الثلاثاء، أغسطس ٢٤، ٢٠١٠

صناديق الثروة السيادية

نشر في جريدة الوطن البحرينية يوم الثلاثاء 24/8/2010.
الصندوق السيادي للثروة هو صندوق استثمار عام تملكه الدولة وتتولى من خلاله استثمار فوائضها المالية في الخارج مثل فوائض الصادرات النفطية أو الفوائض التي تحققها الميزانيات العامة للدول، ومن ثم فإن الصندوق السيادي للثروة يعد بمثابة محفظة استثمار عامة، ولكن أصوله تكون موظفة خارج الدولة، وهو ما يعنى ان الأصول التي يتكون منها الصندوق تكون أساسا بالعملات الأجنبية، أي أصولا خارجية. غير ان التعريف العلمي لصناديق الثروة السيادية لا يدخل ضمن أصول هذا الصندوق ما قد يمتلكه البنك المركزي من احتياطيات بالعملات الأجنبية والتي تستخدم أساسا لأغراض التدخل في سوق الصرف الأجنبي للدفاع عن العملة الوطنية ضد أي تقلبات في أسعارها بالنسبة للعملات الأجنبية.

ويتنامى الدور الذي تلعبه صناديق الثروة السيادية بصورة واضحة في السوق العالمي لرأس المال نظرا للفوائض الكبيرة التي تحققها بعض الدول في ميزان مدفوعاتها بصفة خاصة الصين والدول النفطية. لذلك نجد ان الجانب الأكبر من صناديق الثروة السيادية في العالم غالبا ما يكون مرتبطا بصادرات النفط والغاز. ولضخامة الأصول التي تضمها هذه الصناديق فإن العديد من الدول الغربية قد أعربت في أكثر من مرة عن قلقها من الدور المتنامي لهذه الصناديق، ويتهم البعض هذه الصناديق بأنها تفتقد إلى الشفافية وأنها قد تحمل مخاطر جمة بالنسبة للاقتصاد العالمي، وفي رأيي أنه لا يوجد أي تبرير لمثل هذا القلق أو هذه الاتهامات سوى ان نسبة كبيرة من أصول هذه الصناديق تمتلكها دولا إسلامية، وأنه ليس هناك أي داع لكل هذا القلق، فالدول التي تمتلك هذه الصناديق عادة ما توظف إدارات خبيرة على مستوى عال جدا من الخبرة في مجال الاستثمار الدولي، والتي تهدف أساسا إلى تعظيم العوائد/المعدلة بالمخاطرة على أصول هذه الصناديق وليس أي هدف آخر يبرر مثل هذا القلق. ومع ذلك ولطمأنة الدول المستقبلة لاستثمارات هذه الصناديق، فقد تم وضع ما يسمى بمبادئ "سنتياجو" لصناديق الثروة السيادية، والتي أكدت على التزام صناديق الثروة السيادية بالشفافية بالشكل الذي يضمن سلامة إدارة المخاطر في هذه الصناديق والالتزام بقواعد صارمة في الإفصاح، وضمان حرية تدفقات رؤوس الأموال بين دول العالم. كذلك اتفقت الدول المالكة لصناديق الثروة السيادية في العام الماضي على ما يسمى بـ "إعلان الكويت"، والذي تم بمقتضاه إنشاء منتدى دائم للدول المالكة لهذه الصناديق لتبادل وجهات النظر حول أنشطتها الاستثمارية، وسبل إدارة المخاطر ونظم الاستثمار والأوضاع المؤثرة على عمليات استثمار الصناديق عالميا.

عندما أكتب عن الصناديق السيادية فإنني أتعمد دائما ألا أغفل حقيقة أن الكويت هي الدولة الرائدة عالميا في هذا المجال، فهي أم صناديق الثروة السيادية في العالم، فقد كانت الكويت هي أول دولة في العالم تقوم بإنشاء مثل هذه الصناديق في 1953، عندما قامت بإنشاء صندوق ثروة سيادي يهدف إلى حماية الاستقرار الاقتصادي المحلي من تقلبات أسعار النفط.

