الخميس، مارس ٢٤، ٢٠١١

البعد الآخر للنمو الصيني

استطاعت الصين أن تخترق الاسواق العالمية اعتمادا على عنصر مهم جدا في تنافسيتها الدولية وهو الأسعار المنخفضة، والتي طالما نظر اليها على أنها احد اسباب ارتفاع مستويات معيشة الفقراء في العالم والذين اصبح لديهم وصول، بفضل الاسعار الصينية الرخيصة، للكثير من السلع المعمرة التي لم يكن لديهم من سبيل الى الوصول اليها عندما كانت تصنع في اليابان أو غيرها من الدول الغربية، واصبحت عبارة صنع في الصين تعني جودة وسعر في ذات الوقت. الأسعار الرخيصة كانت أحد المكونات الاساسية لسياسة الصين في التصدير والتي تستند الى نموذج الصادرات كقائد للنمو. غير أن ثمار النمو الهائل الذي حققته الصين لم تصل الى الفرد العادي بسبب السياسات الحكومية والتدخل الحكومي المكثف في ادارة دفة الاقتصاد، لدرجة أن الارتفاع في مستوى معيشة الفرد الصيني كان محدودا للغاية ولا يتماشى مع هذا النمو الاستثنائي الذي حققته.

فعلى الرغم من ان الاقتصاد الصيني يعد ثاني اكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، الا أن متوسط نصيب الفرد من الناتج يقع في المركز 99 من بين 183 دولة، ومن المعلوم ان متوسط نصيب الفرد من الناتج كمؤشر يعاني من الكثير من العيوب باعتباره متوسط، ولذلك اذا ما نظرنا الى مستويات الاجور سوف نجد ان مستوى الاجر للفرد الصين يحتل المركز 158 عالميا من بين 183 دولة، وهو ما يضع الفرد الصيني في ذيل قائمة دول العالم من حيث مستويات الأجور.

هذه الفجوة الواضحة بين متوسط نصيب الفرد من الناتج ومستوى الاجر تعكس الحقيقة التي أشرنا اليها وهي أن النمو الاقتصادي الكبير لم ينعكس في مستوى معيشة ورفاهية الفرد الصيني. حيث يفترض أن هناك ارتباط بين مستوى الاجر ومتوسط نصيب الفرد من الدخل، غير أن هذه الفجوة الواضحة بين هذين المؤشرين في الصين يعكس فجوة كبيرة في توزيع الدخل داخل الصين، حيث تشير الاحصاءات الى أنه وفقا لمعامل جيني لتوزيع الدخل تقع الصين في المرتبة 83 عالميا من بين 134 دولة، هذا فضلا عن الفوارق الواضحة في التنمية بين الاقاليم المختلفة في الصين. الدراسات التي أجريت على الصين تشير الى أن متوسط أجر العامل في القطاع المدني يبلغ تقريبا 6 اضعاف الحد الأدنى للأجر، بينما يبلغ المعدل العالمي الضعف، وهو ما يشير الى وجود فوارق هائلة في مستويات الاجور.

اليوم تتصاعد الضغوط التضخمية في الصين على نحو واضح وهناك مقترحات للحكومة بان تضاعف الحد الأدنى للأجر لسد الفجوة بين متوسط نصيب الفرد من الناتج ومستوى الاجور، ومن الناحية التقليدية مثل انخفاض الاجور في الصين عنصر الجذب الاساسي للاستثمارات الاجنبية المباشرة، على سبيل المثال تمثل تكلفة الاجور حوالي 50% من التكلفة في المتوسط في القطاع الصناعي، بينما في الصين تمثل 40% فقط، مما يجعل الصين عنصر جذب واضح لهذه الاستثمارات. مقترحات رفع مستويات الاجور سوف تقلل الفارق في متوسط تكلفة عنصر العمل بين الصين وباقي الدول العالم، وتفقد الصين جانبا من الميزة الاساسية التي تتمتع بها حاليا، حيث ستجعل من الصين مركزا غير جذاب للقيام بالأعمال، مقارنة بالدول المنافسة لها.

اليوم هناك تحولات في السياسة الصينية التي تهدف الى التحول من نموذج الصادرات التي تدفع النمو الى التركيز بصورة اكبر على الاستهلاك المحلي، وكذلك تحويل سلسلة القيمة في القطاع الصناعي نحو مجموعات المنتجات التي تركز على التكنولوجيا وليس على عنصر العمل رخيص الاجر. في مقال له حول الموضوع أوضح ستيفنسن ديكنسون أن مضمون هذا التحول سوف يكون في حدوث ارتفاع كبير في مستويات اجور العمال الصينين وهو ما يمكن ان يمحو الميزة التنافسية التي طالما تمتعت بها الصين في عنصر التكلفة بقطاعها الصناعي.





هناك تعليق واحد: