نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الجمعة 27/4/2012
في أوائل هذا الشهر أعلنت الصين أنها سوف تسمح بتوسيع نطاق التذبذب
بين عملتها الرينمنبي (عملة الشعب) والدولار الأمريكي، إلى 1%. بالنسبة للذين
يقرأون هذا الخبر لأول مرة، فإن هذا
القرار يعني ببساطة مضاعفة نطاق تذبذب الرينمنبي بالنسبة للدولار الأمريكي، والذي
كان محددا عند نطاق 0.5% منذ مايو 2007 حتى هذا الشهر، وبناء على ذلك فإن معدل
الصرف الجديد لليوان سوف يتحدد استنادا إلى معدل صرف مركزي مع السماح بارتفاع او
انخفاض يومي بحد أقصى 1% ارتفاعا وانخفاضا.
بعض المراقبين ينظر إلى هذا الإصلاح في سياسات معدل صرف الرينمنبي
بأنه حلقة في سلسلة من الإصلاحات التي تهدف إلى تحويل الرينمنبي إلى منافس عالمي
للدولار الأمريكي كعملة احتياط دولية، وهذا بالطبع لا بد وان يتطلب تحرير الإتجار
في العملة بصورة تدريجية، حتى يتم تداولها بصورة أكثر حرية. من الإجراءات الهامة
التي اتخذتها الصين مؤخرا أيضا هو السماح للشركات في كل أنحاء الصين بأن تدفع قيمة
وارداتها وصادراتها بالرينمنبي، وذلك لرفع مستوى التعامل بالعملة الصينية في تمويل
المعاملات التجارية الدولية، كذلك ينظر إلى خطوة إصلاح نظام معدل الصرف على أنه
يمثل مقدمة أساسية لتعزيز وضع شنغهاي كمركز مالي عالمي، حيث تنوي الصين تحويل
المدينة إلى مركز مصرفي على مستوى العالم في 2020.
بالتأكيد فإن تحول الصين إلى مركز مالي دولي يقتضي ضرورة القيام بإصلاحات
جوهرية في قابلية العملة الصينية للتحويل وتحرير كل من الحساب الجاري وحساب رأس
المال في الصين، وذلك من خلال تحرير نظام تسوية المدفوعات التجارية الحالي وزيادة
درجة استقلالية الشركات في استخدام النقد الأجنبي بكافة أشكاله في سوق النقد
الأجنبي لتوسيع نطاق معاملاتها الخارجية، وتحرير حساب رأس المال لتحرير تدفقات
الاستثمار من والى الصين وهو ما سوف يساعد بصورة أكبر على جذب الصين للمزيد من
التدفقات الرأسمالية وزيادة أهمية القطاع المالي فيها.
لفترة طويلة من الزمن فإن العالم الغربي، بصفة خاصة الولايات المتحدة،
ينظر إلى الرينمنبي على أنه عملة تتحدد قيمتها بصورة تحكمية من جانب البنك المركزي
الصيني الذي يصر على تقييم عملته بأقل من قيمتها الحقيقية بصورة كبيرة Undervaluation لتحقيق أهداف تجارية. وعندما أعلن البنك
المركزي الصيني توسيع نطاق تذبذب معدل الصرف فإن الكثير من المراقبين نظروا إلى
الخطوة على أنها تطور هام نحو تحرير الرينمنبي، بينما يرى البعض الآخر أنها، وعلى
الرغم من أهميتها، ليست كافية في نظر شركاء الصين في التجارة في المعسكر الغربي
والذين لن يرضيهم سوى أن يتم رفع نطاق التذبذب والتحرير الكامل لمعدل صرف
الرينمنبي الصيني بحث يعكس قوى الطلب والعرض الدوليين عليه، وبما أن هذا التحرك
ليس متوقعا في الأجلين القصير أو حتى المتوسط، فإن المطالبات الحالية تدور حول
توسيع نطاق التذبذب بما يسمح برفع قيمة الرينمنبي لكي يخفف من الفوارق في القدرات
التنافسية المكتسبة للصين نتيجة انخفاض قيمة عملتها المتعمد.
لطالما أعلنت السلطات الصينية وفي أكثر من موضع بأنها سوف تقوم بإصلاح
نظام الصرف لعملتها ولكن على أساس تدريجي وعندما يحين التوقيت المناسب لذلك، ولكن
البطء الشديد من جانب الصين في تنفيذ هذه التعهدات جعل العالم لا يصدق صانع السياسة الصيني. على سبيل
المثال، على الرغم من أن نطاق التذبذب بين الرينمنبي والدولار قبل التعديل الأخير كان
ضيقا للغاية وفي حدود نصف في المائة فقط كما سبقت الإشارة، فإن الصين لم تسمح
لمعدل الصرف بالتذبذب داخل هذا النطاق الضيق، ولذلك فإن بعض المراقبين يرون أن
توسيع نطاق التذبذب قد لا يعني شيئا أو تحولا جوهريا في السياسات الصينية، باعتبار
أن الصين قد لا تسمح لليوان بالتذبذب داخل هذا النطاق الأوسع نسبيا، وحتى لو تم
السماح بالفعل بتذبذب الرينمنبي في اطار هذا النطاق، فإن نطاق تذبذب في حدود 1% لا
ينظر إليه على الإطلاق على أنه يمثل حالة عملة حرة، وإنما غالبا ما ينظر إلى أي
عملة يتحدد معدل صرفها داخل هذا النطاق على أنها عملة ثابتة، مثلما كان متبعا وفقا
لنظام بريتون وودز الذي اطلق عليه نظام معدلات الصرف الثابتة، والذي كان يسمح أيضا
بنطاق تذبذب لعملات العالم في مقابل الدولار بـ 1% فقط ارتفاعا وانخفاضا.
لقد تم تعديل نطاق التذبذب في 2007 من 0.3% إلى 0.5%، ثم بعد خمس
سنوات تقريبا تم رفع نطاق التذبذب بنصف في المائة فقط، الصين تستند إلى أن هذه
التعديلات تؤكد عزمها على إصلاح سياسات معدل الصرف ولكن على نحو تدريجي. غير أنه
على الرغم من أن هناك تعديلا تدريجيا في نظام معدل صرف الرينمنبي، إلا أنه يسير بسرعة
أقل مئات المرات من سرعة السلحفاة، وأن من يتابع التطورات التي تجريها الصين في
معدل صرف عملتها يصل إلى خلاصة أن الصين تضحك على العالم. بل إن بعض المراقبين
يرون أن الخطوة الصينية اتخذت أساسا لأهداف سياسية وليس لأغراض اقتصادية وأن توسيع
نطاق التذبذب لا يعكس أي اتجاه لارتفاع قيمة الرينمنبي في المستقبل القريب، لأن
السلطات الصينية ببساطة لن تسمح لعملتها بأن ترتفع في مقابل الدولار، وهي تملك الاحتياطيات
المناسبة التي تسمح لها بالدفاع عن المعدلات المستهدفة لعملتها بأي ثمن.
مع ذلك فإن الخطوة الصينية بلا شك سوف تقلل من الاحتقان الحالي في
الولايات المتحدة وتخفف من نبرة الانتقاد لسياسات معدل الصرف الصينية في الكونجرس والموجهة
للإدارة الأمريكية بسماحها للصين بأن تخفض قيمة عملتها بدون مواجهة هذه السياسات باتخاذ
إجراءات انتقامية. تنبغي الإشارة إلى أنه وعلى الرغم من تهديد وزارة الخزانة الأمريكية
عدة مرات باتهام الصين رسميا كدولة تتلاعب بعملتها في تقرير تقييم سوق النقد الأجنبي
الذي تصدره بصورة دورية، إلا أن هذه التقارير غالبا ما تصدر وتتحاشى اتهام الصين
بهذه التهمة، لأنه اذا حدث ذلك سوف يكون لزاما على الإدارة الأمريكية الدخول في إجراءات
انتقامية ضد الصين وهو ما تحاول الولايات المتحدة تجنبه حاليا، بل إنه تم تأجيل إصدار
تقرير هذا العام المفترض أن يصدر في إبريل، ربما لتفادي إقرار اتهام الصين
بالتلاعب في عملتها وتقييم الخطوة التي اتخذتها الصين مؤخرا بتوسيع نطاق تذبذب
معدل صرف عملتها.
وجهة
النظر الصينية مختلفة بصورة جوهرية، فعلى الرغم من أن العالم أجمع ينظر إلى
الرينمنبي على أنه عملة مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية، فإن الصين ترى أن العملة
الصينية تقترب من مستواها التوازني حاليا، وأن الاقتصاد الصيني أصبح الآن في وضع
يمكنه من إدخال إصلاحات هيكلية على نظام معدل الصرف الصيني، وأن الرينمنبي سوف
يكون عملة قابلة للتحويل في 2015. غير أنه يقال بأن الصين اختارت هذا التوقيت لإجراء
هذا الإصلاح الجزئي باعتبار أنه ليس من المتوقع في ظل الظروف الحالية التي يواجهها
الاقتصاد الصيني أن يترتب على عملية التحرير ارتفاع كبير في قيمة الرينمنبي. فالصين
بهذا القرار بتضييق نطاق التذبذب ما زالت تهدف إلى تجنب التقلبات الحادة لليوان
على الصادرات الصينية التي يمكن أن تضر المصدرين والذين يواجهون حاليا ارتفاع
مستويات تكاليفهم بسبب التضخم الحالي. بل إن بعض المراقبين يعتقد أن الخطوة
الصينية ليست بريئة تماما كما تدعي الصين، وان التحرير من الناحية الفعلية سوف
يترتب عليه مزيد من تخفيض قيمة الرينمنبي وليس رفعا لقيمته نظرا للمتاعب
الاقتصادية التي تواجهها الصين حاليا، ومن ثم فإن الهدف من التحرير يستهدف تشجيع
الصادرات بصورة أكبر في فترة المتاعب الاقتصادية الحالية. فمعدلات النمو الحالية
للاقتصاد الصيني في أدنى مستوياتها منذ انطلاق الأزمة المالية العالمية، حيث سجل
الاقتصاد في أوائل هذا العام نموا بمعدل 8.1% وهو اقل من المستوى الذي كان متوقعا
والذي يصل إلى 8.3%.
الخلاصة هي أن الخطوة الصينية تمثل تطورا هاما في سياسات تحديد معدلات
الصرف الصينية، غير أنها لا تعني تحرير معدل صرف الرينمنبي، وفي رأيي أنه مازال
هناك الكثير من الوقت حتى نرى الرينمنبي عملة حرة قابلة للتحويل، وهذا بالتأكيد لن
يتم في 2015 كما تعلن السلطات حاليا، فالإصلاح في مجال معدل الصرف الصيني بطيء جدا
إلى الحد الذي يؤكد أنه ما زال أمام الصين وقت طويل حتى نرى التحرير التام للرينمنبي
أمرا واقعا.