أنا شخصيا لست من أنصار صناديق الثروة السيادية، وفي أكثر من موضع طالبت الدول صاحبة هذه الصناديق بإعادة توجيه هذه الاستثمارات محليا، لأنها أصول وطنية يتم توظيفها في الخارج استنادا إلى مبررات لا أراها حقيقية، مثل ضعف الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني، في رأيي لا يوجد شيء اسمه ضعف الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني، فالطاقة الاستيعابية تتسع على حسب ما تستثمر فيها، على سبيل المثال كلما ازدادت الاستثمارات في البنى التحتية محليا كلما اتسعت الطاقة الاستيعابية وازدادت قدرة الاقتصاد الوطني على امتصاص مزيد من المليارات من الاستثمارات في الأصول الوطنية المختلفة.

في أكثر من مقال سابق لي عن صناديق الثروة السيادية عقدت مقارنة بين فوائد وتكاليف صناديق الثروة السيادية وتوصلت إلى أن تكاليف تلك الصناديق ومخاطرها تتفوق على العوائد التي يمكن تحقيقها منها، ولذلك لا أنصح بمثل هذه الصناديق. فمن الناحية النظرية على الأقل تتمثل أهم الفوائد من هذه الصناديق في تنويع مصادر الدخول من خلال تكوين محافظ استثمارية خارجية، ومن ثم تحقيق عوائد على تلك الاستثمارات يمكن استخدامها في تمويل الإنفاق العام أو في إعادة الاستثمار في تلك الصناديق مرة أخرى لتضاف إلى رصيد تلك الأصول، فضلا عن تكوين احتياطي استراتيجي يمكن استخدامه في أي وقت لمواجهة ظروف طارئة حادة (مثلما حدث أوقات العدوان العراقي على الكويت).

غير أن تكاليف ومخاطر تلك الصناديق متعددة وتتمثل أهمها في الآتي:

* الناتج المحلي الإجمالي الضائع (أو الفرصة الضائعة في صورة الناتج المحلي الضائع) بصفة خاصة الناتج غير النفطي، الذي يمكن توليده لو تم استثمار أصول هذه الصناديق محليا في أصول إنتاجية حقيقية في الداخل.

* فرص التوظف الضائعة والتي يمكن خلقها للشباب من المواطنين، لو تم استثمار هذه الأموال في أصول إنتاجية حقيقية في الداخل، بدلا من ان يتم استثمار هذه الأموال في الخارج فتوفر فرص عمل للعمال الكوريين والصينيين والأوروبيين بينما لا يستفيد شبابنا من الوظائف التي تخلقها مثل هذه الاستثمارات، ومن ثم فإننا بهذه الصناديق نسهم في حل مشكلة البطالة في الخارج، بينما تتعمق تلك المشكلة لدينا هنا بمرور الوقت.

* انخفاض معدلات النمو الاقتصادي المحققة مقارنة بمعدل النمو الكامن أي الذي يمكن تحقيقه لو تم استثمار هذه الأصول هنا محليا.

* تدني العوائد المحققة على هذه الاستثمارات والتي تقتصر على نسبة محددة من الفائدة، إذا كنا نستثمر في أصول مالية، أو نسبة توزيعات محددة للأرباح، إذا كنا نستثمر في أصول حقيقية (شركات ومصانع... الخ) وهذه العوائد لا تتناسب مع تكلفة الفرصة البديلة لتلك الاستثمارات بالنظر إلى العوائد الضخمة التي يمكن أن تعود علينا إذا ما تم استثمار هذه الأصول بكفاءة هنا محليا، أو بالنظر الى الارباح الضخمة التي تحققها الدول المستضيفة نتيجة استثمار هذه الاصول لديها في الخارج.

* المخاطر التي تصاحب استثمار تلك الأصول في الخارج والناجمة عن احتمال تعرض أصول تلك الصناديق للانهيار مع انهيار أصول المؤسسات التي يتم الاستثمار فيها، خصوصا في أوقات الأزمات الاقتصادية، مثل الأزمة الحالية.

* المخاطر المصاحبة للتضخم في الدول المضيفة، حيث تميل القوة الشرائية لتلك الاستثمارات نحو التناقص بمرور الزمن، بصفة خاصة الاستثمارات المالية، خصوصا في الدول التي ترتفع فيها تكاليف المعيشة ومن ثم المستوى العام للأسعار.

