الثلاثاء، مارس ٠٤، ٢٠٠٨

مرحبا بزيادة الرواتب، وداعا لإحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة!

أعلنت حكومة دولة الكويت عن خطتها لزيادة الرواتب هذا الشهر، بناءا على دراسة للبنك الدولي والتي على أساسها تم إقرار زيادة موحدة في الرواتب بواقع 120 دينارا لكل موظف كويتي في الحكومة والقطاع الخاص. ومن الواضح أن الزيادة قد تم إقرارها على أساس أنها ستكون بمثابة علاوة غلاء معيشة تضاف إلى الراتب ولا تحسب ضمن الراتب الأساسي، حرصا على ألا تضاف إلى مستحقات الأفراد عند التقاعد وبالتالي تعقيد آثار الزيادة نتيجة ارتفاع مساهمات الحكومة في التأمينات، ومن ثم زيادة العجز الاكتواري لهيئة التأمينات الاجتماعية.

من المؤكد أن قرار زيادة الرواتب له أثارا ايجابية ولكن أيضا له الكثير من التبعات والآثار السلبية المتعددة. فمما لا شك فيه أن تكلفة المعيشة في دولة الكويت قد بدأت في التزايد مع تصاعد معدلات التضخم بشكل واضح متجاوزة كل من الاتجاه العام لمعدل التضخم في الدولة وكذلك معدلات التضخم المستهدفة من قبل السلطات النقدية في دولة الكويت. وبدأ المقيمين في دولة الكويت يشعرون بآثار التضخم وتآكل القوة الشرائية لدخولهم، وبدأت الغالبية العظمى من المواطنين تشعر بآثار ارتفاع تكاليف المعيشة، ومن ثم بدأ الحديث عن زيادة الرواتب إقتداءا بما حدث في الدول المحيطة، كذلك تصاعدت مطالب النواب بضرورة أن تنعكس الفوائض الضخمة في الميزانية على مستويات معيشة المواطنين من خلال زيادات كبيرة في الرواتب تحمي القطاع العريض من السكان العاملين في القطاع الحكومي.

هل الزيادة التي أقرتها الحكومة مناسبة، ربما تكون كذلك، وربما تكون أعلى من الزيادة في تكاليف المعيشة، لا نستطيع الحكم إلا من خلال مقارنة النمو في متوسط إنفاق الأسرة مع الزيادة المقترحة، وهو أمر لا يستطيع احد أي يقيمه خصوصا في ظل غياب بيانات حديثة عن الإنفاق الأسري، من خلال بحث ميزانية الأسرة ومسوحات الإنفاق وذلك لكي تقدير حجم الزيادة في تكاليف المعيشة بصورة فعلية، ومن ثم تقييم مدى مناسبة الزيادة في الرواتب على أساس أكثر واقعية. على أية حال فان الجانب الايجابي في زيادة الرواتب هو زيادة قيد الميزانية للأفراد، الأمر الذي سيمكنهم من الإنفاق بشكل اكبر ومواجهة زيادة الأسعار وانخفاض القوة الشرائية للدينار.

أما الجوانب السلبية لزيادة الرواتب فمتعددة، فأولا زيادة الرواتب قفزت ببنود الرواتب والأجور في الميزانية العامة للدولة إلى ما يقارب الـ 3 مليار دينار، هذا فيما يتعلق بالباب الأول فقط. حيث أن هناك بنودا أخرى للرواتب لا تحسب ضمن الباب الأول، مثل مرتبات العاملين في الجهات الملحقة والمستقلة، ومرتبات العاملين بالدفاع ومساهمة الحكومة في التأمينات الاجتماعية..الخ. ربما لا تكون لتلك الأرقام الضخمة أهمية الآن في ضوء الفوائض الكبيرة التي تحققها الميزانية العامة بفضل ارتفاع أسعار النفط، إلا أن كل زيادة في باب الأجور والرواتب ورواتب الفئات الأخرى ومساهمة الحكومة في التأمينات، ترفع من الحد الأدنى لسعر النفط اللازم لموازنة الميزانية العامة. مما يعني أن أسواق النفط في العالم لا بد وأن تتوازن عند حدود دنيا لضمان الحد الأدنى اللازم من الإيرادات اللازمة لتغطية الإنفاق العام، بصفة خاصة بند الرواتب.

ثانيا أن زيادة الرواتب التي تهدف إلى تعويض العاملين عن ارتفاع تكاليف المعيشة سوف تسهم في تغذية نار التضخم، من خلال الزيادة في الطلب الكلي الناجمة عن ارتفاع الدخول، الأمر الذي سوف يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم أكثر وأكثر، ومن ثم سوف يجد المواطنون أنفسهم مرة أخرى في حاجة إلى زيادة إضافية لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة، أي من المحتمل أن ندخل في دائرة خبيثة من التضخم وارتفاع الأجور ومن ثم زيادة الطلب الكلي فارتفاع الأسعار وبالتالي زيادة الأجور مرة أخرى فزيادة الطلب الكلي وارتفاع مستوى الأسعار وهكذا دواليك. صحيح أن معدلات التضخم حتى الآن تعد من قبيل معدلات التضخم المعقول إلى المنخفض، إلا أن زيادة الرواتب بما تمثله من زيادة في حجم الإنفاق لا تضمن استمرار معدلات التضخم عند هذه المستويات المعقولة من التضخم، وربما تدخل الكويت إلى مرحلة معدلات التضخم المرتفع.

