مع تصاعد الدعوات للحكومة في دولة الكويت بأن تتدخل في سوق الأوراق المالية لوقف الاتجاه الهبوطي للمؤشر العام للبورصة، أعلنت الحكومة عن تكوين محفظة مليارية للتدخل في البورصة. وقد استقبل الجميع هذا الخبر بالترحاب، حيث نظر إليه على انه بداية عملية الإنقاذ للأوضاع السيئة للبورصة.
التدخل الحكومي في الأسواق من خلال مثل هذه المحافظ في أوقات الأزمات المالية ليس بدعة ابتدعتها الكويت، جميع دول العالم المتقدم تتدخل حاليا بصورة أو بأخرى لضخ مئات المليارات من الدولارات كأموال سائلة في جهازها المالي لوقف حالة الانهيار التي تواجهها مؤسساته. على سبيل المثال فان الخطة الأمريكية تقضي بضخ 700 مليار دولار في النظام المالي الأمريكي، بينما أعلنت الحكومة البريطانية عن خطة إنقاذ أكبر من خلال رصد حوالي 500 مليار جنيه إسترليني، أي ما يعادل حوالي 870 مليار دولار أمريكي، وقد أشارت الحكومة البريطانية إلى أن جانبا من خطتها للإنقاذ يقضي بشراء أسهم للبنوك البريطانية، ومن ثم تملك جانب من رؤوس أموال تلك البنوك. كما أعلنت ألمانيا عن خطة إنقاذ بحوالي 675 مليار دولارا أمريكيا منها ضمانات مصرفية بحولي 459 مليارا و 139 مليارا لضخ رؤوس أموال في البنوك الألمانية. كذلك أعلن نيكولاس ساركوزي عن خطة مشابهة بتوفير 440 مليار دولارا أمريكيا كضمانات للإقراض بين المصارف الفرنسية و 55 مليار لضخها في رؤوس أموال البنوك المتعثرة، أما اسبانيا فقد أعلنت عن خطة شبيهة بـ 116.8 مليار دولارا و 20.6 مليار دولارا لنفس الأغراض التي أعلنت عنها الخطة الفرنسية. كذلك أعلنت السويد عن خطة لضخ 200 مليار دولارا أمريكيا من السيولة في جهازها المالي، كما رصدت الحكومة اليابانية ما يزيد عن 200 مليار دولارا أمريكيا لنفس الأغراض. شراء الأسهم من قبل الحكومات ليس أمرا غريبا في أوقات الأزمات المالية حيث يساعد على ضمان استمرار حسن أداء النظام المالي.
منذ أن أعلنت الحكومة عن تكون محفظة حكومية مليارية للتدخل في سوق الأوراق المالية أخذ المؤشر السعري للبورصة في خفض معدلات هبوطه، بل وانعكس اتجاهه في تعاملات يوم الخميس الماضي بحيث أصبح المؤشر الوحيد في البورصات الخليجية الذي يحمل اللون الأخضر، في إشارة إلى أن السوق كان في أمس الحاجة إلى هذا التدخل لبدء عملية إعادة التوازن للسوق وضخ جرعة من الثقة لدى المتعاملين فيه ولوقف الضغط على السوق والأسعار. وقد أتى تدخل الصندوق في السوق على أساس انتقائي أي لأسهم معينة والتي ينظر إليها على أنها الأسهم الممتازة في السوق، وهو إجراء طبيعي، بل ومفيد لأن له العديد من الآثار الايجابية على السوق منها على سبيل المثال:
1. أنه يحافظ على الأموال العامة من الهدر الذي يمكن أن يلحق بها لو تم شراء الأسهم المنخفضة الترتيب في السوق.
2. أنه يكسر حده حالة الهبوط التي يعاني منها السوق منذ فترة طويلة، ويفتح المجال أمام المؤشر السعري لوقف رحلة الهبوط، واستعادة اتجاه الصعود مرة أخرى.
3. انه يعطي جرعة من الثقة للمتعاملين في السوق ومن ثم يسهم في الحد من الموجة التشاؤمية التي تسود لدى الغالبية العظمى من المتعاملين في السوق اليوم.
4. أنه يفوت الفرصة على بعض محاولات المضاربة التي قد يبذلها البعض بالضغط على السوق بصورة لهبوط أسعار الأسهم بشكل اكبر انتظارا للحظة الحاسمة من وجهة نظرهم للانقضاض على السوق وشراء الأسهم عند مستويات القاع.
5. وأخيرا فإن ارتفاع الأسهم الممتازة سوف يصحبه أيضا ارتفاع في الأسهم الأقل جودة وهكذا، حتى يخرج السوق بكاملة من حالة الركود التي طالته مؤخرا.
الخطوة التي اتخذتها الحكومة مؤخرا على الرغم من أهميتها في دعم السوق، إلا أنها ليست كافية، إذ يجب أن يصحبها إجراءات مساندة لمساعدة السوق على استعادة توازنه بشكل أسرع، أهمها السماح للشركات بأن تشتري أسهمها بصورة أوسع على الأقل في هذا الوقت بالذات، مع إمكانية إجبار تلك الشركات على إعادة بيع جانب من أسهمها في المستقبل، وتخفيف قيود الائتمان على الاقتراض لشراء الأسهم، وتوسيع الفرص أمام الأجانب بشكل اكبر للشراء لتنشيط التعامل في السوق.
التدخل الحكومي في الأسواق، وفي هذه اللحظة بالذات فوق انه يضمن استقرارها فانه يحقق للحكومة ذاتها عدة فوائد أهمها الاستفادة من فروق الأسعار للأسهم التي تم شراءها، خصوصا وان هذه الأسهم تشترك في خاصية مهمة أنها من الأسهم المتميزة، وهو ما يساعد الحكومة على الحفاظ على القيمة الرأسمالية لمحفظتها، وفي نفس ضمان تحقيق عوائد جيدة جدا على الأموال التي تم استخدامها، المطلوب إذن من الحكومة أن توسع نطاق محفظتها برصد قدر اكبر من الأموال لدفع السوق نحو التوازن على نطاق أوسع، وتحقيق عائد مناسب لتلك الأموال، خصوصا مع تداعي فرص الاستثمار المربح لتلك الأموال عالميا.
إذا ما استعادت الأسهم التي اشترتها الحكومة مستوياتها قبل الأزمة فان الحكومة تكون قد ضمنت بهذا الشكل على الأقل تحقيق معدلات للعائد تزيد عن 40% على محفظة الأسهم التي قامت بشرائها، وهو معدل يقل قليلا عن معدل الهبوط التراكمي الحادث في المؤشر السعري للسوق. ومما لا شك فيه أنه لا يوجد حاليا استثمار يحقق تلك المعدلات المرتفعة من العائد، من المؤكد إذن أن قرار التدخل الحكومي من خلال المحفظة الحكومية المليارية كان قرارا صائبا ويمثل أفضل استثمار لتلك الأموال.
الخلاصة هي أن المستفيد الأكبر من عملية التدخل الحكومي في البورصة هو الحكومة ذاتها، والتي سنحت لها الفرصة على أوسع نطاق للاستفادة من الفرص التي توفرها عملية هبوط أسعار الأسهم عند مستويات قريبة من القاع بالنسبة للكثير منها، لتحصد الحكومة بهذا الشكل على نصيب كبير من أرباح موجة الهبوط الأخيرة، مفوتة الفرصة بذلك على المتربصين بالسوق، والذين تشير الشواهد إلى أنهم قد أخذوا في دخول السوق مع التدخل الحكومي لاقتسام الكيكة.
وعلى الرغم من أننا ما زلنا في المراحل الأولى لعملية التدخل، وفي انتظار المزيد منها، والمزيد أيضا من رد الفعل من جانب السوق، إلا أن ما حدث في الكويت يمثل دعوة هامة لباقي دول الخليج في أن تستخدم أموال الصناديق السيادية التي تملكها للاستثمار في أسواق الأوراق المالية الوطنية فيها، وأن تحذو حذو الكويت في التدخل في أسواقها لإعادة التوازن في السوق ووقف حالة الذعر المالي التي تسود أسواقها، ولتحقيق أرباح ضخمة على المدى الطويل من الانخفاض القياسي للأسعار.
نشر في القبس العدد 12748 - تاريخ النشر 24/11/2008
التدخل الحكومي في الأسواق من خلال مثل هذه المحافظ في أوقات الأزمات المالية ليس بدعة ابتدعتها الكويت، جميع دول العالم المتقدم تتدخل حاليا بصورة أو بأخرى لضخ مئات المليارات من الدولارات كأموال سائلة في جهازها المالي لوقف حالة الانهيار التي تواجهها مؤسساته. على سبيل المثال فان الخطة الأمريكية تقضي بضخ 700 مليار دولار في النظام المالي الأمريكي، بينما أعلنت الحكومة البريطانية عن خطة إنقاذ أكبر من خلال رصد حوالي 500 مليار جنيه إسترليني، أي ما يعادل حوالي 870 مليار دولار أمريكي، وقد أشارت الحكومة البريطانية إلى أن جانبا من خطتها للإنقاذ يقضي بشراء أسهم للبنوك البريطانية، ومن ثم تملك جانب من رؤوس أموال تلك البنوك. كما أعلنت ألمانيا عن خطة إنقاذ بحوالي 675 مليار دولارا أمريكيا منها ضمانات مصرفية بحولي 459 مليارا و 139 مليارا لضخ رؤوس أموال في البنوك الألمانية. كذلك أعلن نيكولاس ساركوزي عن خطة مشابهة بتوفير 440 مليار دولارا أمريكيا كضمانات للإقراض بين المصارف الفرنسية و 55 مليار لضخها في رؤوس أموال البنوك المتعثرة، أما اسبانيا فقد أعلنت عن خطة شبيهة بـ 116.8 مليار دولارا و 20.6 مليار دولارا لنفس الأغراض التي أعلنت عنها الخطة الفرنسية. كذلك أعلنت السويد عن خطة لضخ 200 مليار دولارا أمريكيا من السيولة في جهازها المالي، كما رصدت الحكومة اليابانية ما يزيد عن 200 مليار دولارا أمريكيا لنفس الأغراض. شراء الأسهم من قبل الحكومات ليس أمرا غريبا في أوقات الأزمات المالية حيث يساعد على ضمان استمرار حسن أداء النظام المالي.
منذ أن أعلنت الحكومة عن تكون محفظة حكومية مليارية للتدخل في سوق الأوراق المالية أخذ المؤشر السعري للبورصة في خفض معدلات هبوطه، بل وانعكس اتجاهه في تعاملات يوم الخميس الماضي بحيث أصبح المؤشر الوحيد في البورصات الخليجية الذي يحمل اللون الأخضر، في إشارة إلى أن السوق كان في أمس الحاجة إلى هذا التدخل لبدء عملية إعادة التوازن للسوق وضخ جرعة من الثقة لدى المتعاملين فيه ولوقف الضغط على السوق والأسعار. وقد أتى تدخل الصندوق في السوق على أساس انتقائي أي لأسهم معينة والتي ينظر إليها على أنها الأسهم الممتازة في السوق، وهو إجراء طبيعي، بل ومفيد لأن له العديد من الآثار الايجابية على السوق منها على سبيل المثال:
1. أنه يحافظ على الأموال العامة من الهدر الذي يمكن أن يلحق بها لو تم شراء الأسهم المنخفضة الترتيب في السوق.
2. أنه يكسر حده حالة الهبوط التي يعاني منها السوق منذ فترة طويلة، ويفتح المجال أمام المؤشر السعري لوقف رحلة الهبوط، واستعادة اتجاه الصعود مرة أخرى.
3. انه يعطي جرعة من الثقة للمتعاملين في السوق ومن ثم يسهم في الحد من الموجة التشاؤمية التي تسود لدى الغالبية العظمى من المتعاملين في السوق اليوم.
4. أنه يفوت الفرصة على بعض محاولات المضاربة التي قد يبذلها البعض بالضغط على السوق بصورة لهبوط أسعار الأسهم بشكل اكبر انتظارا للحظة الحاسمة من وجهة نظرهم للانقضاض على السوق وشراء الأسهم عند مستويات القاع.
5. وأخيرا فإن ارتفاع الأسهم الممتازة سوف يصحبه أيضا ارتفاع في الأسهم الأقل جودة وهكذا، حتى يخرج السوق بكاملة من حالة الركود التي طالته مؤخرا.
الخطوة التي اتخذتها الحكومة مؤخرا على الرغم من أهميتها في دعم السوق، إلا أنها ليست كافية، إذ يجب أن يصحبها إجراءات مساندة لمساعدة السوق على استعادة توازنه بشكل أسرع، أهمها السماح للشركات بأن تشتري أسهمها بصورة أوسع على الأقل في هذا الوقت بالذات، مع إمكانية إجبار تلك الشركات على إعادة بيع جانب من أسهمها في المستقبل، وتخفيف قيود الائتمان على الاقتراض لشراء الأسهم، وتوسيع الفرص أمام الأجانب بشكل اكبر للشراء لتنشيط التعامل في السوق.
التدخل الحكومي في الأسواق، وفي هذه اللحظة بالذات فوق انه يضمن استقرارها فانه يحقق للحكومة ذاتها عدة فوائد أهمها الاستفادة من فروق الأسعار للأسهم التي تم شراءها، خصوصا وان هذه الأسهم تشترك في خاصية مهمة أنها من الأسهم المتميزة، وهو ما يساعد الحكومة على الحفاظ على القيمة الرأسمالية لمحفظتها، وفي نفس ضمان تحقيق عوائد جيدة جدا على الأموال التي تم استخدامها، المطلوب إذن من الحكومة أن توسع نطاق محفظتها برصد قدر اكبر من الأموال لدفع السوق نحو التوازن على نطاق أوسع، وتحقيق عائد مناسب لتلك الأموال، خصوصا مع تداعي فرص الاستثمار المربح لتلك الأموال عالميا.
إذا ما استعادت الأسهم التي اشترتها الحكومة مستوياتها قبل الأزمة فان الحكومة تكون قد ضمنت بهذا الشكل على الأقل تحقيق معدلات للعائد تزيد عن 40% على محفظة الأسهم التي قامت بشرائها، وهو معدل يقل قليلا عن معدل الهبوط التراكمي الحادث في المؤشر السعري للسوق. ومما لا شك فيه أنه لا يوجد حاليا استثمار يحقق تلك المعدلات المرتفعة من العائد، من المؤكد إذن أن قرار التدخل الحكومي من خلال المحفظة الحكومية المليارية كان قرارا صائبا ويمثل أفضل استثمار لتلك الأموال.
الخلاصة هي أن المستفيد الأكبر من عملية التدخل الحكومي في البورصة هو الحكومة ذاتها، والتي سنحت لها الفرصة على أوسع نطاق للاستفادة من الفرص التي توفرها عملية هبوط أسعار الأسهم عند مستويات قريبة من القاع بالنسبة للكثير منها، لتحصد الحكومة بهذا الشكل على نصيب كبير من أرباح موجة الهبوط الأخيرة، مفوتة الفرصة بذلك على المتربصين بالسوق، والذين تشير الشواهد إلى أنهم قد أخذوا في دخول السوق مع التدخل الحكومي لاقتسام الكيكة.
وعلى الرغم من أننا ما زلنا في المراحل الأولى لعملية التدخل، وفي انتظار المزيد منها، والمزيد أيضا من رد الفعل من جانب السوق، إلا أن ما حدث في الكويت يمثل دعوة هامة لباقي دول الخليج في أن تستخدم أموال الصناديق السيادية التي تملكها للاستثمار في أسواق الأوراق المالية الوطنية فيها، وأن تحذو حذو الكويت في التدخل في أسواقها لإعادة التوازن في السوق ووقف حالة الذعر المالي التي تسود أسواقها، ولتحقيق أرباح ضخمة على المدى الطويل من الانخفاض القياسي للأسعار.
نشر في القبس العدد 12748 - تاريخ النشر 24/11/2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق