السبت، يوليو ٠٧، ٢٠١٢

عملية لي منحنى العوائد على السندات


نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الجمعة 6/7/2012

تشير التطورات الحالية للاقتصاد الأمريكي إلى تواضع معدلات النمو بشكل عام، وتدهور أوضاع سوق العمل مع ميل معدلات البطالة نحو الارتفاع بعد التحسن النسبي الذي شهدناه في الأشهر الماضية، كذلك استمر سوق المساكن يشهد تراجعا في الوقت الذي يتراجع فيه معدل نمو الإنفاق الاستهلاكي على نحو مثير للقلق، وفي ظل هذه التطورات تراجع معدل التضخم مدفوعا بتراجع أسعار الوقود، هذه هي أشد جوانب القلق في الأداء الاقتصادي الأمريكي حاليا.
في ظل هذه الأوضاع تتوقع لجنة السوق المفتوح للاحتياطي الفدرالي FOMC أن يظل النمو متواضعا خلال الفترة القصيرة القادمة قبل أن يأخذ في التصاعد بعد ذلك، غير أنه من الواضح أن الضغوط في السوق المالي العالمي ظلت تمارس ضغوطا حادة على الاتجاه العام للنمو المتوقع. لهذا استمرت اللجنة في تبني سياسات نقدية ميسرة من خلال التأكيد على تبني استمرار بقاء معدل الفائدة على الأموال الفدرالية (معدل الفائدة على احتياطيات البنوك) عند مستوياته المستهدفة ما بين 0 – 0.25% حتى أواخر 2014.
الجديد في اتجاهات السياسة النقدية الأمريكية هو ما قررته اللجنة مؤخرا من أن تستمر حتى نهاية العام في برنامجها الخاص بتوسيع المدى الزمني لاستحقاقات الأوراق المالية التي تحتفظ بها في محفظتها المالية، وهي العملية التي يطلق عليها Operation Twist، أو "لي معدلات العائد على السندات". حيث تنوي اللجنة أن تقوم بتوسيع نطاق شراء سندات خزانة ذات آجال استحقاق بين 6-30 عاما، في مقابل قيامها ببيع أو استبدال كميات مماثلة لهذه العمليات لسندات ذات آجال استحقاق 3 سنوات أو أقل. تبلغ الميزانية المخصصة للعملية 667 مليار دولارا، والتي تتمثل في إعادة استثمار المدفوعات المستحقة عن الأوراق المالية المغطاة بالقروض العقارية التي تقدمها المؤسسات العقارية التي تستحق في نهاية يونيو الجاري والتي تبلغ قيمتها 400 مليار دولارا والتي اشتراها الاحتياطي الفدرالي في أعقاب أزمة سوق المساكن، فضلا عن 267 مليار دولارا إضافية من السندات التي سيتم بيعها أو تحصيل قيمتها من سندات الخزانة حتى نهاية 2012.
من الواضح أن العملية في جوهرها هي عملية استبدال سندات ذات فترات استحقاق اقصر إلى سندات ذات فترات استحقاق أطول، وذلك من خلال بيع أو استرداد السندات ذات فترات الاستحقاق الأقصر واستخدام الحصيلة في شراء سندات ذات فترات استحقاق أطول، وذلك في اطار سياسة الاحتياطي الفدرالي بتوسيع نطاق تواريخ الاستحقاق للسندات التي يحتفظ بها في محفظته المالية، غير أن هذه العملية سوف تؤدي إلى مزيد من الضغوط التنازلية على معدلات الفائدة طويلة الأجل، وهو ما يساعد السياسة النقدية الأمريكية على أن تلعب دورا أكثر فاعلية في دعم عمليات استعادة النشاط الاقتصادي الحالية.
يتمثل التوزيع النسبي الحالي لمحفظة الأوراق المالية للاحتياطي الفدرالي نتيجة عمليات شراء السندات التي تمت في اطار برامج التيسير الكمي في 32% سندات استحقاق 6-8 سنوات، و32% سندات استحقاق 8-10 سنوات، و4% سندات استحقاق 10-20 سنة، و29% سندات استحقاق 20-30 سنة. هذا التوزيع سوف يتم تعديله من خلال العمليات التي سوف يقوم بها الاحتياطي الفدرالي، حتى يعدل متوسط آجال استحقاق السندات. وفقا للاحتياطي الفدرالي كان متوسط معدل استحقاق سندات الخزانة للاحتياطي الفدرالي حوالي 75 شهرا حتى نهاية سبتمبر 2011، وعندما يتم إضافة الـ 267 مليار دولارا في برنامج توسيع نطاق تواريخ الاستحقاق سوف يرتفع متوسط تواريخ استحقاق السندات الحكومية التي يحتفظ بها الاحتياطي الفدرالي إلى 120 شهرا بنهاية 2012.
