الأربعاء، أبريل ٠٤، ٢٠١٢

جدل حول الذهب (3): هل يوفر الذهب حماية ضد التضخم؟


نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الثلاثاء 3/4/2012
في الحلقة السابقة من هذه السلسلة تناولنا مفهوم وشروط فقاعة أسعار الأصول، وتوصلنا إلى أن الكتابات في هذا المجال تتفق على أن الأصل الاستثماري يعاني من فقاعة سعرية عندما ينحرف السعر السوقي للأصل عن العوائد المتوقعة لهذا الأصل، حيث لا تعكس أسعار الأصل تدفقات العوائد النقدية المتوقعة منه. ولكن هل ينطبق هذا التعريف على حالة الذهب؟ سبق أن ذكرنا أن الذهب كأصل استثماري يعد أصلا عقيما لا يولد أية عوائد استثمارية، ومن ثم لا ينطبق هذا المفهوم على الذهب.


كيف إذن نتعرف على أن الذهب يعاني بالفعل من فقاعة سعرية. دعونا نعود مرة أخرى إلى الدعوات التي يستند اليها في الاستثمار في الذهب. المضاربون في الذهب يركزون على أن الذهب يوفر حماية من التضخم، حيث يحفظ القوة الشرائية للثروة، ووفقا لهذه الحجة يفترض أن أسعار الذهب تجاري الاتجاهات التضخمية مما يجعل الأصل يوفر حماية ضد التضخم، وعلى ذلك يفترض أن أسعار الذهب بعملة ما (الدولار الأمريكي مثلا) تجاري التطورات في المستوى العام للأسعار بهذه العملة، ومن ثم فطالما كانت أسعار الذهب تجاري التطورات الحادثة في المستوى العام للأسعار فإن الذهب لا يعني من فقاعة سعرية، أما اذا انحرف سعر الذهب بصورة واضحة عن تطورات المستوى العام للأسعار فإن الذهب سيعاني من فقاعة سعرية في هذه الحالة.
للتعرف على اتجاهات أسعار الذهب بالدولار (متوسط السعر خلال السنة) بالنسبة للمستوى العام للأسعار الأمريكي، فإن الشكل رقم (1) يوضح تطورات أسعار الذهب مقارنة بالمستوى العام للأسعار في الولايات المتحدة خلال الفترة من 1900 حتى 2011. لاحظ من الشكل انحراف الذهب عن المستوى العام للأسعار بصورة واضحة خلال الفترة من 1978 إلى 1980، الأمر الذي أدى إلى تكون فقاعة الذهب الأولى في عام 1980، حيث  بلغ سعر أوقية الذهب أعلى مستوياته في ذلك الوقت وهو 800 دولارا، وذلك في أعقاب ارتفاع أسعار النفط الخام إلى مستويات غير مسبوقة نتيجة للثورة الإيرانية والحرب بين العراق وإيران. غير أن فقاعة الذهب انفجرت في ذات العام وعاد الذهب لينخفض إلى أقل من نصف مستوياته لاحقا في عام 1982. 


كذلك فإنه بدءا من عام 2002، أخذت أسعار الذهب في الانحراف مرة أخرى عن تطورات المستوى العام للأسعار، بصورة أكثر من أي وقت مضى. غير أن الشكل يوضح أن كل ارتفاع غير طبيعي في سعر الذهب لا بد وان يليه تصحيحا يجذب هذا السعر إلى سعر الاتجاه العام، ولكن الشكل يوضح بجلاء حقيقة هامة يؤكد عليها المضاربون في الذهب اليوم، وهي أنه إذا كان السعر الحالي للذهب يمثل سعرا غير طبيعي له، فلماذا لم يحدث التصحيح الذي يعيد الذهب إلى مستوياته الطبيعية؟ بالطبع هذا سؤال جيد، ولكنه لا يخلو إما من سوء فهم أو سذاجة في التحليل. ما يردده كافة المتعاملين في الذهب أنه لا يوجد شيء اسمه الفقاعة السعرية للذهب، وأن أسعار الذهب ترتفع لتبقى مرتفعة إلى الأبد، فالذهب هو الملجأ الأمثل في مواجهة التضخم، وأن الطلب على الذهب سوف يستمر في الارتفاع في المستقبل.


غير أن استمرار انحراف اتجاه أسعار الذهب عن المستوى العام للأسعار لفترة أطول هذه المرة، كما هو معلوم، يرجع لعدة عوامل أهمها استمرار عوامل عدم التأكد في الاقتصاد العالمي منذ هجمات سبتمبر 2001، والتي تبعتها أزمة سوق المساكن في الولايات المتحدة التي تحولت إلى أزمة مالية عالمية ومن ثم غلى أزمة في الاقتصاد الحقيقي حيث انتشر الكساد في معظم أنحاء الاقتصاد العالمي, واستجابة للأزمة انتهجت البنوك المركزي لدول العالم سياسات مالية ونقدية توسعية، انتهت بأزمة ديون سيادية، ثم أزمة تراجع في النمو حاليا، وهكذا ينتقل الاقتصاد العالمي من أزمة إلى أخرى.

والآن دعونا نتناول الحجة الأساسية للطلب على الذهب كأصل استثماري، وهي أن الأصل يوفر حماية ضد التضخم، بمعنى آخر فإن تغيرات أسعار المعدن تتماشى مع التغيرات في معدل التضخم لتوفر حماية للمستثمرين في الذهب، للتأكد من مدى صدق هذه الحجة دعونا نعقد مقارنة مرة أخرى بين تطورات سعر الذهب بالدولار الأمريكي وتطورات معدل التضخم في الولايات المتحدة. الشكل رقم (2) يعقد مقارنة بين معدل تغير سعر الذهب ومعدل التضخم، لاحظ مرة أخرى من الشكل أن فقاعة الذهب الأولى صاحبها انحراف واضح بين معدل تعير سعر الذهب ومعدل التضخم، لاحظ أيضا أن الفترة الحالية تشهد هذه الظاهرة أيضا ولكن بصورة مستمرة، بمعنى آخر فإن معدل تغير سعر الذهب خلال العشر سنوات الأخيرة كان أعلى بشكل واضح من معدل التضخم، وعلى ذلك إذا كان الطلب على الذهب يتم لأغراض الحماية ضد التضخم، فإن الذهب بالفعل يعاني من فقاعة سعرية.


غير أن أهم ما يمكن اكتشافه من الشكل هو أنه خلال معظم الفترة الماضية كان معدل تغير سعر الذهب أقل من معدل التضخم بشكل عام، وهو ما يفند الادعاء بأن الذهب يوفر بالفعل حماية ضد التضخم. ذلك أن الذهب كأصل استثماري، كما هو واضح من الشكل، لا يوفر حماية كاملة ضد التضخم، وأن استمرار ارتفاع أسعار الذهب عن معدل التضخم خلال العقد الماضي هو نتيجة للظروف غير العادية التي يمر بها العالم وكذلك لطبيعة التحولات التي تحدث حاليا في السوق العالمي للذهب، ولكن ما هي طبيعة التحولات التي تحدث حاليا في سوق الذهب، هذا ما سوف نتناوله في الأجزاء المتبقية من هذه السلسلة إن أحيانا الله.

ملحوظة: قامت فاطمة الزهراء محمد السقا بجمع البيانات المستخدمة في هذا المقال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق