من المعلوم أن سلوك المتعاملين في بورصات الأوراق المالية، يكون أشبه بسلوك القطيع. ففي أوقات انتشار التوقعات التفاؤلية، يتحرك الجميع في اتجاه واحد، دون أي تفكير للعواقب أو فيما قد يكون هناك من مفاجآت عند نهاية الطريق، وهو المضاربة على الصعود، أما في أوقات التوقعات التشاؤمية فان الجميع يتحرك في الاتجاه المعاكس، وهو التخلص من الأسهم تجنبا للمزيد من الخسائر. سلوك القطيع في الحالتين خطير جدا، ففي الحالة الأولى يكون بمثابة نفخ لبالون الأسعار حتى يصل إلى مستويات حرجة تفوق قدرة جدار البالون على تحمل الضغط الداخلي المتمثل في انتفاخ الأسعار، فيحدث الانفجار الذي يساعد عليه سلوك الحالة الثانية.
في هذه الرسالة نحاول أن نفهم ما حدث لبالون سوق الكويت للأوراق المالية، اعتمادا على ما هو متاح على موقع السوق من بيانات تاريخية. الشكل رقم (1) يوضح أنه يوم 17/6/2001، وهو أول يوم يوجد فيه بيانات مسجلة عن مؤشر سوق الكويت للأوراق المالية في موقع سوق الكويت للأوراق المالية الالكتروني، بلغت قيمة المؤشر عند الإقفال في ذلك اليوم 1669 نقطة. منذ ذلك الوقت والاتجاه العام للمؤشر يأخذ الشكل الصعودي، حتى بلغ المؤشر يوم 24/6/2008، قيمة 15654 نقطة، وهي أعلى قيمة بلغها المؤشر السعري في تاريخه حتى اليوم. ويعني ذلك انه في غضون 7 سنوات تقريبا تضاعف المؤشر السعري حوالي 10.5 ضعفا، أي أنه في المتوسط كان المؤشر السعري خلال السبع سنوات الماضية ينمو بمعدل 150% تقريبا سنويا. انه وبكل المقاييس نموا مبهرا. لا غرابة إذن في أن تجتذب البورصة هذا العدد من المتعاملين، وتحظى بتلك السمعة "سبيل الثراء السريع". بقي أن نشير إلى انه خلال السبع سنوات تلك تم إدراج بعض الشركات في البورصة، وهو ما يسهم في رفع قيمة المؤشر السعري.
في هذه الرسالة نحاول أن نفهم ما حدث لبالون سوق الكويت للأوراق المالية، اعتمادا على ما هو متاح على موقع السوق من بيانات تاريخية. الشكل رقم (1) يوضح أنه يوم 17/6/2001، وهو أول يوم يوجد فيه بيانات مسجلة عن مؤشر سوق الكويت للأوراق المالية في موقع سوق الكويت للأوراق المالية الالكتروني، بلغت قيمة المؤشر عند الإقفال في ذلك اليوم 1669 نقطة. منذ ذلك الوقت والاتجاه العام للمؤشر يأخذ الشكل الصعودي، حتى بلغ المؤشر يوم 24/6/2008، قيمة 15654 نقطة، وهي أعلى قيمة بلغها المؤشر السعري في تاريخه حتى اليوم. ويعني ذلك انه في غضون 7 سنوات تقريبا تضاعف المؤشر السعري حوالي 10.5 ضعفا، أي أنه في المتوسط كان المؤشر السعري خلال السبع سنوات الماضية ينمو بمعدل 150% تقريبا سنويا. انه وبكل المقاييس نموا مبهرا. لا غرابة إذن في أن تجتذب البورصة هذا العدد من المتعاملين، وتحظى بتلك السمعة "سبيل الثراء السريع". بقي أن نشير إلى انه خلال السبع سنوات تلك تم إدراج بعض الشركات في البورصة، وهو ما يسهم في رفع قيمة المؤشر السعري.
غير أن هذا النمو في المؤشر السعري لم يكن على نمط واحد، حيث اختلف معدل النمو من فترة لأخرى. فقبل حرب تحرير العراق، كان المؤشر يدور حول قيمة اقل من 3000 نقطة، (انظر الشكل رقم 2)، وفي غضون الفترة المتبقية من عام 2003، شهد المؤشر نموا واضحا نتيجة للدعم الذي تلقاه المؤشر من استقرار الأوضاع الأمنية على الحدود، وزوال النظام السابق في العراق، حتى أن المؤشر تجاوز في نهاية عام 2003 حاجز الـ 4500 نقطة. أصبح من الواضح الآن أن القيود التي كان تعوق انطلاق الاقتصاد الكويتي قد تراخت، بصفة خاصة المخاطر المصاحبة للتهديد المستمر على الحدود. في نفس الوقت بدأت أسعار النفط في اتخاذ مسار تصاعدي. باختصار كانت كافة المؤشرات في صالح المؤشر، وهو ما ساهم في تغذية التوقعات التفاؤلية حول اتجاه المؤشر في المستقبل.
منذ عام 2004 تكثفت عمليات التعامل في البورصة مدفوعة بمستويات السيولة المرتفعة للاقتصاد الكويتي، وبدأ المؤشر في النمو بمعدلات غير مسبوقة. من وجهة نظري فان عام 2005 هو أخطر أعوام البورصة، حيث أخذ المؤشر منحى جديدا، وهو عام الأرقام القياسية بالنسبة للمؤشر، حيث تزايد المؤشر من 6400 نقطة يوم 1 يناير 2005 إلى 11445 في آخر تعاملات هذا العام الكارثي، حيث تخطى المؤشر لأول مرة حاجز العشرة آلاف نقطة وسط دهشة وذهول الجميع، وبالطبع تهليل المتعاملين في البورصة. وأصبح من الواضح للعيان أن سبيل الثراء السريع هو البورصة، صيد سهل، وعناء قليل، وربح وفير. كل ما عليك فعله هو تدبير "كام بيزة" وإتباع رموز معينة في السوق في تعاملاتها. يوما بعد يوم، ينضم إلى قائمة المتعاملين عدد أكبر ممن ليس لديه أية دراية بقواعد اللعبة.
وبشكل عام لم تتعرض البورصة لأي حركة تصحيح للمؤشر السعري حتى عام 2005. غير انه مع تخطي المؤشر حاجز الـ 12000 نقطة في عام 2006 بدأت أول عملية تصحيح رئيسية للسوق خلال هذا العقد، كما يتضح من الشكل رقم (4)، حيث تهاوى المؤشر إلى 9268 نقطة في ذكرى يوم العدوان العراقي على الكويت. وبصفة عامة يمكن القول بأن عام 2006 كان عام تصحيح للمؤشر السعري لسوق الكويت للأوراق المالية، والذي استمر حتى الربع الأول تقريبا من عام 2007. بعض المتعاملين في السوق قد استوعب الدرس، وخرج من السوق مكتفيا بما حقق، من ربح أو خسارة. غير أن المؤشر، كما يتضح من الشكل رقم (4) سرعان ما استرد عافيته، واخذ في الصعود مجددا حتى اخترق حاجز الـ 13000 نقطة، وهو رقم قياسي جديد للمؤشر تحقق في تعاملات يوم 7/10/2007. إلا انه ما أن مر وقت قصير حتى بدأت حركة تصحيح قصيرة للمؤشر الذي هبط إلى 12000 نقطة في 29/11/2007. إلا أن فترة التصحيح لم تستمر لفترة طويلة، حيث اخذ المؤشر في الارتفاع مرة أخرى. يوما بعد يوم بالون السوق ينتفخ ويزداد ضغط مؤشر الأسعار فيه حتى بلغ المؤشر مستواه القياسي يوم 24/6/2008، بإقفال السوق على مؤشر قيمته 15654 نقطة. بلغ ضغط مؤشر الأسعار داخل البالون حدوده القصوى، وكان من الواضح أن ما يحدث في السوق هو نوع من الجنون، وان الأسعار السوقية لأسهم الشركات لا تعبر من الناحية الفنية عن القيمة الحقيقة لأصول تلك الشركات، أو مستويات توزيعات أرباحها. ماذا تعكس الأسعار السوقية إذن، أنها تعكس فقط اتجاهات المضاربة داخل السوق.
منذ ذلك اليوم السعيد بدأ الهبوط المدوي للبورصة، حيث توالت الأخبار السيئة سريعا من هبوط أسعار النفط إلى اقل من النصف، وتسرب أنباء الأزمة المالية العالمية، ودخول العالم المتقدم مرحلة الكساد، وتهاوي مؤشرات الأسعار في البورصات العالمية والإقليمية، لتبدأ أكبر حركة تصحيح في تاريخ بورصة الكويت للأوراق المالية الحديث، كما يتضح من الشكل رقم (5)، حيث استمر المؤشر في الهبوط المستمر حتى بلغ 9676 نقطة، ويعني ذلك أن المؤشر قد انخفض خلال 3 أشهر تقريبا بنسبة 62%، وهو انخفاض مدوي بكل المقاييس. ولكن هذه هي البورصة، حيث ترتفع مستويات المخاطرة إلى أعلى مستوياتها، ولا يمكن الحديث عن ما يسمى بالمخاطرة المحسوبة، فمن الممكن أن تنقلب الأوضاع رأسا على عقب في غضون فترة زمنية قصيرة جدا.
حسبما نقلت الصحف أن صغار المتعاملين في السوق تجمعوا أمام السوق وقرروا الاتجاه نحو مجلس الوزراء مطالبين بالتدخل، والبعض الآخر نادى بأن يقوم السوق برد خسائرهم، كما طالب البعض الأخر برفع قضايا على السوق لأنه السبب في شفط ثرواتهم. أمثال هؤلاء لا يعلم كما يقول المثل العامي "وين الله جاطه"، فالسوق هو مجرد مكان منظم لتسهيل التقاء أمثاله لتداول الأوراق المالية. يفترض في هذا المكان أن يكون سوقا كفء بحيث لا يسمح لفئة من المتعاملين بتحقيق أرباح غير عادية اعتمادا على المعلومات المتاحة في السوق.
حسبما نقلت الصحف أن صغار المتعاملين في السوق تجمعوا أمام السوق وقرروا الاتجاه نحو مجلس الوزراء مطالبين بالتدخل، والبعض الآخر نادى بأن يقوم السوق برد خسائرهم، كما طالب البعض الأخر برفع قضايا على السوق لأنه السبب في شفط ثرواتهم. أمثال هؤلاء لا يعلم كما يقول المثل العامي "وين الله جاطه"، فالسوق هو مجرد مكان منظم لتسهيل التقاء أمثاله لتداول الأوراق المالية. يفترض في هذا المكان أن يكون سوقا كفء بحيث لا يسمح لفئة من المتعاملين بتحقيق أرباح غير عادية اعتمادا على المعلومات المتاحة في السوق.
عندما يكون السوق صغيرا من حيث الحجم وعدد الشركات والقيمة الرأسمالية له، فان فرص أن يكون السوق كفئا تكون محدودة. ومثل هذا المناخ يخلق أرضية مناسبة لتحقيق أرباح غير عادية للمتعاملين الكبار ذوي الاستراتيجيات طويلة الأجل، الذين لديهم القدرة المالية على تحمل خسائر في الأجل القصير، واستراتيجيات ثابتة للتعامل ترتكز أساسا على قيمة محافظهم المالية في الأجل الطويل. وهؤلاء يربحون في الحالتين، أي في حالة الصعود وحالة الهبوط. ففي حالة الصعود حيث تكون الفرصة سانحة لعمليات البيع، استنادا إلى تقدير هؤلاء حول النقاط الزمنية التي تكون فيها أسعار الأسهم قد استنفذت اتجاهات الصعود، وانه وفي ضوء المؤشرات الأخرى، فان الأسهم لا بد وان تنخفض في المستقبل القريب. وفي حالة الهبوط حيث تكون الفرص سانحة لعمليات إعادة الشراء بأسعار منخفضة للأسهم، استعدادا للرحلة التالية من الصعود، وهكذا.
للأسف فان بعض صغار المتعاملين يقحمون أنفسهم في هذا النشاط الذي لا يفهمون فيه، وليس لديهم القدرة على تحمل أعباءه، وليس لديهم أية استراتيجيات للتعامل في السوق، ولا يفهمون في التحليل الفني للسوق، أو التحليل الاقتصادي له، ويعيشون على ما يصل إليهم من معلومات عن سلوك كبار المتعاملين، والذي قد يكون في بعض الأحيان مضللا. عندما تحدث الأزمة تحدث الكارثة لهؤلاء، خصوصا وان البعض يكون قد رهن منزله، أو باع مجوهرات زوجته، أو اقترض ثروة أقرباءه.. الخ، طمعا في الثراء السريع، وهو لا يدري أن هذه الثروة يمكن أن تتبخر في لحظات، وهنا تبدأ المأساة الإنسانية لهؤلاء.
للأسف فان بعض صغار المتعاملين يقحمون أنفسهم في هذا النشاط الذي لا يفهمون فيه، وليس لديهم القدرة على تحمل أعباءه، وليس لديهم أية استراتيجيات للتعامل في السوق، ولا يفهمون في التحليل الفني للسوق، أو التحليل الاقتصادي له، ويعيشون على ما يصل إليهم من معلومات عن سلوك كبار المتعاملين، والذي قد يكون في بعض الأحيان مضللا. عندما تحدث الأزمة تحدث الكارثة لهؤلاء، خصوصا وان البعض يكون قد رهن منزله، أو باع مجوهرات زوجته، أو اقترض ثروة أقرباءه.. الخ، طمعا في الثراء السريع، وهو لا يدري أن هذه الثروة يمكن أن تتبخر في لحظات، وهنا تبدأ المأساة الإنسانية لهؤلاء.