في الحلقة السابقة من هذا المقال تناولنا مضمون قرار فرض الرسوم على
العمالة الوافدة والأهداف الرئيسة التي يسعى صانع القرار إلى تحقيقها من وراءه،
وتناولنا بالتحليل بعض التساؤلات الأساسية حول هذه الرسوم بصفة خاصة مدى مناسبة
توقيت فرض مثل هذه الرسوم؟ وهل يجب أن تفرض الرسوم بنفس القيمة على كافة القطاعات
وجميع المهن؟ في هذه الحلقة نتناول بالتحليل تساؤلا مهما حول قدرة منشآت القطاع
الخاص السعودي على نقل عبء هذه الرسوم إلى العمالة الوافدة، ومن ثم تفويت الفرصة
على الدولة من فرض الرسوم؟ وهل هذه الرسوم المقترحة كافية لتحقيق الهدف الأساسي
منها في دفع القطاع الخاص للتخلص من العمالة الوافدة وتشغيل العمالة الوطنية، أي
هل الرسوم المقترحة بموجب القرار هي الرسوم المناسبة لتحقيق الأهداف المبتغاة من
وراءها برفع نسبة السعودة في القطاع الخاص من حيث المبدأ؟
في هذا الصدد لا بد وان نفرق بين نوعين من العمالة الوافدة؛ العمالة
غير الماهرة والنصف ماهرة، والعمالة الماهرة، فما يمكن أن ينطبق على العمالة
الماهرة يختلف تماما عما يمكن أن ينطبق على العمالة غير الماهرة أو نصف الماهرة. بالطبع
الوضع الأمثل عند فرض الرسوم هو أنها يجب أن تعمل في الاتجاهين، الإيجابي والسلبي،
فهي من جهة ينبغي أن تعمل على الحد من تدفق
العمالة الوافدة من نوعيات محددة من المهن، والتي يواجه فيها سوق العمل فائضا من
العمالة الوطنية التي تضاف إلى رصيد البطالة سنويا حاليا، وأن تعمل في ذات الوقت
على تشجيع تدفق مهارات أخرى يحتاجها سوق العمل السعودي ولا يتوافر في ذات الوقت
عرض كاف من العمالة الوطنية لسد النقص في هذه المهارات، المشكلة الأساسية في
القرار المطروح حاليا أنه يطبق على جميع الفئات الوظيفية، من تحتاجه المملكة بصورة
ملحة، ومن ترغب في استبعاده، على النحو الذي فصلناه في الحلقة السابقة.
والآن، هل تتمكن منشآت القطاع الخاص من نقل
عبء هذه الرسوم إلى العمالة الوافدة، ومن ثم تفويت الفرصة على الدولة من فرض هذه
الرسوم؟ إن الهدف الأساسي لمثل هذا القرار كما ذكرنا مسبقا هو إجبار القطاع الخاص
على التخلص من العمالة الوافدة، وتشغيل العمالة الوطنية تحت وطأة ارتفاع تكاليف
استخدام العمالة الوافدة، ولكن ماذا لو تمكنت منشآت القطاع الخاص من نقل عبء هذه
الرسوم على عاتق العمالة الوافدة، او إجبار العمالة الوافدة على المشاركة في تحمل
جانب من أعباء هذه الرسوم؟ إذا نجحت مؤسسات القطاع الخاص في ذلك، فإن القرار سوف
يكون بلا جدوى ولن يستجيب القطاع الخاص أساسا للقرار، وبالتالي سوف يستمر القطاع
الخاص في إحباط جهود سعودة سوق العمل في المملكة.
إن قدرة رب العمل على نقل عبء الرسوم على عاتق العامل تعتمد بشكل
أساسي على مرونات الطلب على العمالة وكذلك مرونات العرض من العمالة، ويقصد
بالمرونة درجة حساسية أو استجابة رب العمل أو العامل للتغيرات في أجر العامل، وبالنسبة
للعمالة الوافدة غير الماهرة والنصف ماهرة تلعب عوامل العرض دورا أكبر من عوامل
الطلب في تحديد قدرة أرباب الأعمال على نقل عبء الضريبة. حيث أن فرص الحصول على
هذا النوع من العمالة الوافدة أمام القطاع الخاص السعودي متعددة ومنتشرة في أماكن
عدة من الدول النامية والفقيرة، ونظرا للأوضاع الاقتصادية في دول الأصل لهذه
العمالة والتي تجعل الفوارق في الأجور لهذا النوع من العمالة بين دول الأصل
والمملكة كبيرة، فضلا عن ضيق الفرص المتاحة أمام هذا النوع من العمال للهجرة خارج
بلاد الأصل، فإن العرض من النوع من العمالة الوافدة أمام القطاع الخاص السعودي يأخذ
شكل لا نهائي المرونة، بمعنى آخر فإن القطاع الخاص السعودي يستطيع أن يجد كميات
هائلة من العرض من هذه العمالة عند المستوى السائد للأجور لتلك العمالة في
المملكة، دونما حاجة إلى رفع مستويات الأجور المعروضة لاستقطاب كميات أكبر من هذه
العمالة.
إذا اتخذ العرض من العمالة الغير ماهرة والنصف ماهرة هذا الشكل، فإنه
في هذه الحالة من الممكن أن يقوم رجال الأعمال بتحميل العمال بكامل هذه الرسوم، أو
بالجانب الأكبر منها إذا أرادوا، وعند تحميل العامل الوافد بالرسوم فإنه لا بد وأن
يقارن بين صافي الأجر الذي يحصل عليه من العمل في المملكة بصافي ما يمكن أن يحصل
عليه خارج المملكة بما في ذلك بلد الأصل، وبما أن فرص انتقال هذا النوع من العمالة
بين أسواق العمل في المنطقة تعد محدودة جدا، فضلا عن أن الفارق الكبير بين مستويات
الأجور في دولهم والأجور في المملكة حتى بعد تحميلهم بكامل العبء من الرسوم، فإن
العامل سوف يجد نفسه مرغما على القبول بتحميله كامل الرسوم أو الجانب الأكبر منها،
خصوصا وأن الرسم المقترح يعتبر صغيرا بكافة المقاييس. في ظل هذه الظروف يسهل على
القطاع الخاص السعودي تحميل هذا النوع من العمالة الرسوم المقترحة، أو الجانب الأكبر
منها، وهو ما يفوت الفرصة على الدولة من تحقيق الهدف الأساسي لفرض هذه الرسوم، وهو
تحفيز القطاع الخاص على توظيف العمالة الوطنية.
أما بالنسبة للعمالة الماهرة، فمن المتوقع أن يكون العرض من هذا النوع
من العمالة غير مرن، أي أن ارتفاع الأجور لا يؤدي إلى تحسين العرض من هذا النوع من
العمالة بصورة كبيرة، مما يعني أنه سوف يكون من الصعب على أرباب العمل تحميل
العمال بالرسوم، خصوصا اذا ما كانت مستويات الرسوم مرتفعة وتجعل صافي الدخل الذي
يحصل عليه العامل بعد الضريبة منخفضا، حيث يدفع ذلك مثل هذا النوع من العمالة إلى هجر
المملكة والبحث عن عمل آخر في سوق عمل آخر، نظرا لارتفاع قدرة هذا النوع من
العمالة على التحرك بين أسواق العمل المختلفة في المنطقة، أو خارجها، ومثل هذه
النوعية من المهارات لا يوجد فيها فائض في سوق العمل من المواطنين.
نخلص مما سبق أن أرباب العمل في القطاع الخاص السعودي سوف يتمكنون من
تحويل عبء الرسوم، أو الجانب الأكبر منها على عاتق العمالة الوافدة، وهو ما يترتب
عليه انخفاض النتيجة المتوقعة لمثل هذه الرسوم على الطلب على العمالة غير الماهرة
ونصف الماهرة من المواطنين، وهي الفئات المتوقع أن تكون معدلات البطالة بينها
مرتفعة.
العامل الثاني الذي سيؤثر في قدرة القطاع الخاص السعودي على تحميل
العمالة الوافدة بالرسوم أو بالجانب الأكبر منها هو مستوى الرسوم المقترح، فانخفاض
مستويات هذه الرسوم يجعل من السهل تحويل عبئها على العمال، وارتفاع مستويات هذه
الرسوم يجعل من الصعب تحميل العمال بها أو بالجانب الأكبر منها، وإذا ما نظرنا إلى
الرسم المفروض شهريا على كل عامل وهو 200 ريال، فإنه يمثل رسما منخفضا من حيث
القيمة لدرجة أنه حتى وإن تحمله رب العمل أو تحمله العامل لن يمثل عبئا كبيرا على
أي منهما.
إن الحد من قدرة رب العمل على تحميل العمالة بالرسوم أو الجانب الأكبر
منها يقتضي ضرورة أن تكون مستويات هذه الرسوم مرتفعة إلى الحد الذي يصعب معه نقلها
على العامل الوافد، مما يدفع رب العمل إلى محاولة تحملها، أو تحمل الجانب الأكبر
منها إذا رغب في الاستمرار في توظيف عمالة وافدة بمعدلات أكبر من المعدلات التي
يسمح بها نظام سعودة سوق العمل، ولكي يجبر القطاع الخاص على أن يرفع نسبة توظيف
العمالة السعودية لا بد وأن يكون مستوى هذه الرسوم مرتفعا إلى الحد الذي يجبره على
التخلص مما لديه من عمالة وافدة حتى يتخلص من عبء الرسوم، وهذه ما يطلق عليها
بالرسوم المانعة، أي الرسوم المرتفعة إلى الحد الذي لا يصلح معه أي خيار أمام رب
العمل في القطاع الخاص سوى إيقاف توظيف العمالة الوافدة واستخدام العمالة الوطنية
لاعتبارات التكلفة، مرة أخرى من الواضح من مستوى الرسوم الحالية أنها لا تندرج تحت
هذه النوعية من الرسوم، وهو ما يرفع قدرة أرباب أعمال على تحمل الرسوم الحالية أو تحويلها
على عاتق العامل.
الخلاصة هي أن مرونة العرض المتوقعتان
للعمالة الوافدة من الفئات غير الماهرة او النصف ماهرة تتسم إما بارتفاعها أو
بكونها لا نهائية، وهو ما يجعل من السهولة بمكان تحميل العمالة الوافدة بالرسوم أو
الجانب الأكبر منها، من ناحية أخرى فإن المستوى المقترح للرسم صغير إلى الحد الذي
يسهل معه نقل عبئه على العامل الوافد بسهولة، وأنه إذا ما أريد بالفعل تحقيق الهدف
من القرار فلا بد وان يكون الرسم مرتفعا إلى الحد الذي لا تفلح معه أية محاولات
لتحميل العامل الوافد بعبء الضريبة أو بجزء منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق