الثلاثاء، أغسطس ٢٤، ٢٠١٠

التنين الصيني والفيل الهندي سادة الماضي، سادة المستقبل؟

الصين والهند هما عمالقة هذا العالم على مر عصوره، وهما بلاد الجمال والأساطير الغنية بعبق سحر الشرق وروعته. عبر معظم فترات التاريخ الإنساني كانت كل من الصين والهند أعظم دول العالم سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية. خلال القرنين الماضيين فقط تراجعت الأهمية النسبية لهذين العملاقين لصالح اقتصاديات أوروبا واليابان.

الأسبوع الماضي نشرت الاكونوميست مقارنة مثيرة عبر الشكل البياني التالي الذي يلخص تاريخ الناتج المحلي الإجمالي في العالم خلال الألفي عاما الماضية. الشكل يقوم على حسابات الناتج المحلي الإجمالي باستخدام تعادل القوة الشرائية Purchasing Power Parity، والتي قام بها الاقتصادي البريطاني الشهير Angus Maddison المتخصص في اقتصاديات الشرق. ماديسون توفي هذا العام بعد أن خلف أعمالا اقتصادية هامة عن التاريخ الاقتصادي في دول آسيا، وخصوصا في الصين ( للمهتمين يمكن تنزيل نسخة من كتب أنغس ماديسون وأعماله وكذلك السلاسل الزمنية للبيانات التي قدرها مجانا من خلال صفحته على الانترنتhttp://www.ggdc.net/maddison ).

الشكل يعقد مقارنة بين أكبر ثماني اقتصاديات في العالم وهي اقتصاديات الصين والهند واليابان والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وايطاليا وبريطانيا عبر مدى زمني يمتد لأكثر من ألفي عاما مضت.

وفقا لتقديرات ماديسون فانه قبل حوالي 2000 عاما (أي عند العامود الأول في السنة رقم 1) كان الاقتصاد الهندي (اللون الوردي الغامق) أكبر اقتصاد في العالم يليه الاقتصاد الصيني (اللون البني)، بينما لم يكن هناك اقتصاد آخر ذو أهمية تذكر في ذلك الوقت في العالم سوى ايطاليا.

على مدى ألف عام استمر الاقتصاد الهندي يحتل مركز أكبر اقتصاديات العالم من حيث الحجم يليه الاقتصاد الصيني، وكان الناتج المحلي الإجمالي في العالم مركز في هاتين الدولتين منذ حوالي ألف عام من الآن تقريبا (أي عند العامود الثاني في السنة 1000).


مند حوالي 500 عام من الآن تقريبا بدأت تظهر على السطح بعض القوى الاقتصادية في العالم وهي اليابان وفرنسا وألمانيا وايطاليا، بينما لم يكن لبريطانيا أي دور تقريبا. ومع ذلك استمر الاقتصاد الصيني والهندي يسيطران على حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وان كانت الصين قد أخذت في التطور بعض الشيء بالنسبة لحجم الناتج (العامود رقم 3 عند السنة 1500).




منذ حوالي 400 عاما من الآن كان الاقتصاد الصيني هو أعظم اقتصاديات العالم من حيث الحجم يليه الاقتصاد الهندي، وظل الوضع كذلك حتى مائتي عاما من الآن تقريبا. ومنذ ذلك الوقت وعندما بدأت الحركات الاستعمارية من قبل دول أوروبا في التكثف عبر دول العالم أخذت الخريطة الاقتصادية للعالم في التشكل على نحو مغاير لما كان عليه الوضع في العالم، حيث كانت الصين والهند تهيمنان على الاقتصاد العالمي، وبدأت تظهر على السطح قوى اقتصادية لم تكن تشكل وزنا هاما في العالم فيما سبق، مثل الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وألمانيا وفرنسا. ونتيجة لهذا التحول أخذ وضع الصين والهند يتراجع عالميا، حتى عادت الهند والصين مرة أخرى كدولتين ناشئتين.

عبر العقود القليلة الماضية حدث نمو هائل في الناتج المحلي الإجمالي للصين ومن خلال معدل نمو حقيقي مكون من رقمين سنويا، استطاعت الصين هذا العام أن تزيح اليابان من مركزها كثاني أكبر اقتصاد في العالم، لتصبح الصين ومن حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي الاقتصاد الثاني في العالم بعد الولايات المتحدة. الهند تحقق اليوم أيضا معدلات نمو استثنائية، أعتقد بأنها سوف تمكنها من أن تضع نفسها على رأس قائمة اكبر اقتصاديات العالم من حيث الناتج.

أعتقد أنه اليوم تهيأت كل السبل للصين والهند لكي تستعيدا مكانتهما التي فقداها لصالح اقتصاديات الغرب واليابان خلال المائتي عاما الماضية، لتصبحان بالفعل أكبر اقتصاديات العالم من حيث الحجم، فهل فعلا سيتحول التنين الصيني والفيل الهندي إلى سادة العالم اقتصاديا مثلما كانوا كذلك عبر آلاف السنين، الإجابة على هذا السؤال سوف يحملها لنا المستقبل، والمستقبل في علم الله سبحانه وتعالى.

على الرغم من المجهود الضخم الذي بذل في إعداد هذه التقديرات، فإنني أشك في مدى دقة وصحة مثل هذه التقديرات، لأنها على أفضل الفروض قائمة على سيناريوهات ظنية لا تستند إلى أي بيانات أو إحصاءات واقعية. من ناحية أخرى فان الشكل يهمل قوى في العالم كانت مؤثرة وتولد ثروة هائلة مثل الدولة الإسلامية التي امتدت عبر ثلاثة قارات وكانت أعظم قوة في العالم في وقت ما. كعادتهم يلغي الاقتصاديون الغربيون الحضارة الإسلامية ودولة الإسلام من التاريخ الاقتصادي للعالم، وعندما تقرأ في التاريخ الاقتصادي تجدهم يتحدثون عن كافة مناطق العالم إلا الدولة الإسلامية، وكأنها لم تك موجودة أو مرت على هذا العالم، ولذلك لا ترى أي أشارة لا من قريب ولا من بعيد لها أو لوجودها أو كيانها.

أنا متأكد انه لو كان ماديسون حيا وسألته نفس السؤال لماذا لم تشر إلى الدولة الإسلامية، من المؤكد أنه كان سيرد ردا دبلوماسيا بأنه لم يتمكن من ذلك لأنه لا توجد لديه أية بيانات يستطيع ان يبني عليها توقعاته حول مستويات الناتج المحلي الإجمالي وتوزيعها عبر دول العالم في هذه الفترة. الأمر المثير للغرابة أن ماديسون يتمكن من تقدير الناتج المحلي للصين والهند ودول لم يكن لها شبه وجود تقريبا مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، بينما لا يتمكن من القيام بذلك لدول كانت قوى عظمى في العالم مثل تركيا، والتي ليس هناك حتى مجرد ذكر لاسمها. على الرغم من عظم الأعمال التي قام ويقوم بها اقتصاديو الغرب، إلا أنهم لا يستطيعون أن يتوافقوا مع نزاهتهم العلمية عندما يتعلق الأمر بالحضارة الإسلامية أو بدولة الإسلام.

هناك تعليقان (٢):

  1. حقيقة دكتور كيف تمكن ماديسون من حساب الناتج المحلي لقرون قديمة ! بل و أمريكا؟

    لابد و إنه إستند على شيء و إلا لكان كلامه تخمينات لا ترتقي للقيمة العلمية التي تؤلها للنشر في الأكونيميست.

    ردحذف
  2. شكرا مساعد،
    سأعود اليك عندما اراجع كتاب ماديسون
    تحياتي

    ردحذف