السبت، أكتوبر ٠٣، ٢٠١٥

استراتيجية أوبك الجديدة .. ماذا تحقق؟


أوبك هي اتحاد للمنتجين، الذي يهدف في الأساس إلى الدفاع عن مصالح الدول الأعضاء في التكتل من خلال التدخل المستمر في السوق لضمان توازن السوق على النحو الذي يعظم عوائد المنتجين. لفترة طويلة من الزمن لعبت أوبك هذا الدور بصورة فعالة أحيانا وببعض الإخفاقات في أحيان أخرى. غير أن العام الماضي شهد تحولا واضحا في استراتيجيات أوبك التي توقفت على ما يبدو عن لعب دورها التقليدي كتكتل يوازن السوق ويحافظ على الأسعار في الوقت ذاته.
الاستراتيجية الجديدة لأوبك تتلخص ببساطة في إغراق السوق وخلق تخمة عرض متعمدة في السوق بهدف تحقيق هدفين؛ الأول هو الحفاظ على الحصص السوقية للدول الأعضاء من جانب وحصة المنظمة من السوق العالمي من جانب آخر، وليس الدفاع عن الأسعار كما هو مفترض. حجة أوبك في هذا الصدد تستند إلى بعض دروس الماضي عندما حاولت الدفاع عن الأسعار في الثمانينيات فكانت النتيجة فقدانها حصتها السوقية لصالح المنتجين الآخرين من خارج أوبك. استنادا إلى هذه الخبرة السابقة تقوم أوبك بإنتاج كميات أكبر من النفط لتبيعه بأسعار بخسة، وبالحسابات البسيطة أصبحت أوبك تبيع اليوم كميات أكبر (أي بحصة أعلى) ولكن بإيرادات أقل. في المقابل لم يقم أحد بعقد مقارنة علمية دقيقة بين الظروف التي سادت في الثمانينيات والأوضاع الحالية للسوق العالمي للنفط الخام، واحتمالات تكرار السيناريو ذاته حتى يمكن الحكم بدقة على مدى جدوى الاستراتيجية الحالية القائمة على الحفاظ على الحصص.
أما الهدف الثاني، حسب ما هو معلن، فهو الضغط على الأسعار لإخراج المنتجين الهامشيين من السوق، حيث تساعد الأسعار المرتفعة على تشجيعهم على إنتاج النفط من المصادر مرتفعة التكلفة بشكل تجاري، بصفة خاصة النفط الصخري، الذي يتزايد العرض منه بصورة واضحة لدرجة أنه قد يمكن الولايات المتحدة من تحقيق الاكتفاء الذاتي لبعض الوقت.
النتائج المباشرة لاستراتيجية أوبك الجديدة هي تزايد تخمة العرض في السوق على النحو الذي يعزز سيناريو حرب الأسعار بين الأوبك والمنتجين من خارج الأوبك، وكذلك بين المنتجين داخل أوبك. بالطبع إذا كان الهدف هو الحفاظ على الحصة السوقية أيا كان سعر السوق، فمن المتوقع أن يتهافت الجميع على زيادة الإنتاج بانتهاج سياسات الحرق السعري بتقديم الخصومات لضمان استمرار طلبات العملاء في مراكز الاستهلاك.
وفقا لتقديرات هيئة الطاقة الدولية فإن إنتاج الأوبك عند أقصى مستوياته، إذ تقدر هيئة الطاقة الدولية إنتاج المنظمة في آب (أغسطس) بنحو 31.5 م.ب/ي. وهو من أعلى مستويات الإنتاج للمنظمة من الناحية التاريخية، الأمر الذي يعني أن أوبك تحقق الهدف الأول بالحفاظ على الحصص.
غير أنه من جانب آخر فإن إنتاج الدول من خارج أوبك يتزايد أيضا، على سبيل المثال فإن إنتاج روسيا أيضا عند أقصى مستوياته، بل لم تزد استراتيجية أوبك الجديدة روسيا إلا تصميما على زيادة إنتاجها إلى حدوده القصوى، الذي يقدر اليوم بنحو 10.6 م.ب/ي الأمر الذي يجعلها أكبر منتج للنفط في العالم حاليا.
كذلك بلغ إنتاج الولايات المتحدة نحو 9.6 م.ب/ي، قبل أن يتراجع لاحقا، ومما يعقد الأوضاع أن هناك بعض الانفراجات التي سوف يترتب عليها مزيد من التخمة في العرض، فالتهافت على الحصص أيضا جر إيران إلى المعمعة فقد أعلنت أنها تخطط لإنتاج مليون برميل يوميا إنتاجا إضافيا يوميا، مع رفع الحظر الاقتصادي عليها لتسترد حصتها السوقية. ومما لا شك فيه أن أي انفراجة للأوضاع في ليبيا والعراق سوف تدفع هذه الدول إلى الإنتاج بطاقتها القصوى ما يصب مزيدا من النار على عملية حرق الأسعار التي تتم حاليا.
من جانب آخر فإن بيانات المخزون الأمريكي أخذت في الارتفاع بصورة واضحة أخيرا مستفيدة من النفط الرخيص، على سبيل المثال تشير بعض التقديرات إلى أن الولايات المتحدة قامت بتخزين نحو 100 مليون برميل إضافية خلال الأشهر الماضية، أي أننا أمام عملية تحويل للنفط من آباره في دول المنتجة إلى مخازنه في أمريكا استفادة بأسعاره المنخفضة.
الدافع إلى زيادة الإنتاج وإغراق السوق قد يختلف، على الأقل حسب ما هو معلن، على سبيل المثال بالنسبة لدول مثل روسيا وفنزويلا فهي في حاجة ماسة إلى الإيرادات، وبالتالي مع تراجع الأسعار تحتاج إلى ضخ كميات أكبر من النفط لتعويض النقص في الإيرادات، بينما تنتج أوبك عند أقصى طاقتها لأنها كما هو معلن في حاجة إلى الإبقاء على الحصص وحمايتها من أن تتحول إلى منتجين آخرين خارج أوبك.
المشكلة الأساسية تتمثل في أن الاستراتيجية الجديدة لأوبك تطبق في التوقيت الخطأ، أي في الوقت الذي يتراجع فيه الطلب على النفط نتيجة الأوضاع الاقتصادية غير المواتية في مراكز الاستهلاك الرئيسة في العالم، مثل الصين وأوروبا، وهو ما يحدث تخمة عرض في السوق وينتج بالتالي أسوأ سيناريوهات للأسعار، وهو ما حدث بالفعل.
فقد دخلت صناعة النفط الخام مرحلة جديدة من الأسعار المنخفضة، التي تقل منذ فترة عن 50 دولارا. بل إن الحديث قد بدأ عن أسعار منخفضة جدا للنفط في العام القادم، على سبيل المثال كان بنك جولدمان ساكس قد توقع أن تكون أسعار برنت في 2016 نحو 57 دولارا، غير أنه في ظل الأوضاع السائدة في السوق حاليا خفض توقعاته إلى 45 دولارا. بل إن البنك يتوقع أنه باستمرار سياسات أوبك الحالية فإن سعر النفط من الممكن أن ينخفض إلى 20 دولارا للبرميل.
شخصيا لا أتوقع هبوط سعر النفط إلى هذه المستويات المتدنية، لكن المستويات الحالية للأسعار تشكل تهديدا خطيرا لدول أوبك، بما فيها الدول التي كونت احتياطيات ضخمة في السنوات السابقة. فلم تعد مستويات الإنفاق العام، خصوصا الجاري، تتماشى مع الأسعار المنخفضة للنفط، فقد توسعت هذه الدول في الماضي في الإنفاق استنادا إلى ارتفاع الإيرادات النفطية الناتجة عن ارتفاع الأسعار، ونتيجة لذلك أصبحت ميزانيات معظم المنتجين اليوم تتطلب أسعارا مرتفعة للنفط، فإن لم تتحقق هذه الأسعار على المدى المتوسط فمن المؤكد أن احتياطيات منتجي أوبك الكبار لا بد أن تتآكل في غضون فترة زمنية قصيرة، أو في المقابل يرتفع دينها العام إلى الناتج إلى مستويات عالية.
من المؤكد أنه في مقابل هذه الارتفاعات في العرض، فإن الضغوط السعرية تؤدي إلى إيذاء المنتجين الهامشيين. فوفقا لبيانات هيئة الطاقة الدولية فقد تراجع إنتاج الولايات المتحدة في 2015 من 9.61 م.ب/ي إلى 9.13 م.ب/ي. من جانب آخر تتوقع الهيئة أن ينخفض إنتاج النفط الصخري في 2016 بنحو 400 ألف برميل يوميا، غير أنه في أفضل الأحوال يتوقع انخفاض الإنتاج من خارج أوبك بما لا يزيد على 900 ألف برميل يوميا في 2016، وهو ما يعني أن حسابات أوبك في إخراج المنتجين الهامشيين من السوق ربما تكون خطأ.
لكن إلى أي مدى ستصمد أوبك؟ الواقع أن البيانات المتاحة حاليا تشير إلى أنه حتى أكبر دولها من حيث الاحتياطيات تواجه حاليا عجزا واضحا في ميزانياتها العامة، وكنسبة من الناتج يعد هذا العجز من أعلى المستويات عالميا، ولا شك أن تمويل هذه العجوزات سوف يترتب عليه إما استنزاف الاحتياطيات سريعا، أو ارتفاع نسب الدين إلى ناتجها المحلي بمعدلات سريعة أيضا، ومع ذلك فإن أوبك ما زالت مستمرة في زيادة الإنتاج حتى في ظل تراجع الأسعار، وهو ما يعني أن أوبك مستعدة لتحمل الآثار المالية للتراجع السعري، لكن السؤال الأهم هو إلى متى؟ وهل من الممكن أن يتغير هيكل السوق على الأجل المتوسط أو الطويل نتيجة لاستراتيجيات أوبك. وأخيرا هل تنجح أوبك بالفعل في حربها ضد النفط الصخري على المدى الطويل، لا القصير؟ هذا ما سنتناوله في الأسبوع القادم إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق