الاثنين، نوفمبر ١٧، ٢٠٠٨

ما هو المطلوب من المتعاملين في البورصة الآن

تواجه البورصة اليوم ظروفا قاسية جدا، في ظل انهيار المؤشر السعري للبورصة من 15654 نقطة في 24/6/2008 الى 8691 نقطة فقط وقت إغلاق السوق بموجب حكم قضائي أصدرته المحكمة الكلية بإيقاف التعامل في السوق يوم الخميس 13/11/2008، أي انخفاض بحوالي 45%.

منذ أن بدأت الأزمة وهناك تسابق بين المتعاملين للتخلص من المحافظ المالية التي يملكونها للخروج من الأزمة بأقل خسارة ممكنة قبل أن تنهار الأسعار، فتكون النتيجة هو حدوث ضغط متزايد على أسعار الأسهم في البورصة من جراء عمليات للبيع الخاسر فيها هو الجميع. ما هو المطلوب إذن من المتعاملين في السوق للمحافظة على محافظهم المالية من الانهيار، ببساطة شديدة مطلوب من الجميع الهدوء، وعدم التصرف مثلما يتصرف القطيع. إذا هدأ المتعاملين في السوق من الممكن أن يتوقف الانهيار السعري ونزيف المحافظ المالية، أما التدافع المحموم في البورصة فهو ما يضر بالبورصة أشد الضرر. توقفوا عن حالة الذعر والرعب التي تتحكم في اتجاهات سلوككم، ثقوا أن الاقتصاد الكويتي حاليا في أحسن حالاته على الرغم من الانخفاض الحادث في سعر النفط الخام، إلا أن المالية العامة للدولة جيدة جدا، وان الفوائض المالية التي حققتها الدولة خلال السنوات القليلة الماضية ضخمة بما يضمن الرخاء للكويت لعدة سنوات قادمة بدون أي مشاكل مالية، حتى يعبر العالم الأزمة الحالية. لا تدمروا استثماراتكم بأيديكم، ليس هناك مانع من الذهاب إلى البورصة، أدري إن مقاومة عدم الذهاب للبورصة في هذا الوقت عملية صعبة للغاية، اذهبوا ولكن اجلسوا هكذا، اجعلوها جلسة سوالف، لا تطالعون المؤشر، ولا تتخذون أية قرارات بالبيع أو الشراء.

ما الذي دفع بهذا الانهيار الحاد إلى الحدوث، انه سلوك المتعاملين واندفاعهم. أي أن الأزمة صناعة محلية، افتعلناها بأنفسنا متأثرين بما يدور حولنا من أحداث على المستوى العالمي والمستوى الإقليمي. مطلوب إذن من الجميع الهدوء التام، ومحاولة السيطرة على الأعصاب في مواجهة أخبار الإعصار المالي الذي يجتاح العالم، أنها مهمة ليست سهلة، ولكن من المؤكد انه تكلفة الفرصة البديلة لها في غاية الارتفاع. لو أن الجميع التزم التهدئة ستستقر أحوال البورصة، على الأقل عند المستويات الحالية المنخفضة للمؤشر، حتى تتحسن الأوضاع ويعاود المؤشر الصعود مرة أخرى.

صحيح أن العالم يواجه أزمة مالية طاحنة، وأن مؤسساتنا المالية قد تضررت من جراء ذلك، نتيجة نقص مستويات السيولة مقارنة بالوضع السائد في السنة الماضية، ولكن هل نقص السيولة الحالي في تلك المؤسسات يبرر انهيار المؤشر السعري بنسبة 45% في غضون هذه الفترة القصيرة جدا؟ الإجابة بالقطع هي لا. من المؤكد أن للأزمة تأثير سلبي على أرباح الشركات العاملة في دولة الكويت، ولكن مرة أخرى ليس إلى الحد الذي يجب أن تنخفض معه الأسعار بنسبة 45%.

معنى ذلك أن هناك الكثير من الأسهم الرخيصة الآن في السوق، والتي لا تعبر عن القيمة السوقية لأصول الشركات المصدرة لتلك الأسهم، وهو أمر غير معقول وغير مبرر اقتصاديا وماليا. لماذا إذن يحدث هذا الأمر، ولماذا نسمح بهذه الظاهرة. جميع الأزمات السابقة التي مر بها العالم انتهت بنتيجة واحدة، وواحدة فقط، هي استعادة السوق لأوضاعه قبل الأزمة وعودة الأوراق المالية للصعود مرة أخرى، هذا بالتأكيد ما سيحدث على المدى الطويل، المشكلة هي أن المستثمرين يتصرفون وفقا لعبارة كينز المشهورة، في الأجل الطويل كلنا موتى in the long term we are all dead. أذن على الرغم من أن أوضاع الغالبية العظمى من الشركات مطمئنة، فان ذلك لا يوقف الرغبة المحمومة لدى المتعاملين في المبالغة في رد الفعل إزاء أي خبر سلبي ولو بسيط، وذلك لإصابة السوق بحالة نفسية حادة تدفع الجميع إلى المغالاة في رد الفعل. على الجميع أن يفكر بأهمية دوره ووجوده في السوق الآن، وانه جزء من خطة التهدئة للبورصة، وانه ليس مغفلا إلى الحد الذي يدفعه بأن يتخلص من الأسهم التي جمعها طوال الفترة الماضية بأرخص الأسعار.

الأزمات المالية عبر التاريخ يشعلها نوع واحد من الوقود، هو الذعر الذي يصيب المتعاملين والرغبة المحمومة في التخلص من الأسهم قبل انخفاض أسعارها بصورة أكبر في المستقبل، فتكون النتيجة مزيدا من الضغوط على أسعار الأسهم نحو الانخفاض، لو أن الجميع هدأ لكان من الممكن السيطرة على الاتجاه النزولي للأسعار في كافة الأزمات المالية، هذا هو ما تشير إليه الدراسات العلمية في هذا المجال. تشير أحدث الدراسات إلى أن المستثمرين غير الناضجين في السوق والذين لا تتوافر لهم الخبرة الكافية تتركز استراتيجياتهم الاستثمارية بشكل مكثف حول معدلات العائد في الأجل القصير. ومن ثم في حال حدوث أي أزمة يتجنبون الاستثمار في شراء الأسهم، فتكون النتيجة أنهم يفقدون فرص الربح العالية التي تتحقق عندما تأخذ أسعار الأسهم في الارتفاع لاحقا. نعم سترتفع أسعار الأسهم لا حقا، هذا هو الماضي الذي تكرر في كافة الأزمات المالية، المسألة إذن مسألة وقت وتعود الأوضاع إلى سالف عهدها. ومن ثم فان فقدان الفرصة لتحقيق أرباح ناجمة عن عودة الأسهم إلى مستوياتها قبل الأزمة ليس من الرشد الاقتصادي في شيء.

تشير دراسة لـ Robin Greenwood and Stefan Nagel بعنوان Inexperienced Investors and Bubbles في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن المستثمرين ناقصي الخبرة يلعبون دورا هاما في تكوين بالون الأسعار في البورصة، حيث لا يدرك هؤلاء أن هناك احتمال أن تهبط الأسعار، ومن ثم يكون لديهم غالبا ميل لدفع أسعار مغالى فيها للأسهم، نظرا لاستراتيجيات الاستثمار التي يتبعها هؤلاء والتي تستند إلى متابعة الاتجاه العام للمؤشر السعري في الأجل القصير. فعندما حدثت أزمة انخفاض العوائد في السبعينيات في الولايات المتحدة من القرن الماضي تجنب هؤلاء المستثمرين صغار السن الاستثمار في الأسهم، ومن ثم فقدوا الفرص الذهبية التي تحققت عندما عاودت الأسعار الارتفاع مرة أخرى. وعندما حدث بالون أسعار الشركات التكنولوجية في التسعينيات من القرن الماضي، كان المستثمرون من صغار السن هم اكبر مشتري لهذه الأسهم، وعندما انفجرت بالونة أسعار الأسهم التكنولوجية، كان هؤلاء هم من دفعوا ثمن الأزمة.

ما هي خلاصة التحليل السابق، الخلاصة هي ببساطة أن ما يحدث الآن لن يستمر للأبد، وان السوق سوف يسترد عافيته إن عاجلا أو آجلا، ومن ثم ستعاود الأسعار ارتفاعها مرة أخرى، عند إذن سوف يشعر المتعاملون من غير ذوي الخبرة بالندم على الإقدام المحموم على التخلص من محافظهم في مواجهة الانخفاض الحادث حاليا. مرة أخرى مطلوب من الجميع الهدوء، فقط الهدوء ومقاومة أي شعور بضرورة التحرك. إذا حدث ذلك ستستقر الأوضاع ويعود الهدوء لمؤشر الأسعار في البورصة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق