نشر في صحيفة الكويتية بتاريخ الأحد 22/4/2012
- كيف تفسر ضغط زيادة الرواتب على الباب الأول في الميزانية؟
من الواضح أن زيادة الرواتب تسير بشكل عشوائي وغير منظم ولا يستند إلى
معايير علمية، سواء في تحديد دورية الزيادات المقترحة في الرواتب أو في مقدار
الزيادة المقترحة ومدى معقوليتها أو تناسبها مع طبيعة الوظيفة التي يؤديها العامل
أو صاحب الكادر، وهو الأمر الذي ترتب عليه وجود فوارق كبيرة في الرواتب بين بعض
شرائح العاملين في الدولة، الأمر الذي ينظر إليه على أنه نوع من عدم العدالة في
تقدير التعويضات.
- ترتب على الزيادات المستمرة المطالبة بالمساواة.
- الإشكالية تكمن في أن هناك بعض الجهات زادت رواتبها بشكل مبالغ فيه، الأمر الذي دفع البعض للمطالبة بالمساواة مع تلك الجهات، وذلك لتساوي المؤهل وسنوات الخبرة، وفي إعقتادي أن طلب المساواة سيتصاعد بين مختلف الفئات الوظيفية في الدولة، آخذا في الاعتبار الزيادات الكبيرة التي تم اقرارها لبعض الفئات.
- هل كان غياب آلية واضحة لزيادة الرواتب وراء تفجر الوضع؟
نعم، فعدم وجود آلية واضحة لزيادة الرواتب هو الذي أدى إلى هذه الفوارق غير المبررة بين مختلف فئات العاملين في الدولة، وسوف تشكل هذه الفروق مصدرا مستمرا للمطالبات بالمساواة بين العاملين في الدولة واضعين نصب أعينهم أكبر مستوى للرواتب تم إقراره.
-هل يمكن قياس زيادات الرواتب على الميزانية العامة للدولة؟
-نعم، سوف يترتب على المطالبات المستمرة بالمساواة في الرواتب إلى تكاليف باهظة ستضغط بشدة على الميزانية العامة. ومما لا شك فيه أن الباب الأول مرشح لأن يكون صداع الميزانية الأول في المستقبل، نظرا لتزايد الاعتمادات في هذا الباب بصورة كبيرة نتيجة لزيادات الرواتب من جهة وعمليات التعيينات الجديدة من جهة أخرى، والتي أصبحت تتم الآن على أساس مكلف للغاية للدولة، وبمرتبات لا تعكس بأي حال من الأحوال لا تكلفة المعيشة ولا مستويات إنتاجية العامل.
- كيف تقرأ ارتفاع ميزانية الدولة في 2012 /2013 إلى 22 مليار دينار بزيادة 13 بالمئة عن العام السابق؟
- سبق أن حذرنا مرات عديدة من ارتفاع وتيرة الإنفاق العام للدولة، وضرورة العمل بجدية على الحد من الزيادة في الإنفاق العام للسيطرة على النمو في الميزانية العامة للدولة، والتي أصبح من الواضح أنها تنمو الآن بمعدلات تفوق معدلات النمو الحقيقي للاقتصاد، الأمر الذي قد يوقع المالية العامة للدولة في مشكلة خطيرة في المستقبل، إذا ما حدث تراجع في أسعار النفط.
- ما هو سعر النفط المطلوب لتوازن الميزانية؟
- لقد ترتب على تصاعد حجم الميزانية عاما بعد الآخر أن سعر النفط اللازم لتوازن الميزانية آخذ في التزايد على نحو مقلق، لدرجة أنه ربما يصبح من الصعب في المستقبل أن نتأكد من حتمية تحققه في السوق العالمي للنفط الخام، وهو ما يعني أن الميزانية قد تتعرض لتحقيق عجز حاد اذا ما تراجع سعر النفط الخام بصورة جوهرية.
- البعض يرى في مشروع الميزانية جوانب مضيئة وأخرى «مثيرة» للقلق.
- نعم، فميزانية الدولة للعام المالي 2012/ 2013 تحمل في طياتها جوانب مثيرة للقلق وجوانب أيضا مضيئة، فمن أهم الجوانب المثيرة للقلق هو المستوى الذي بلغه الإنفاق على الباب الأول (الأجور) والذي رصد له 4.7 مليارات دينار لهذه السنة المالية، وينبغي التنويه إلى أن هذه الاعتمادات لم تشمل الزيادات الأخيرة التي تم اقرارها في اجور العاملين في الدولة والتي بلغت 25 بالمئة، والتي تقدر تكلفتها بما يفوق 700 مليون دينار، الأمر الذي يعني أن الحساب الختامي لهذه السنة المالية سوف ينتهى بميزانية تقدر بحوالي 5.5 مليارات دينار لمصروفات الباب الأول فقط، بهذا الشكل يتجه الباب الأول إلى أن يكون أعلى أبواب الميزانية على الإطلاق متجاوزا الباب الخامس لأول مرة.
- وماذا عن الجانب المضيء؟
- قبل أن انتقل إلى الجانب المضيء، أود القول إن بنود الدعم في الميزانية تميل أيضا نحو التزايد على نحو مثير للقلق، حيث يقدر الدعم في السنة المالية الحالية بحوالي 6.3 مليارات دينار، معنى ذلك أن الرواتب والدعم يستهلكان أكثر من نصف الميزانية العامة للدولة وهو أمر خطير.
- ولكن ما نعرفه عالميا أن زيادة الرواتب ترتبط عكسيا مع الدعم.
- بالتأكيد، فمع الإشارة إلى أنه من المفترض مع زيادة اعتمادات الرواتب ان تقل مخصصات الدعم لا أن تتزايد، وهو ما يعكس حقيقة أن الحكومة ترفع رواتب موظفيها بشكل مباشر في صورة زيادات الرواتب، وبشكل غير مباشر في صورة زيادة اعتمادات الدعم.
- هل تقصد بالجانب المضيء رفع الإنفاق الرأسمالي؟
- نعم، هذا هو الجانب المضيء، فمن بين الجوانب المضيئة في مشروع الميزانية لهذا العام هي رصد اعتمادات تصل لأول مرة إلى حوالي 3 مليارات دينار للباب الرابع والذي يشمل المشروعات الانشائية والصيانة، وهو الأمر الذي يعكس تنفيذ المزيد من مشروعات خطة التنمية ورفع مستويات البنى التحتية في الكويت، وهو الأمر الذي ينبغي أن يوجه أليه أقصى اهتمام لرفع درجة تنافسية الاقتصاد، وأتمنى أن يتم تنفيذ المشروعات المدرجة في هذا الباب وإنفاق هذه الاعتمادات لا أن ينتهى الوضع بنسبة تنفيذ منخفضة لها.
- هل تعتقد أن تحويل الكويت لمركز مالي وتجاري أمر خيالي؟
- للأسف الشديد، هناك حالة سوء فهم واسع لخطة التنمية وتوقعات غير منطقية لما يمكن أن يحدث نتيجة لتنفيذها، المتتبع لما يكتب على الساحة عن خطة التنمية يرى أن الكثير ينظر اليها على أنها الحل السحري السريع لمشكلات الكويت الهيكلية. ومن الناحية الواقعية عملية التنمية هي عملية شاقة وتستلزم جهدا ووقتا وموارد لكي تؤتي ثمارها على نحو واضح، فتنفيذ خطة للتنمية على نحو ناجح يستلزم الدفع بخطة ثانية وثالثة وهكذا حتى تتمكن الكويت من بناء رصيد مناسب من رأس المال الثابت وترتفع بمستويات بنيتها التحتية في المجالات المختلفة حتى يمكن ان تساعد خطط التنمية على رفع مستويات النمو في الكويت وتمهد لتسهيل عملية تنويع مصادر الدخل.
- هل هي حلقة إذن من سلسلة حلقات متصلة؟
- نعم، فالتنمية هي خطة متراكمة وسلسلة متصلة طويلة من الحلقات التي يجب أن تعمل الكويت على تنفيذها ورصد الأموال اللازمة لها قبل أن نرى صدى هذه الخطط بشكل ملموس في حياتنا. بالطبع في ظل هذه النظرة غير الواقعية لأثر خطة التنمية يصعب تسويقها، لأن الجميع ينتظر منها حلا سحريا لمشاكلنا الحالية اليوم وليس غدا، بينما عملية التنمية كما سبقت الإشارة هي عملية تأخذ وقتا من الجهد التنموي المستمر والمتتابع على نحو فعال.
- وهل ترى العمل الحكومي مشجعا للقيام بتلك المهمة بشكل «متناسق»؟
- في رأيي أن أهم ما تحتاجه الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط الآن بصفتها المعد الأساسي للخطة والمشرف على تنفيذها هو توفير أقصى مستويات الدعم لها والتعاون معها، ليس فقط في تسهيل مهمة تنفيذ خطة التنمية الحالية، وإنما أيضا لإتاحة المجال لإعداد الخطط القادمة وفقا لمستهدفات أكبر في كافة المجالات واستنادا إلى سيناريوهات مستقبلية أكثر طموحا، عندها ستسوق الخطة نفسها بنفسها بكل سهولة ويسر.
-زيادات الرواتب سترفع التضخم ومن ثم تتراجع قيمة الأجور.
- في اعتقادي أن مستويات الدخل في الكويت ليست متدنية أو معدلات التضخم مرتفعة في الكويت وهو ادعاء غير صحيح بالمرة، فمستويات الدخل الفردي في الكويت من أعلى مستويات الدخل في العالم، كما أن معدلات التضخم في الكويت تعد معقولة جدا بالنسبة إلى مستويات الدخول والإنفاق فيها أو حتى بالمقاييس الدولية، ولا بد من الاعتراف بأن مستويات المعيشة في الكويت مرتفعة جدا سواء بالمقاييس الدولية أو الإقليمية، ناهيك عن مستويات المعيشة في الدول التي هي في مرحلة النمو التي تعيشها الكويت.
-ولكن البعض يرى أن تلك مستويات المعيشة المرتفعة على المحك.
-نعم، فارتفاع مستويات المعيشة، وزيادة مستويات الدخل لكي يكون مستداما لا بد وان يستند إلى قطاع إنتاجي قوي ومتنوع، لا إلى مصدر أولي ناضب، فعلى الجميع أن يفهم أنه لا يوجد ضمانة من أي نوع لاستمرار مستويات الرفاهية التي يتمتع بها الجيل الحالي الآن في المستقبل، ما لم توجه موارد الدولة المالية بصفة أساسية نحو تنويع مصادر الدخل.
-هل تنويع مصادر الدخل بمفرده يعتبر حلاً لبقاء مستويات المعيشة مرتفعة؟
- لا أعتقد ذلك، فمطلوب بجانب ذلك تهيئة بيئة الأعمال بشكل أكثر فعالية لتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في كافة المجالات الانتاجية والخدمية التي تساعد على رفع مستويات النمو وتنوع مصادره وتقلل من حجم الحكومة في الدولة الذي اصبح كبيرا على نحو مقلق، ويتناقض مع المستهدفات الأساسية لخطة التنمية بجعل القطاع الخاص هو القطاع الرائد في الاقتصاد بصفة خاصة كمولد للناتج وكموظف لقوة العمل الوطنية، وليس بأن يتم هدر هذه الموارد في زيادات الرواتب والدعم الاستهلاكي.
- ما الآثار المترتبة على تراجع النفط دون 90 دولارا للبرميل؟
- لا بد من الاعتراف بأن المستويات الحالية للمالية العامة أصبحت غير مستدامة من جانب، وأكثر تعرضا لمخاطر تقلبات سعر النفط من جانب آخر، فعندما يتراجع سعر برميل النفط إلى مستويات اقل من المستوى اللازم لتوازن الميزانية، فإن الميزانية لا شك سوف تحقق عجزا، والمشكلة الأساسية هي أن تركيبة الإنفاق العام للدولة حاليا تجعل من الصعب التعامل مع هذا العجز من خلال تخفيض مستويات الإنفاق العام، ذلك أن الجانب الأعظم من الإنفاق العام حاليا يتم في صورة إنفاق عام جاري، ومن المعلوم أنه يصعب خفض الإنفاق العام الجاري في حالة مواجهة الدولة لمشكلة سيولة ناجمة عن تراجع الايرادات، لأنه بالتدقيق في طبيعة هذا الإنفاق الجاري سوف نجد أن الجانب الأكبر منه هو عبارة عن اعتمادات للمرتبات وللدعم، ومثل هذه المصادر للإنفاق لا يمكن تخفيضها دون التعرض لقلاقل سياسية في الداخل.
-ما الحل إذن في مواجهة هذا الموقف للمالية العامة للدولة؟
- الإجابة تكمن في ضرورة العمل وبجدية مناسبة هذه المرة على إصدار قانون للضرائب يمكن الدولة من تنويع مصادر إيراداتها ويخفف من اعتمادها شبه الأساسي على النفط، ويقترح أن يقتصر القانون في مراحله الأولى على اقرار ضرائب على الأرباح التجارية والصناعية، فمن غير المعقول أن تحقق المؤسسات التجارية المختلفة هذه المستويات من الأرباح مستفيدة من كافة أشكال الدعم التي تقدمها الدولة دون أن تتحمل نصيبها في تمويل الإنفاق العام للدولة.
-هل تقصد أنه آن الأوان لفرض ضرائب؟
-نعم، في اعتقادي أنه آن الأوان بأن تفرض الكويت ضرائب على قطاع الأعمال مثلما تفعل كل دول العالم قاطبة لكي تسيطر على المخاطر المحيطة بالمالية العامة فيها، من جانب، ولكي تشرك هذا القطاع في تحمل المسؤولية التي تتحملها قطاعات الأعمال في كافة دول العالم.
-هل بات الحديث عن تنوع مصادر الدخل مجرد «ذكرى»؟
-لا بالطبع، المجال ما زال مفتوحا وبقوة لتنويع مصادر دخلها، رؤيتي هي أن الكويت اليوم اكثر استعداد من أي وقت مضى لكي تباشر القيام بهذه المهمة مستفيدة من الرصيد الاستثنائي لاحتياطياتها بالنقد الأجنبي الذي تملكه الدولة في إطار صندوق الثروة السيادي، والذي ينبغي أن يوجه نحو الاستثمار في الداخل، وليس للاستثمار في الخارج كما تفعل الكويت حاليا، وذلك لبناء أساس متين لاقتصاد تتنوع فيه مصادر الناتج والدخل.
صناعة القرار
-أين تكمن مشكلة الكويت الاقتصادية؟
في اعتقادي أن المشكلة تكمن في بطء صناعة القرار على نحو استثنائي، وطول الدورة المستندية والمركزية الشديدة وغير المبررة في الوقت ذاته، وهي جميعها تقف عقبات كؤود أمام أي محاولات لتنويع مصادر الدخل في الدولة.
-كيف تقرأ المطالبة بإسقاط الفوائد مرة والقروض مرة وإسقاطهما معا مؤخرا؟
لقد أصبح الحديث في هذا الموضوع مرهقا وغير منطقي في الوقت ذاته، ومن الواضح ان البعض يصر على جر البلاد إلى مسلسل مكسيكي لا طائل من ورائه، سوف يؤدي إلى خسارة الدولة لقدر هائل من الموارد التي ستهدر في هذا الجانب إذا ما تم إقراره، فضلا عن أن عملية إسقاط القروض لن تحل المشكلة، فمن المؤكد أنه في اليوم التالي لعمليات إسقاط القروض سوف يسارع المقترضون إلى البنوك مرة أخرى لاقتراض المزيد لأنهم تعودوا على هذا النمط من الحياة من جانب واستعدادا للدورة القادمة من إسقاط القروض وهكذا.
-البعض يستند لغياب المشاريع للمطالبة بها.
إسقاط القروض أمر «غير منطقي» بالمرة، ويتنافى مع أبسط مفاهيم العدالة الاجتماعية، وكذلك مع مبادئ العدالة بين الأجيال، فما ذنب من لم يقترض، وكيف ستعوضه الدولة عن استخدام مالها العام لتحقيق مصلحة مجموعة، بينما لم يستفد هو بأي شكل من الأشكال من مثل هذه المقاربات.
-منطقية المطالبات تأتي على خلفية تضخم الإيرادات وغياب المشروعات.
- في اعتقادي هذه المطالبات غير منطقية بالمرة في الوقت الحالي، فلقد ارتفعت مستويات دخول الأفراد على نحو واضح بحيث انخفضت أعباء خدمة القروض على كاهل المقترضين بشكل لافت للنظر، كما تم اتخاذ العديد من القرارات للتخفيف من أعباء خدمة القروض، وأهمها ما قام به البنك المركزي من منع عملية تعديل معدلات الفائدة على القروض الشخصية سوى كل خمسة سنوات وبحد أقصى 2 بالمئة من معدل الفائدة الاتفاقي صعودا وهبوطا، الأمر الذي ساعد على تثبيت تكلفة خدمة القروض، وأخذا في الاعتبار تزايد مستويات الدخول الذي تم إقراره، فإن تكلفة خدمة القروض تراجعت على نحو كبير كنسبة من دخل المقترض، وهو ما ينفي الحجة الأساسية التي يستند إليها دعاة إلغاء القروض.
- ترتب على الزيادات المستمرة المطالبة بالمساواة.
- الإشكالية تكمن في أن هناك بعض الجهات زادت رواتبها بشكل مبالغ فيه، الأمر الذي دفع البعض للمطالبة بالمساواة مع تلك الجهات، وذلك لتساوي المؤهل وسنوات الخبرة، وفي إعقتادي أن طلب المساواة سيتصاعد بين مختلف الفئات الوظيفية في الدولة، آخذا في الاعتبار الزيادات الكبيرة التي تم اقرارها لبعض الفئات.
- هل كان غياب آلية واضحة لزيادة الرواتب وراء تفجر الوضع؟
نعم، فعدم وجود آلية واضحة لزيادة الرواتب هو الذي أدى إلى هذه الفوارق غير المبررة بين مختلف فئات العاملين في الدولة، وسوف تشكل هذه الفروق مصدرا مستمرا للمطالبات بالمساواة بين العاملين في الدولة واضعين نصب أعينهم أكبر مستوى للرواتب تم إقراره.
-هل يمكن قياس زيادات الرواتب على الميزانية العامة للدولة؟
-نعم، سوف يترتب على المطالبات المستمرة بالمساواة في الرواتب إلى تكاليف باهظة ستضغط بشدة على الميزانية العامة. ومما لا شك فيه أن الباب الأول مرشح لأن يكون صداع الميزانية الأول في المستقبل، نظرا لتزايد الاعتمادات في هذا الباب بصورة كبيرة نتيجة لزيادات الرواتب من جهة وعمليات التعيينات الجديدة من جهة أخرى، والتي أصبحت تتم الآن على أساس مكلف للغاية للدولة، وبمرتبات لا تعكس بأي حال من الأحوال لا تكلفة المعيشة ولا مستويات إنتاجية العامل.
- كيف تقرأ ارتفاع ميزانية الدولة في 2012 /2013 إلى 22 مليار دينار بزيادة 13 بالمئة عن العام السابق؟
- سبق أن حذرنا مرات عديدة من ارتفاع وتيرة الإنفاق العام للدولة، وضرورة العمل بجدية على الحد من الزيادة في الإنفاق العام للسيطرة على النمو في الميزانية العامة للدولة، والتي أصبح من الواضح أنها تنمو الآن بمعدلات تفوق معدلات النمو الحقيقي للاقتصاد، الأمر الذي قد يوقع المالية العامة للدولة في مشكلة خطيرة في المستقبل، إذا ما حدث تراجع في أسعار النفط.
- ما هو سعر النفط المطلوب لتوازن الميزانية؟
- لقد ترتب على تصاعد حجم الميزانية عاما بعد الآخر أن سعر النفط اللازم لتوازن الميزانية آخذ في التزايد على نحو مقلق، لدرجة أنه ربما يصبح من الصعب في المستقبل أن نتأكد من حتمية تحققه في السوق العالمي للنفط الخام، وهو ما يعني أن الميزانية قد تتعرض لتحقيق عجز حاد اذا ما تراجع سعر النفط الخام بصورة جوهرية.
- البعض يرى في مشروع الميزانية جوانب مضيئة وأخرى «مثيرة» للقلق.
- نعم، فميزانية الدولة للعام المالي 2012/ 2013 تحمل في طياتها جوانب مثيرة للقلق وجوانب أيضا مضيئة، فمن أهم الجوانب المثيرة للقلق هو المستوى الذي بلغه الإنفاق على الباب الأول (الأجور) والذي رصد له 4.7 مليارات دينار لهذه السنة المالية، وينبغي التنويه إلى أن هذه الاعتمادات لم تشمل الزيادات الأخيرة التي تم اقرارها في اجور العاملين في الدولة والتي بلغت 25 بالمئة، والتي تقدر تكلفتها بما يفوق 700 مليون دينار، الأمر الذي يعني أن الحساب الختامي لهذه السنة المالية سوف ينتهى بميزانية تقدر بحوالي 5.5 مليارات دينار لمصروفات الباب الأول فقط، بهذا الشكل يتجه الباب الأول إلى أن يكون أعلى أبواب الميزانية على الإطلاق متجاوزا الباب الخامس لأول مرة.
- وماذا عن الجانب المضيء؟
- قبل أن انتقل إلى الجانب المضيء، أود القول إن بنود الدعم في الميزانية تميل أيضا نحو التزايد على نحو مثير للقلق، حيث يقدر الدعم في السنة المالية الحالية بحوالي 6.3 مليارات دينار، معنى ذلك أن الرواتب والدعم يستهلكان أكثر من نصف الميزانية العامة للدولة وهو أمر خطير.
- ولكن ما نعرفه عالميا أن زيادة الرواتب ترتبط عكسيا مع الدعم.
- بالتأكيد، فمع الإشارة إلى أنه من المفترض مع زيادة اعتمادات الرواتب ان تقل مخصصات الدعم لا أن تتزايد، وهو ما يعكس حقيقة أن الحكومة ترفع رواتب موظفيها بشكل مباشر في صورة زيادات الرواتب، وبشكل غير مباشر في صورة زيادة اعتمادات الدعم.
- هل تقصد بالجانب المضيء رفع الإنفاق الرأسمالي؟
- نعم، هذا هو الجانب المضيء، فمن بين الجوانب المضيئة في مشروع الميزانية لهذا العام هي رصد اعتمادات تصل لأول مرة إلى حوالي 3 مليارات دينار للباب الرابع والذي يشمل المشروعات الانشائية والصيانة، وهو الأمر الذي يعكس تنفيذ المزيد من مشروعات خطة التنمية ورفع مستويات البنى التحتية في الكويت، وهو الأمر الذي ينبغي أن يوجه أليه أقصى اهتمام لرفع درجة تنافسية الاقتصاد، وأتمنى أن يتم تنفيذ المشروعات المدرجة في هذا الباب وإنفاق هذه الاعتمادات لا أن ينتهى الوضع بنسبة تنفيذ منخفضة لها.
- هل تعتقد أن تحويل الكويت لمركز مالي وتجاري أمر خيالي؟
- للأسف الشديد، هناك حالة سوء فهم واسع لخطة التنمية وتوقعات غير منطقية لما يمكن أن يحدث نتيجة لتنفيذها، المتتبع لما يكتب على الساحة عن خطة التنمية يرى أن الكثير ينظر اليها على أنها الحل السحري السريع لمشكلات الكويت الهيكلية. ومن الناحية الواقعية عملية التنمية هي عملية شاقة وتستلزم جهدا ووقتا وموارد لكي تؤتي ثمارها على نحو واضح، فتنفيذ خطة للتنمية على نحو ناجح يستلزم الدفع بخطة ثانية وثالثة وهكذا حتى تتمكن الكويت من بناء رصيد مناسب من رأس المال الثابت وترتفع بمستويات بنيتها التحتية في المجالات المختلفة حتى يمكن ان تساعد خطط التنمية على رفع مستويات النمو في الكويت وتمهد لتسهيل عملية تنويع مصادر الدخل.
- هل هي حلقة إذن من سلسلة حلقات متصلة؟
- نعم، فالتنمية هي خطة متراكمة وسلسلة متصلة طويلة من الحلقات التي يجب أن تعمل الكويت على تنفيذها ورصد الأموال اللازمة لها قبل أن نرى صدى هذه الخطط بشكل ملموس في حياتنا. بالطبع في ظل هذه النظرة غير الواقعية لأثر خطة التنمية يصعب تسويقها، لأن الجميع ينتظر منها حلا سحريا لمشاكلنا الحالية اليوم وليس غدا، بينما عملية التنمية كما سبقت الإشارة هي عملية تأخذ وقتا من الجهد التنموي المستمر والمتتابع على نحو فعال.
- وهل ترى العمل الحكومي مشجعا للقيام بتلك المهمة بشكل «متناسق»؟
- في رأيي أن أهم ما تحتاجه الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط الآن بصفتها المعد الأساسي للخطة والمشرف على تنفيذها هو توفير أقصى مستويات الدعم لها والتعاون معها، ليس فقط في تسهيل مهمة تنفيذ خطة التنمية الحالية، وإنما أيضا لإتاحة المجال لإعداد الخطط القادمة وفقا لمستهدفات أكبر في كافة المجالات واستنادا إلى سيناريوهات مستقبلية أكثر طموحا، عندها ستسوق الخطة نفسها بنفسها بكل سهولة ويسر.