* الخسائر الناجمة عن تقلبات أسعار العملات، أو ما يطلق عليه مخاطر الصرف الأجنبي، والمتمثل في ميل عملات الدول المستقبلة لهذه الاستثمارات نحو الانخفاض ومن ثم تدهور القوة الشرائية لتلك الأصول، على سبيل المثال الأصول الاستثمارية المقومة بالدولار الامريكي.

* المخاطر الأخلاقية، حيث ليس هناك ضمان لحسن إدارة تلك الأصول في الدول المضيفة، خصوصا وأننا في اغلب الأحوال لا نملك قوة تصويتية، ولا نمثل في مجالس إدارات الشركات التي نستثمر فيها تلك الأصول، وهو ما يرفع احتمال تعرض تلك الاستثمارات إلى الخطر.

* المخاطر السياسية، والمتمثلة في احتمال تغير السياسات الخارجية للدول المضيفة لتلك الاستثمارات، خصوصا وأننا نعيش في منطقة ساخنة مليئة بالأحداث التي ربما تدفع الدول المضيفة في أسوأ الأحوال إلى تجميد تلك الاستثمارات وهو السيناريو الأسوأ على الإطلاق.

كما نلاحظ ليس هناك توازن بين العوائد التي يتم تحقيقها من تملك مثل هذه الصناديق والتكاليف المصاحبة لإنشائها، ومن ثم فإنه من الأفضل، في وجهة نظري، أن يتم استثمار هذه الأصول محليا لرفع مستويات البنى التحتية وبناء أصول إنتاجية محلية لتنويع مصادر الدخل ورفع مستويات التنافسية الدولية.

الجدول التالي يوضح آخر البيانات المتاحة عن صناديق الثروة السيادية التي يصدرها المعهد الدولي للصناديق السيادية. ومن الجدول يلاحظ أن إجمالي أصول صناديق الثروة السيادية قد اقترب من حاجز 4 تريليون (ألف مليار) دولارا، وهو ما يقل بشكل كبير عما كان متوقعا لأصول هذه الصناديق لو لم تحدث الأزمة المالية العالمية، والتي ترتب عليها تحقيق خسائر ضخمة في أصول هذه الصناديق، واستمرار أسعار النفط الخام عند المستويات التي نراها حاليا، والتي ترتب عليها انخفاض الفوائض النفطية التي كانت تحققها الدول المصدرة للنفط الخام والتي توجه نحو هذه الصناديق أساسا.
تمتلك دول مجلس التعاون أصولا في صناديقها السيادية تقدر ب 1380 مليار دولارا، أي حوالي 35% من إجمالي أصول صناديق الثروة السيادية في العالم، نصفها تقريبا تمتلكه الإمارات العربية المتحدة، بصفة خاصة إمارة أبو ظبي صاحبة اكبر صندوق ثروة سيادي في الخليج، وثاني أكبر صندوق سيادي في العالم بعد صندوق الثروة السيادي الصيني، ويعتبر الفرد في أبو ظبي صاحب أكبر متوسط نصيب للفرد من أصول صناديق الثروة السيادية في العالم. إجمالي أصول صندوق الثروة السيادي لأبو ظبي يصل إلى 654 مليار دولارا، وكانت تقديرات المعهد الدولي للصناديق السيادية للثروة تضع أصول هذا الصندوق حول 738 مليار دولارا في 2008. غير أن المعهد الدولي للصناديق السيادية قام بعد ذلك بتخفيض تقديراته حول قيمة اصول صناديق أبو ظبي السيادية نتيجة للخسائر التي لحقت بهذه الصناديق نتيجة للأزمة المالية العالمية. أمام أبو ظبي فرصة ذهبية لاستخدام هذه الموارد المالية الضخمة لتنويع هيكل اقتصادها وذلك في ضوء استراتيجيتها 2030 لادخال خطوط جديدة للناتج والدخل المحلي، في مجالات النقل والتجارة والسياحة، ورغم الامكانيات المالية الضخمة التي تمتلكها الامارة، اشعر ببعض البطء في خطط النهوض بالاقتصاد المحلي في أبو ظبي، ربما لأن أوضاع الامارة المالية متميزة، ولا توجد تلك الضغوط التي تعاني منها بقية دول الخليج.

يلي الإمارات العربية المتحدة من حيث الأهمية المملكة العربية السعودية، صاحبة ثاني اكبر صندوق ثروة سيادي في الخليج، وثالث أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم، والتي بلغت تقديرات أصول صندوقها السيادي حوالي 420 مليار دولارا. ووفقا للبيانات المتاحة، تراجعت أصول هذا الصندوق بحوالي 15 مليار دولار العام الماضي، ومقارنة بباقي صناديق الثروة السيادية الخليجية، يعد صندوق الثروة السيادي السعودي أكثر هذه الصناديق من حيث درجة التقلب، حيث تزداد أصول هذا الصندوق بصورة أكبر من أي صندوق آخر في المنطقة، وذلك عندما ترتفع أسعار النفط، نظرا للطاقة التصديرية الجبارة التي تمتلكها المملكة في مجال النفط الخام، ومن ثم تتحقق للمملكة فوائض ضخمة عندما ترتفع أسعار النفط الخام تحول للصندوق، بينما في حال تراجع أسعار النفط تزداد عمليات السحب من الصندوق نظرا لميزانية الإنفاق العام الضخم للمملكة، وذلك مقارنة بباقي دول مجلس التعاون. صندوق الثروة السيادي السعودي يعمل بشكل ممتاز كصندوق لاستقرار هيكل الانفاق العالم في المملكة وحماية الاقتصاد المحلي من آثار تقلبات أسعار النفط الخام.

الدولة الثالثة خليجيا من حيث أهمية أصول صندوقها السيادي هي الكويت، والتي تبلغ تقديرات أصول صندوقها السيادي 202 مليار دولارا، والحقيقة لدي شك كبير حول مدى اعتمادية وصحة تقديرات المعهد الدولي لصناديق الثروة السيادية بالنسبة لصندوق الثروة السيادي الكويتي، والتي لم تتغير منذ فترة طويلة جدا، وفي ظل عدم توافر بيانات رسمية دقيقة حول استثمارات الكويت الخارجية فإنه لا يمكن الحكم على مدى صحة هذه التقديرات، وتعول الكويت كثيرا على صندوق الثروة السيادي الخاص بها كأحد خياراتها المستقبلية بعد نفاد النفط، وهو خيار لا أراه صحيحا للأسباب التي ذكرتها أعلاه، وقد ناديت أكثر من مرة بأن تحول الكويت اصولها الخارجية الى استثمارات محلية لتنويع هياكل دخلها وخلق المزيد من الوظائف للداخلين الجدد من المواطنين الى سوق العمل.

الدولة الرابعة من حيث الترتيب والأهمية هي قطر والتي تبلغ قيمة أصول صندوق الثروة السيادي لها 65 مليار دولارا، ومرة أخرى لدي شك كبير في تقديرات أصول صندوق الثروة السيادي القطري، إذ أميل إلى الاعتقاد بأن القيمة الحقيقية لأصول هذا الصندوق تتجاوز ما هو معلن بكثير، حيث أن المؤشرات التي تحت يدي تجعلني أميل إلى الاعتقاد بأن حجم الأصول الحقيقي الذي تملكه قطر ربما يكون أعلى من تلك التقديرات، ولذلك أتوقع في المراجعة القادمة لتقديرات صناديق الثروة السيادية في العالم أن يشهد صندوق الثروة السيادي القطري قفزة في حجم الأصول به، كما أتوقع ان يكون معدل نمو اصول صندوق الثروة السيادي القطري الأعلى بين صناديق الثروة السيادية الخليجية.

باقي الدول الخليجية (البحرين وعمان) تحتفظ بقدر متواضع من الأصول الخارجية في صناديق الثروة السيادية الخاصة بها، كما هو موضح في الجدول، والسبب طبعا معروف وهو انخفاض حجم الفوائض التي تحققها هاتين الدولتين، قياسا الى مستويات الانفاق العام بهما.
سوف اتابع تطورات صناديق الثروة الخليجية كلما يصدر المعهد الدولي لصناديق الثروة السيادية تحديثا لتقديراته حول اصول تلك الصناديق إن شاء الله.

هناك تعليقان (٢):

  1. يعطيك العافيه دكتور,بإعتقادي لو تم تحويل جزء من أموال الصناديق داخل الكويت سنرى فائدة هذه الصناديق بشكل ملموس ,صقر البرازي

    ردحذف
  2. نعم صقر
    هذا ما أطالب به مرارا وتكرار

    ردحذف