الثلاثاء، مارس ٠٤، ٢٠٠٨

مشروع لزيادة إجبارية في الرواتب، حذار من المزيد من التضخم!!

هدد بعض أعضاء مجلس الأمة بأنهم سوف يستخدمون سلطاتهم التشريعية في التأكد من أن الزيادات التي تجري على رواتب المواطنين هي زيادات معقولة وتعبر عن الارتفاع الحقيقي في تكلفة المعيشة وتحافظ على مستوى رفاهية المواطن في ظل الارتفاع المستمر في معدل التضخم الذي يجتاح البلد. لا شك أن الخبر يسر الجميع، ويرفع من شعبية المطالبين به، وربما يؤمن أصواتا أكثر في الانتخابات القادمة، مما يجعل العودة إلى كرسي البرلمان مرة أخرى مهمة أسهل.

هذه الزيادة المقترحة ترفع بند الرواتب في الميزانية بأكثر من ربع مليار دينارا سنويا (50 دينارا لحوالي 420 ألف موظف في 12 شهرا). هذا إضافة إلى الزيادة السابقة التي أقرتها الحكومة والتي ستكلف الميزانية زيادة في رواتب الكويتيين فقط أكثر من 600 مليون دينارا. يعني ذلك أن الزيادات المقترحة في الرواتب اذا تمت الموافقة على زيادة الـ 50 دينارا الإضافية سوف تكلف الميزانية ما يقارب المليار دينار سنويا، ناهيك عن تكلفة الزيادات التي حصلت عليها الكوادر الخاصة. بند الأجور والرواتب في الميزانية العامة للدولة يمر بحالة من الفوضى، ويخلف وراءه العديد من المشاكل تبعا لذلك.

المشكلة الأولى هي أن الزيادة في الباب الأول والباب الخامس (المصاريف الأخرى والتحويلات) من الميزانية هي زيادة ترفع الحد الأدنى لسعر النفط الخام اللازم لتوازن الميزانية، وبشكل أعلى مما سبق، ومن ثم تصبح ميزانية دولة الكويت أكثر المتغيرات الاقتصادية حرجا في حال تغير أسعار النفط او اتجاهها نحو النزول. ومن الواضح أن الجميع أصبح يتعامل مع المستويات الحالية لأسعار النفط على أنها مستويات دائمة، وأن النفط الرخيص أصبح من ذكريات الماضي. ومع ترحيبنا بهذا الاتجاه، إلا أنه لا يمكن، تحت أي ظرف من الظروف، الوثوق بالأسواق الدولية للسلع. فالعالم الذي نعيش فيه ترتفع فيه درجة المخاطرة بشكل واسع وتلعب فيه التوقعات دورا حيويا، إلى الحد الذي يمكن أن يحدث فيه أي شيء.

المشكلة الثانية أن هذه الزيادة هي زيادة أبدية، أي لا يمكن بأي حال من الأحوال تخفيضها مرة أخرى، حتى لو تراجعت معدلات التضخم. لأن الرواتب جزءا من الإنفاق الجاري في الميزانيات العامة للدول. ومن المعلوم أن الإنفاق الجاري عديم المرونة لتقلبات الإيرادات. بمعنى أنه من الممكن زيادته في حال إرتفاع الإيرادات، ولكن في حال انخفاض الإيرادات يستحيل تخفيضه مرة أخرى لمستوياته السابقة. لذلك ينظر إلى الرواتب على أنها من البنود الجامدة Sticky في الاقتصاد، أي أنها تصعد، أو تثبت، ولكنها لا تتجه نحو النزول أبدا مثلما يفترض الكلاسيكيون.

المشكلة الثالثة وهي الأخطر أن الذي يعتقدون أنهم يخدمون المواطن بهذه الزيادة هم في الحقيقية يضرون بالمواطن، بل ويضرون جميع فئات وقطاعات المجتمع. ذلك أن المبادئ الأساسية للتحليل الاقتصادي الكلي تخبرنا أن المستوى العام للأسعار هو نتيجة التفاعل بين مستويات الطلب الكلي والعرض الكلي في المجتمع. ويعتمد الطلب الكلي أساسا على مستويات الدخول، ومن ثم فان أي زيادة في مستويات دخل المواطن سوف يصاحبها زيادة أعلى في مستويات الطلب الكلي على السلع والخدمات المختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الأسعار ومن ثم المزيد من التضخم، فتسوء أوضاع العاملين في الحكومة، وبصفة خاصة صغار الموظفين وذوي الدخول المحدودة، الذين يدفعون ثمنا رهيبا لارتفاع معدلات التضخم في ضوء محدودية دخولهم وتسارع الزيادات في نفقات المعيشة.

يبدو أن المطالبين بزيادة الرواتب يعيشون ما نطلق عليه في الاقتصاد حالة الوهم النقدي Money Illusion، وهي الحالة التي يسعد فيها الفرد بالزيادة التي تحدث في القيمة النقدية لدخله، بينما تشتعل الأسعار من حوله نتيجة زيادة الطلب، لتلتهم زيادات الأسعار هذه الزيادات في الدخول، أي أنه في غضون فترة بسيطة تبدأ الأسعار في الارتفاع بما يلتهم الجانب الأكبر من القوة الشرائية للدخل، بحيث ينتهي الحال بالفرد إلى أن يكون في وضع أسوأ من وضعه قبل زيادة الدخول.

نقول للذين يطالبون بزيادات إجبارية في الرواتب، رفقا بالمواطن البسيط من زيادة الأسعار التي ستخلفها تلك الزيادات التي تطالبون بها.

هناك تعليق واحد:

  1. لقد عمل النواب على اللعب على مشاعر الناس و ايهامهم بأن الحل لمشاكلهم هو زيادة الزيادة في ظل غياب الخطط و المشاريع التنموية. و بطبيعة الحال السذج البسطاء من الناس سوف يتجهون نفس الاتجاه العام المؤيد ليس للزيادة فقط لكنما ايضا زيادة الزيادة غافلين عن الأثر السلبي الذي أشرت و تشير اليه في مقالاتك المفيدة.

    ردحذف