-زيادات الرواتب سترفع التضخم ومن ثم تتراجع قيمة الأجور.
- في اعتقادي أن مستويات الدخل في الكويت ليست متدنية أو معدلات التضخم مرتفعة في الكويت وهو ادعاء غير صحيح بالمرة، فمستويات الدخل الفردي في الكويت من أعلى مستويات الدخل في العالم، كما أن معدلات التضخم في الكويت تعد معقولة جدا بالنسبة إلى مستويات الدخول والإنفاق فيها أو حتى بالمقاييس الدولية، ولا بد من الاعتراف بأن مستويات المعيشة في الكويت مرتفعة جدا سواء بالمقاييس الدولية أو الإقليمية، ناهيك عن مستويات المعيشة في الدول التي هي في مرحلة النمو التي تعيشها الكويت.
-ولكن البعض يرى أن تلك مستويات المعيشة المرتفعة على المحك.
-نعم، فارتفاع مستويات المعيشة، وزيادة مستويات الدخل لكي يكون مستداما لا بد وان يستند إلى قطاع إنتاجي قوي ومتنوع، لا إلى مصدر أولي ناضب، فعلى الجميع أن يفهم أنه لا يوجد ضمانة من أي نوع لاستمرار مستويات الرفاهية التي يتمتع بها الجيل الحالي الآن في المستقبل، ما لم توجه موارد الدولة المالية بصفة أساسية نحو تنويع مصادر الدخل.
-هل تنويع مصادر الدخل بمفرده يعتبر حلاً لبقاء مستويات المعيشة مرتفعة؟
- لا أعتقد ذلك، فمطلوب بجانب ذلك تهيئة بيئة الأعمال بشكل أكثر فعالية لتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في كافة المجالات الانتاجية والخدمية التي تساعد على رفع مستويات النمو وتنوع مصادره وتقلل من حجم الحكومة في الدولة الذي اصبح كبيرا على نحو مقلق، ويتناقض مع المستهدفات الأساسية لخطة التنمية بجعل القطاع الخاص هو القطاع الرائد في الاقتصاد بصفة خاصة كمولد للناتج وكموظف لقوة العمل الوطنية، وليس بأن يتم هدر هذه الموارد في زيادات الرواتب والدعم الاستهلاكي.
- ما الآثار المترتبة على تراجع النفط دون 90 دولارا للبرميل؟
- لا بد من الاعتراف بأن المستويات الحالية للمالية العامة أصبحت غير مستدامة من جانب، وأكثر تعرضا لمخاطر تقلبات سعر النفط من جانب آخر، فعندما يتراجع سعر برميل النفط إلى مستويات اقل من المستوى اللازم لتوازن الميزانية، فإن الميزانية لا شك سوف تحقق عجزا، والمشكلة الأساسية هي أن تركيبة الإنفاق العام للدولة حاليا تجعل من الصعب التعامل مع هذا العجز من خلال تخفيض مستويات الإنفاق العام، ذلك أن الجانب الأعظم من الإنفاق العام حاليا يتم في صورة إنفاق عام جاري، ومن المعلوم أنه يصعب خفض الإنفاق العام الجاري في حالة مواجهة الدولة لمشكلة سيولة ناجمة عن تراجع الايرادات، لأنه بالتدقيق في طبيعة هذا الإنفاق الجاري سوف نجد أن الجانب الأكبر منه هو عبارة عن اعتمادات للمرتبات وللدعم، ومثل هذه المصادر للإنفاق لا يمكن تخفيضها دون التعرض لقلاقل سياسية في الداخل.
-ما الحل إذن في مواجهة هذا الموقف للمالية العامة للدولة؟
- الإجابة تكمن في ضرورة العمل وبجدية مناسبة هذه المرة على إصدار قانون للضرائب يمكن الدولة من تنويع مصادر إيراداتها ويخفف من اعتمادها شبه الأساسي على النفط، ويقترح أن يقتصر القانون في مراحله الأولى على اقرار ضرائب على الأرباح التجارية والصناعية، فمن غير المعقول أن تحقق المؤسسات التجارية المختلفة هذه المستويات من الأرباح مستفيدة من كافة أشكال الدعم التي تقدمها الدولة دون أن تتحمل نصيبها في تمويل الإنفاق العام للدولة.
-هل تقصد أنه آن الأوان لفرض ضرائب؟
-نعم، في اعتقادي أنه آن الأوان بأن تفرض الكويت ضرائب على قطاع الأعمال مثلما تفعل كل دول العالم قاطبة لكي تسيطر على المخاطر المحيطة بالمالية العامة فيها، من جانب، ولكي تشرك هذا القطاع في تحمل المسؤولية التي تتحملها قطاعات الأعمال في كافة دول العالم.
-هل بات الحديث عن تنوع مصادر الدخل مجرد «ذكرى»؟
-لا بالطبع، المجال ما زال مفتوحا وبقوة لتنويع مصادر دخلها، رؤيتي هي أن الكويت اليوم اكثر استعداد من أي وقت مضى لكي تباشر القيام بهذه المهمة مستفيدة من الرصيد الاستثنائي لاحتياطياتها بالنقد الأجنبي الذي تملكه الدولة في إطار صندوق الثروة السيادي، والذي ينبغي أن يوجه نحو الاستثمار في الداخل، وليس للاستثمار في الخارج كما تفعل الكويت حاليا، وذلك لبناء أساس متين لاقتصاد تتنوع فيه مصادر الناتج والدخل.
صناعة القرار
-أين تكمن مشكلة الكويت الاقتصادية؟
في اعتقادي أن المشكلة تكمن في بطء صناعة القرار على نحو استثنائي، وطول الدورة المستندية والمركزية الشديدة وغير المبررة في الوقت ذاته، وهي جميعها تقف عقبات كؤود أمام أي محاولات لتنويع مصادر الدخل في الدولة.
-كيف تقرأ المطالبة بإسقاط الفوائد مرة والقروض مرة وإسقاطهما معا مؤخرا؟
لقد أصبح الحديث في هذا الموضوع مرهقا وغير منطقي في الوقت ذاته، ومن الواضح ان البعض يصر على جر البلاد إلى مسلسل مكسيكي لا طائل من ورائه، سوف يؤدي إلى خسارة الدولة لقدر هائل من الموارد التي ستهدر في هذا الجانب إذا ما تم إقراره، فضلا عن أن عملية إسقاط القروض لن تحل المشكلة، فمن المؤكد أنه في اليوم التالي لعمليات إسقاط القروض سوف يسارع المقترضون إلى البنوك مرة أخرى لاقتراض المزيد لأنهم تعودوا على هذا النمط من الحياة من جانب واستعدادا للدورة القادمة من إسقاط القروض وهكذا.
-البعض يستند لغياب المشاريع للمطالبة بها.
إسقاط القروض أمر «غير منطقي» بالمرة، ويتنافى مع أبسط مفاهيم العدالة الاجتماعية، وكذلك مع مبادئ العدالة بين الأجيال، فما ذنب من لم يقترض، وكيف ستعوضه الدولة عن استخدام مالها العام لتحقيق مصلحة مجموعة، بينما لم يستفد هو بأي شكل من الأشكال من مثل هذه المقاربات.
-منطقية المطالبات تأتي على خلفية تضخم الإيرادات وغياب المشروعات.
- في اعتقادي هذه المطالبات غير منطقية بالمرة في الوقت الحالي، فلقد ارتفعت مستويات دخول الأفراد على نحو واضح بحيث انخفضت أعباء خدمة القروض على كاهل المقترضين بشكل لافت للنظر، كما تم اتخاذ العديد من القرارات للتخفيف من أعباء خدمة القروض، وأهمها ما قام به البنك المركزي من منع عملية تعديل معدلات الفائدة على القروض الشخصية سوى كل خمسة سنوات وبحد أقصى 2 بالمئة من معدل الفائدة الاتفاقي صعودا وهبوطا، الأمر الذي ساعد على تثبيت تكلفة خدمة القروض، وأخذا في الاعتبار تزايد مستويات الدخول الذي تم إقراره، فإن تكلفة خدمة القروض تراجعت على نحو كبير كنسبة من دخل المقترض، وهو ما ينفي الحجة الأساسية التي يستند إليها دعاة إلغاء القروض.
مدونة مميزة .. ودوما متجددة :)
ردحذفالله يوفقكم على المجهود :)
ردحذف