الأربعاء، أكتوبر ٠١، ٢٠٠٨

هل يجب أن تتدخل الحكومة لإنقاذ بورصة الأوراق المالية

أنا لست من أنصار التدخل الحكومي في شئون الحياة الاقتصادية بأي شكل من الأشكال، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فالتدخل الحكومي يؤدي إلى تشويه الأسواق وضعف كفاءة عملية تخصيص الموارد، وهو ما يؤثر في النهاية سلبا على معدلات النمو ومن ثم على رفاهية جموع الأفراد بشكل عام.

في الآونة الأخيرة مال الرقم القياسي للأسعار في بورصة الأوراق المالية في الكويت، حالها حال باقي دول الخليج، نحو الانخفاض الحاد متأثرا في ذلك بالموجة العالمية للانخفاض في مؤشرات الأسعار نتيجة للازمة المالية الرهيية التي نعيشها حاليا، وبشائر حالة الذعر المالي الدولي التي نحن مقبلون عليها في المستقبل القريب ما لم تنجح الجهود الدولية للتخفيف من آثار تلك الأزمة واستعادة ثقة جمهور المتعاملين في أسواق المال، للحد من حالة الذعر المالي التي يمكن أن تدمر الجهاز المالي الدولي، ومن ثم تحسين، أو على الأقل تثبيت، توقعات المتعاملين في أسواق المال بحيث يتوقف التدهور في أداء البورصات العالمية، أو على أسوأ الظروف يقل معدل التدهور فيه.

فمع ميل الرقم القياسي للأسعار نحو الانخفاض محيت من القيمة الرأسمالية للسوق مليارات الدنانير، للأسف كان الأثر الأساسي فيها منصبا على صغار المتعاملين، أو الذين هم اقل المتعاملين استعدادا للتعامل مع نتائج هذا التدهور السريع في الأسعار. ومن ثم بدأت الدعوات إلى ضرورة التدخل الحكومي لإنقاذ السوق من التدهور، والحفاظ على ثروات المتعاملين في السوق من الضياع.

ومن الواضح أن هناك انقساما واضحا في الرأي حول أهمية التدخل الحكومي لإنقاذ السوق، فالبعض يرى انه لا يجب على الحكومة التدخل بأي صورة، وان تترك من يأخذون عنصر المخاطرة في التعامل في أسواق المال يتحملون نتائج تلك المخاطرة. خصوصا أنهم لا يشاركون أحدا في الأرباح الكبيرة التي يحققونها عندما تميل أسعار الأسهم نحو الارتفاع، حيث تذهب تلك الأرباح حلالا بلالا إلى جيوب هؤلاء دون أن يحاسبهم عليها أحد. فلماذا إذن عندما تميل الأسعار نحو الانخفاض يطالبون الحكومة، ومن ثم المالية العامة بتحمل نتائج هذا الانخفاض. في ظل هذه الظروف فان مثل هذه المطالب تعد غير عادلة، فما ذنب المواطن الذي لا يضارب او يستثمر في البورصة في أن يتحمل، من خلال المال العام، نتائج انخفاض الأسعار.

الرأي الثاني، وهو أغلبية يرى أن هناك حاجة إلى أن تتدخل الحكومة من خلال ضخ المزيد من السيولة في الاقتصاد، أيا كان أسلوب الضخ، وذلك لتوفير المال اللازم الذي يرفع من مستويات السيولة في مؤسسات السوق المالي بالشكل الذي يساعد على استمرار الطلب على الأوراق المالية مرتفعا، حتى يتوقف التدهور في الأسعار، وكذلك حتى تبدو المؤسسات المالية أكثر استعدادا لمواجهة أي تدهور في الثقة في متانة تلك المؤسسات.

أنا لست بشكل عام من أنصار الرأي الثاني، غير أن الأمر يختلف هذه المرة، حيث يرجع السبب الأساسي في ذلك التدهور في الأسعار في الجانب الأكبر منه إلى أزمة ثقة مصدرها الأساسي ليس الأوضاع الاقتصادية المحلية او أداء الاقتصاد الوطني، بل على العكس فان أداء الاقتصاد الوطني يعد جيدا بشكل لا يبرر هذا التدهور في أوضاع البورصة، وإنما ترجع أزمة الثقة إلى الأزمة المالية العالمية التي أخذت تكتسح أسواق العالم اجمع من الولايات المتحدة حتى اليابان. ومعها محيت تريليونات الدولارات من القيمة الرأسمالية للأوراق المالية المتداولة في بورصات العالم.

اذا استمرت الأوضاع هكذا ولم تنجح الجهود الدولية لمعالجة الأزمة فان العالم سوف يدخل مرحلة من الركود الاقتصادي الشديد على نسق ذلك الكساد العظيم الذي حدث في عام 1929 واجتاح العالم اجمع مخلفا وراءه خسائر اقتصادية هائلة في كافة دول العالم. الوضع إذن مختلف هذه المرة، وهناك حاجة إلى تعاون دولي على كافة الأصعدة لمواجهة الأزمة، بغض النظر عن المسئول عنها. ذلك أن خطورة الأزمة تتمثل في الآثار الانتشارية التي تحدثها عبر اقتصاديات العالم أجمع، سواء من شارك في تلك الأزمة او من لم يشارك فيها.

فقد ترتب على العولمة المالية التي اجتاحت العالم في العقود القليلة الماضية، أن أصبحت أسواق المال في دول العالم أكثر ترابطا، بحيث أصبحنا نتحدث تقريبا على سوق مالي عالمي واحد، يرتبط ببعضه البعض بشكل وثيق، ويعمل على مدار الساعة عبر العالم اجمع، وهو مفتوح تقريبا لكافة المتعاملين عبر الكرة الأرضية. ويعني ذلك انه عندما تحدث أزمة في أحد أركان هذا السوق، بصفة خاصة في الأركان المؤثرة منه، فان آثار تلك الأزمة تنتشر بسرعة البرق إلى باقي أركان السوق، ومن ثم يميل السوق كله نحو التدهور.

ما هي خلاصة التحليل السابق. الخلاصة هي أننا الآن في أمس حاجة إلى تعاون دولي لتدارك الأزمة والحد من تداعياتها على المستويات المحلية والدولية، وان كل جهد تبذله دولة ما سوف يساعد في عملية إنقاذ السوق المالي الدولي من المأزق المالي الحاد الذي يعاني منه حاليا، ووقف المزيد من التدهور في أوضاع هذا السوق. ومن ثم نحن الآن في حاجة حقيقية إلى تدخل كافة حكومات العالم، ومنها حكومة دولة الكويت في عملية الإنقاذ وتثبيت أوضاع السوق نحو الاستقرار ووقف هذا التدهور.

هناك تعليقان (٢):

  1. السلام عليكم، دكتور أنا طالب معك في الكلية ومن قراء مدونتك، للأسف لم تحصلي فرصة بالدراسة عندك، إن شا الله في القريب..

    إذا تسمحلي بتعليق صغير على موضوعك.

    دكتور الأزمة الإقتصادية وما تمر فيه الأسواق العالمية ليست وليدة الساعة، هي مشاكل مترتبة على الأسواق العالمية والسوق الأمريكي بشكل خاص، من خلال معرفتك أن السوق الأمريكي يمثل ٣٠٪ من السوق العالمي ككل وهذا السوق أو الإقتصاد أصابته بوادر هذه الأزمة بال ٩٧ و ٩٩ و ٢٠٠٧. سوق بهذا الحجم له تأثير كبير على الأسواق العالمية لا سيما أن معظم بنوك دول الإتحاد الأوروبي إستقرضت من البنوك الأمريكية لرخص الفائدة نسبيا عن أوروبا، هذا غير العلاقات المالية الضخمة والهائلة بين السوقين.. برأي أن محاولة الحكومة الكويتية ضخ الأموال في السوق لن تحل الأزمة ولن تأثر فيها لأن أساس الأزمة في الأسواق العالمية لم يحل. بإعتقادي ضخ الأموال والسيولة بالطريقة التي تتم في الوقت الحالي تعتبر كرمي حفنة من الرمال في حفرة عميقة محاولة لردمها. نحن نعالج ظواهر المشكلة بهذه الطريقة ولا نعالج أساسها. فما رأيك يا دكتور؟

    شكرا لإتاحتك الفرصة لي للتعليق

    كل عام وأنتم بخير وتقبل الله طاعتكم

    ردحذف
  2. شكرا سعود
    أتفق معك في جانب كبير من التعليق، وأن اساس الازمة هو السوق الامريكي غير المنضبط. ولكن دعني اوضح بشكل اكبر الحجة الاساسية في الرسالة. إن اخطر مشكلة تواجهها اسواق العالم الآن هي تعمق أزمة التوقعات التشاؤمية حول متانة وقدرة تلك الاسواق على الاستمرار دون تعرضها للانهيار. تعديل اتجاهات التوقعات التشاؤمية يحتاج الى توافر قدر من السيولة كاف لتأكيد قدرة المؤسسات المالية في تلك الاسواق على مواجهة مخاطر نقص السيولة والتي اهمها عدم قدرة تلك المؤسسات على مواجهة التزاماتها. وكما تعلم فان افلاس مؤسسة مالية يؤدي الى اثارة حالة من الذعر لدى كافة المتعاملين بما فيهم عملاء المؤسسات المالية الاخرى، الامر الذي يؤدي الى انتشار حالة الذعر وتضاعف طلبات تسييل التزامات المؤسسات المالية، وكما تعلم فان احتياطيات المؤسسات المالية من السيولة غالبا ما تمثل نسبة بسيطة من التزاماتها، ولا تكف بأي حال من الاحوال لمواجهة طلبات التسييل الضخمة في اوقات الازمات، فتكون النتيجة اعلان المؤسسات عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها قبل المتعاملين، ومن ثم افلاسها.

    المشكلة الاساسية أذن الآن هي كيفية بناء الثقة لدى جمهور المتعاملين في اسواق المال من خلال دعم قدرة المؤسسات المالية على مواجهة التزاماتها بتوفير السيولة اللازمة لها حتى لا تتعرض للانهيار. من هذا المنطلق فان جهود الحكومة الكويتية ليست نقطة في بحر من الرمال. على العكس من ذلك فانها امر مهم جدا لبناء الثقة لدى جمهور المتعاملين في دولة الكويت في المؤسسات المالية الكويتية، وفي سوق المال الكويتي، كذلك الحال بالنسبة للحكومات الاخرى كل في بلده وعلى قدر حجم المشكلة التي يواجهها ذلك البلد. هذا ما تحاول ان تفعله الان الحكومة الامريكية والحكومات الاوروبية والاسيوية. إن احد اسباب الكساد العظيم في نهاية العشرينيات في القرن الماضي هو ضعف التعاون المالي الدولي لمواجهة الازمة. مواجهة تحديات الازمة اذن في حاجة الى جهد دولي من كافة حكومات العالم كل في نطاق دولته حتى تعود الثقة ويعم الاستقرار اسواق العالم أجمع إن شاء الله. نسأل الله ان تنطفئ تلك الازمة المالية الضخمة وأن يجنبنا تبعات تلك الازمة.

    ردحذف