ثالثا أن استمرار ارتفاع الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة سيواجه بمزيد من المطالبات للسيطرة على الأسعار حرصا على مستويات رفاهية المواطن، وحماية للطبقة المتوسطة التي هي أكثر الطبقات حاليا معاناة من ارتفاع الأسعار. المشكلة هنا هي أن التدخل المباشر للحكومة في الحد من زيادة الأسعار سوف يعطل آليات السوق ويشوه أنماط تحديد الأسعار وأجور عناصر الإنتاج، وهو ما لا يتوافق مع النظام الاقتصادي الحر الذي تتبعه الكويت حاليا، فضلا عن انه سيحبط المبادرات الخاصة في مجال إنتاج وتقديم السلع والخدمات.

رابعا، أن الزيادة المقترحة في الأجور كانت موحدة، وعلى جميع الدرجات والمستويات الوظيفية، يستوي في ذلك ذوي أصحاب الوظائف العليا والوظائف الدنيا، وهو أمر غير معقول. وبصفة عامة فإن أصحاب الوظائف الدنيا هم أكثر الفئات ميلا للاستهلاك، ومن ثم ستوجه كل هذه الزيادة من جانبهم نحو الاستهلاك، بعكس الطبقات العليا، وهو ما يعني أن الأثر المتوقع على الطلب الكلي سوف يكون كبيرا.

خامسا، وهو أهم الآثار السلبية من وجهة نظري، سوف يترتب على زيادة الرواتب تعميق الهوة بين هيكل أجور ورواتب القطاع الخاص وهيكل أجور ورواتب القطاع الحكومي، الأمر الذي سيعمق من ازدواجية سوق العمل Segmentation، حيث تصبح الوظيفة الحكومية ذات الأعباء الأقل والأجور الأعلى أكثر إغراءا، وأكثر طلبا من قبل كافة الداخلي الجدد لسوق العمل، ومن ثم ستجهض جهود الحكومة في إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة في القطاع الخاص، حيث ستزداد مقاومة القطاع الخاص لتوظيف العمالة الوطنية لأنها مرتفعة التكلفة بشكل لا يتماشى مع مستويات إنتاجيتها أو مع مستويات أجور العمالة الوافدة، من ناحية أخرى سوف تزداد مقاومة الداخلين الجدد لفرص العمل التي يتيحها القطاع الخاص نظرا لارتفاع جاذبية الوظيفة الحكومية ذات الأجر الأعلى والجهد الأقل والمكانة الأفضل في المجتمع وغيرها من المزايا الأخرى. ومن المعلوم أن جهات العمل بالوزارات والإدارات الحكومية بلغت مستوى التشبع منذ فترة طويلة، وأخذت البطالة المقنعة تتراكم بصورة كبيرة الأمر الذي انعكس في مزيد من الروتين والبيروقراطية وانتشار الفساد الإداري.

هذه الزيادة لا تحمل أخبارا طيبة لجهاز إعادة هيكلة القوى العاملة، حيث سترتفع حالات رفض فرص العمل التي يوفرها القطاع الخاص، وتطول وفقا لذلك المدة التي يقضيها الخريجين الجدد انتظارا لتوفر الفرصة المناسبة للعمل في الحكومة، وهو ما سيتطلب ضرورة زيادة ميزانيات دعم العمالة الوطنية. كذلك سوف ترتفع مستويات التسرب للعمالة الوطنية من القطاع الخاص نحو القطاع الحكومي في ظل الزيادة الجديدة في الرواتب، وهو ما يجهض جهود الحكومة نحو إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة.
مصطلحات: العجز الاكتواري
يحدث العجز الاكتواري عندما تعجز موارد هيئة التأمينات الاجتماعية عن دفع معاشات المشتركين. ويحدث ذلك بسبب الزيادات في الرواتب التي لا يجاريها زيادة في مساهمات الموظفين المدفوعة لهيئة التأمينات، بصفة خاصة بالنسبة للموظفين الذين اقتربوا من سن التقاعد، حيث سيحصل هؤلاء على معاشات مرتفعة عند التقاعد، بينما قاموا خلال حياتهم الوظيفية بسداد اشتراكات محسوبة على أساس رواتب منخفضة.

هناك ٤ تعليقات:

  1. ما هي برأيك الحلول المتاحة على أرضية التطبيق؟

    ردحذف
  2. راجع الجزء الخاص بـ "نحو استراتيجية جديدة للعمل الوطني المشترك للنهوض بمستويات النمو في دولة الكويت"

    ردحذف
  3. ما رأيك بأحد الحلول التي تم طرحها من قبل أحد الاساتذه بالكليه لمعالجة هذه المشكله من خلال أن يكون هناك سوق منافسة تامة.؟

    ردحذف
  4. لا شك ان سوق المنافسة التامة كفيل بأزالة كافة التشوهات في سوق العمل، لكن المشكلة الاساسية هي ان السلعة هنا هي خدمات عنصر العمل، ونقص الطلب على عنصر العمل يؤدي الى أخطر المشكلات التي يواجهها أي مجتمع وهي البطالة. وغالبا ما لا تستطيع الحكومات السكوت لفترة طويلة عن ارتفاع معدلات البطالة بين عمالها. لذلك تتدخل بشكل مباشر او غير مباشر لحفز الطلب على عنصر العمل ومعالجة مشكلة البطالة.

    سوق العمل الخاص في الكويت يتمتع بالمنافسة التامة، لكن سوق العمل الحكومي ليس كذلك، وهذا ما يؤدي الى ازدواجية سوق العمل، أي وجود سوقين منفصلين للعمل تختلف فيهما هياكل الرواتب والانتاجية وتتسع الفوارق بين السوقين بشكل واضح.

    ردحذف