ولكن ما هو الهدف من هذه العمليات التي يقوم بها الاحتياطي الفدرالي؟ للإجابة على هذا السؤال دعنا نحلل الآثار المتوقع أن تترتب على ذلك. عندما يقوم الاحتياطي الفدرالي بشراء سندات حكومية طويلة الأجل، وتمويل عمليات الشراء من خلال بيع السندات قصيرة الأجل، سوف يترتب على عمليات شراء السندات طويلة الأجل ارتفاع أسعارها في سوق السندات ومن ثم انخفاض معدلات العائد عليها، وعلى العكس ذلك من المتوقع أن يترتب على بيع السندات قصيرة الأجل أن تنخفض أسعار هذه السندات ومن ثم ترتفع معدلات العائد عليها، وهو ما يؤدي إلى لي معدل العائد على السندات، وجعل معدل العائد اقل حدة، مع تغير معدلات العائد سوف يميل معدل الفائدة طويل الأجل نحو الانخفاض، وهذا هو ما يستهدفه الاحتياطي الفدرالي من العملية، حيث يؤدي تراجع معدلات الفائدة طويلة الأجل إلى تشجيع الإنفاق الاستثماري وتحسين شروط الاستثمار بالنسبة لقطاع الأعمال الخاص، بما يؤدي إلى إعطاء تحفيز إضافي لدعم عمليات استعادة النشاط الاقتصادي.
في جوهرة سوف يؤدي هذا اللي في معدلات العائد إلى زيادة الضغوط على معدلات الفائدة طويل الأجل على السندات الحكومية نحو الهبوط، والتي ينظر إليها المستثمرون على أنها تمثل أفضل سبل الاستثمار طويل الأجل، الأمر الذي يؤدي إلى خفض جاذبية السندات الحكومية طويلة الأجل، وهو ما يدفع المقرضون إلى التحول نحو أدوات استثمارية أخرى أكثر جاذبية، مثل سندات الشركات التي ستعطي عائدا أعلى نسبيا، وهو ما يحسن ظروف التمويل لشركات قطاع الأعمال ويخفض من تكلفته، ولا شك أن هذا الانخفاض في معدلات الفائدة طويلة الأجل سوف يؤدي إلى تخفيف الضغوط في سوق المال الأمر الذي يساعد على تحسين فرص التعافي واستعادة النشاط الاقتصادي.
من ناحية أخرى على الرغم من أنه من المتوقع أن يترتب على البرنامج ارتفاع معدلات الفائدة قصيرة الأجل، إلا أن الأثر المتوقع لهذا الارتفاع سوف يكون محدودا أخذا في الاعتبار المستويات المتدنية لهذه المعدلات حاليا، حيث لا تتوقع اللجنة أن يحدث ارتفاع في معدلات الفائدة قصيرة الأجل بصورة استثنائية، خصوصا بالنسبة لمعدل الأموال الفدرالية حتى نهاية 2014، وهو ما يعني أن معدلات العائد على السندات قصيرة الأجل قد لا تتأثر نتيجة البرنامج. 
من ناحية أخرى فإن لجنة السوق المفتوح ترى أن برنامج التوسيع في آجال الاستحقاق لن يترتب عليه تعقيد استراتيجية خروج الاحتياطي الفدرالي من سياساته التكيفية الحالية، أي التحول من السياسة النقدية التوسعية الحالية إلى سياسة أكثر تقييدا للسيطرة على اتجاهات التضخم إذا ما انعكست أوضاع الاقتصاد الأمريكي في ظل السيولة الضخمة جدا المتداولة حاليا فيه. حيث تشير اللجنة إلى أنه في حال حدوث تحول في اتجاهات النشاط فإن الاحتياطي الفدرالي يمكن أن يستخدم عدة أدوات لتسريع عملية الخروج من السياسة النقدية الميسرة حاليا، مثل تسريع عمليات تحصيل قيمة السندات، وتغيير معدلات الفائدة المدفوعة على الاحتياطيات الإضافية التي تحتفظ بها البنوك الأمريكية حاليا لدى الاحتياطي الفدرالي، واستخدام أدوات استنزاف احتياطيات البنوك، وعمليات بيع الأصول وذلك لوقف السياسة النقدية التوسعية وامتصاص السيولة الزائدة في الوقت المناسب وإعادة القوائم المالية للاحتياطي الفدرالي إلى وضعها الطبيعي.
ولكن ما هو الفرق بين هذه العملية وعمليات التيسير الكمي التي قام بها الاحتياطي الفدرالي مسبقا؟ الإجابة هي أنه في خطة التيسير الكمي 1 لجأ الاحتياطي الفدرالي أساسا إلى شراء الأوراق المالية المغطاة بالرهون العقارية التي تصدرها المؤسسات العقارية (مؤسستي فريدي ماك وفاني ماي) وقد كان الهدف الأساسي من العملية هو تخفيض معدلات الفائدة على القروض العقارية وتشجيع عمليات إعادة تمويل المساكن وزيادة الاستهلاك. أما في خطة التيسير الكمي 2 فقد اقتصرت مشتريات الاحتياطي الفدرالي على شراء سندات الخزانة الأمريكية طويلة المدى، بهدف تخفيض معدلات الفائدة طويلة الأجل. عمليات لي معدلات العائد على السندات تهدف أساسا إلى تعديل هيكل معدلات الفائدة طويلة الأجل وقصيرة الأجل لتعديل أوضاع سوق المال وتشجيع الاستثمار من جانب قطاع الأعمال الخاص.   
بعض المراقبين يرى أن لجوء الاحتياطي الفدرالي إلى عملية لي معدلات العائد يعطي إشارات قوية على أنه ربما يستعد لاتخاذ إجراءات  اكثر كثافة وعمقا في حالة تدهور الأزمة الأوروبية حتى يحصن الاقتصاد الأمريكي من آثار العدوى التي يمكن أن تلحق بالنمو نتيجة لتدهور أوضاع أوروبا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق