لذلك قد ترغب الولاية في هذه الحالة في استبدال معدلات الفائدة التي
يمكن أن تدفعها مع تقلبات السوق بمعدل فائدة ثابت، ويتم ذلك من خلال شراء عقد
مقايضة معدلات الفائدة على سبيل المثال من أحد البنوك، بحيث تدفع الولاية للبنك معدل فائدة ثابت منصوص
عليه في عقد المقايضة، وليكن 5%، بينما يدفع بائع العقد (البنك) معدل الفائدة
السوقي المتقلب ويتحمل هو المخاطرة التي يمكن أن تترتب عن ذلك، وهو أحد أشكال عقود
التغطية في معدلات الفائدة. عندما يتم التلاعب في معدل الفائدة ويتم تخفيض المعدل عن الـ 5% التي
تعاقدت عليها الولاية، على سبيل المثال إلى 3.5% فإن الولاية تتعرض لخسارة كبيرة،
حيث ستستمر في دفع نسبة فائدة 5%، بينما تستلم من البنك البائع للعقد معدل الفائدة
السوقي 3.5% فقط. لاحظ أن الـ 1.5% هذه من إجمالي قيمة القرض تمثل 15 مليون دولارا.
والآن تعالى نحسب تكلفة التلاعب التي حدثت في معدل الليبور والتي تقدر
بما بين 30-40 نقطة أساس لكل تريليون دولارا من العقود المالية الدولية، أنها ببساطة
تمثل ما بين 3 – 4 مليار دولارا للتريليون الواحد، وبما إن العقود التي يتم
تقييمها أساسا باستخدام معدل الليبور تقدر بمئات التريليونات من الدولارات فإنه
يتضح لنا الآن فداحة التكلفة التي يمكن أن تنشأ للمتعاقدين في هذه الأنواع من
العقود على المستوى الدولي اذا ما حدث تلاعب ولو ضئيل في معدل الفائدة مثلما كان
يحدث في حالة الليبور.
معنى ذلك أن البنوك لكي تحمي
نفسها من احتمالات تعرضها لدفع علاوة مخاطرة على القروض المتبادلة بينها، أو من احتمال
انخفاض تدفق قروض ما بين البنوك إليها، فإنها كانت تعرض المتعاملين حول العالم مثل
صناديق التقاعد وصناديق الرهن العقاري والحكومات المركزية والبلديات .. الخ لخسائر هائلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق