السبت، مارس ٢٨، ٢٠٠٩

الخيارات المتاحة للاستفادة من الفوائض. الخيار الثاني: سداد التزامات الحكومة وتنمية صندوق الأجيال القادمة

ويتم ذلك من خلال استخدام الحكومة للفوائض المحققة في سداد ديونها المختلفة، بصفة خاصة لصندوق الأجيال القادمة. قد يكون هذا حل اسميه Second Best، أي أنه حل أفضل ولكن ليس من الدرجة الاولى، وأراه خيارا مرحليا، أي انه خيار اقل ضررا من الخيار الأول، على أساس انه إذا لم يكن الجيل الحالي قادر على استثمار موارد الدولة المالية بشكل جيد، ويسئ استغلال المال العام، فلنحتفظ بالمال العام لجيل قادم قد يكون أكثر كفاءة من الجيل الحالي في تعظيم الاستفادة من هذه الفوائض. ولكن هذا الخيار يطرح سؤالا مهما هو، هل صندوق الأجيال القادمة هو الحل الأمثل لضمان استمرار رفاهية الأجيال القادمة؟ أعيد فيما يلي ما سبق أن كتبته حول صندوق الأجيال القادمة من وجهة النظر الاقتصادية

أنشأ صندوق الأجيال القادمة بمبادرة من حضرة صاحب السمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر، رحمه الله، وذلك بتخصيص 10% من الإيرادات السنوية لدولة الكويت توضع في هذا الصندوق بهدف توفير ثروة كافية للأجيال القادمة بعد نضوب النفط، وكذلك لتنويع مصادر الدخل من خلال بناء هياكل للأصول الخارجية تسهم في توفير عوائد تستثمر لصالح الأجيال القادمة. وقد تبدو فكرة صندوق الأجيال القادمة جذابة للكثير من الناس، بل ويدافعون عنها استنادا إلى ما حدث للكويت أثناء فترة العدوان العراقي وتحرير البلاد، حيث كان صندوق الأجيال القادمة خيار الكويت الاستراتيجي الأول في التعامل مع الأزمة، فقد دفعت منه بعض تكاليف التحرير للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضد جيش الاحتلال، كذلك استخدم لتمويل عمليات إعادة البناء والتعمير وتوفير سبل الإعاشة خلال فترة الحرب وما بعدها.

بالنسبة لي لا أختلف في أن وجود الصندوق قد ساعد الكويت أثناء الأزمة. ولكن هل كانت ستختلف النتائج بشكل كبير إذا لم يكن الصندوق موجودا. الإجابة هي لا، على العكس لقد أدى وجود الصندوق إلى الإسراف في الإنفاق وتكريس سلوكيات استهلاكية ضارة أدت إلى نشر دعوات مدمرة اقتصاديا. لقد أدى وجود الصندوق بالحكومة في ذلك الوقت إلى استخدام حوالي 45 مليار دينار من أصول الصندوق السيادي للكويت وهو ما مثل خسارة كبيرة لأصول الصندوق في ذلك الوقت.

من وجهة النظر الاقتصادية صندوق الاستثمار السيادي هو هدية نقدمها للدول التي نستثمر فيها، بينما تقتصر استفادتنا نحن على الحدود الدنيا منها، فضلا عن ذلك تميل استفادتنا إلى التناقص بمرور الزمن، وعندما نعقد مقارنة بين عوائدنا وتكاليفنا من هذا الصندوق نجد أن صافي منافعنا يكون منخفضا، وربما يكون سالبا إذا ما أخذنا في الاعتبار تكلفة الفرصة البديلة لهذا الصندوق، أنظر مقالة "هل آن الأوان لتسييل صندوق الأجيال القادمة " للمزيد من التفصيل.

بالنسبة لي أرى أن الوقت قد أصبح مناسبا لتسييل تلك الأصول واستثمارها هنا، لصناعة مستقبل حقيقي للأجيال القادمة، يستند إلى أصول إنتاجية حقيقية، وليس مجرد أن نترك لهم وديعة مالية لدى الغير، ولسوء الحظ أنها لن تكفي لتوفير حاجاتهم في المستقبل. بل أن الأرقام المتاحة لدينا تؤكد أن صندوق الاستثمار السيادي على الرغم من ارتفاع قيمة أصوله لن يمثل شيئا ذو قيمة بالنسبة للحاجات المستقبلية الفعلية للأجيال القادمة. على سبيل المثال حسب أفضل البيانات المتاحة فان الصندوق السيادي لدولة الكويت يملك حاليا حوالي 200 مليار دولار، أي حوالي 58 مليار دينار كويتي. تم تكوينها عبر مدى زمني يتجاوز 30 عاما، ووفقا لآخر الأرقام المتاحة للإنفاق العام بدولة الكويت، حوالي 12 مليار دينار، فان صندوق الأجيال القادمة لن يكفي الأجيال القادمة سوى أقل من خمس سنوات فقط (بأرقام اليوم)، وبأرقام المستقبل ربما لن يكفيها سنتين أو ثلاث.

أما إذا تحولت تلك الأصول إلى مصانع وشركات وموانئ وأساطيل وبنى تحتية متنوعة ومدن جديدة ومؤسسات أبحاث وتطوير، فإنها ستحقق دخلا دائما لهم وتوفر وظائف كافية لهم، وبذلك نكون فعلا قد ضمنا مستقبل الأجيال القادمة. مستقبل الأجيال القادمة نصنعه اليوم، وهنا داخل ديرتنا، وليس في حدود دول أخرى. فهل آن الأوان لتسييل تلك الأصول واستثمارها في الداخل.

ما هي إذن مخاطر هذا الخيار؟

مرة أخرى سوف يترتب على هذا الخيار استمرار الاختلالات الحالية على ما هي عليه، واخطر ما فيها هو تصاعد مشكلة البطالة على المستوى المحلي، نظرا لضعف القدرة حاليا على خلق المزيد من الوظائف للداخلين الجدد سواء داخل المصالح الحكومية، أو في القطاع الخاص، كما سبقت الإشارة.

إذا كان الهدف من هذا الخيار هو تعظيم منافع الأجيال القادمة، وتحقيق العدالة بين الأجيال، فان علينا أن نطبق في هذه الحالة مبادئ المحاسبة بين الأجيال على نحو عادل فيما يتعلق بتقييمنا لعوائدنا وتكاليفنا في الوقت الحالي، وعوائد وتكاليف الاجيال القادمة في المستقبل، ومن ثم نحدد النصيب الذي يجب اقتطاعه للأجيال القادمة، وهو ما يثير التساؤل هل نسبة 10% فقط من إيراداتنا العامة تمثل نسبة عادلة تضمن حق الأجيال القادمة في الثروة الحالية لدولة الكويت، بمعنى آخر هل فعلا نحن نحقق العدالة المطلوبة بين الأجيال Intergenerational بهذا الشكل، أشك في ذلك، فهل من حقنا اقتطاع 90% من هذه الثروة التي نملكها لاستخدامنا الحالي، خصوصا وأنه في معظمها استخدام استهلاكي جاري، ونترك الباقي للأجيال القادمة. فما نقوم به هو الآتي: نقوم بتصدير النفط الخام، ثم نحسب ايراداتنا الاخرى (غير النفطية) وهو ما يمثل اجمالي الايرادات العامة، ثم نحسب 10% من هذه الايرادات ليتم تحويلها الى صندوق الاجيال القادمة. اذا ما خصمنا النفقات العامة من اجمالي الايرادات العامة فان المتبقي قد يكون عجزا، أو فائضا. ما نفعله في الفائض هو تحويله الى صندوق الاحتياطي العام للدولة، وهذا ليس للأجيال القادمة فيه أي حق. أي أن الجيل الحالي يستولي بالفعل على 90% من الثروة بشكل مباشر (صادرات النفط)، أو بشكل غير مباشر (الايرادات الاخرى).

بشكل عام أنا ضد فكرة صندوق الاستثمار السيادي. مثل هذا الصندوق ينبغي أن يستثمر، ليس في الخارج، ولكن في بناء قاعدة صناعية وخدمية تضمن تنويع مصادر الناتج، وتضمن استمرارية عملية توليد الدخل بمعدلات مرتفعة لإبقاء مستويات الرفاهية عند معدلات عالية، ومن ثم ضمان مستقبل الأجيال القادمة، يقول المثل الصيني، "لا تعطني كل يوم سمكة، ولكن علمني كيف اصطاد السمك"، وهذا ما ينبغي أن نفعله للأجيال القادمة. إذن، من وجهة نظري، صندوق الأجيال القادمة ليس حلا امثل لضمان مستقبل زاهر للأجيال القادمة على المدى الطويل. أنا متأكد أن مثل هذا التفكير سيجد معارضة لدى الكثيرين على أساس انه إذا لم يكن هذا الصندوق موجودا لذهبت أمواله هباءا حسب ما يدعي هؤلاء. ولكن تحليلي الأساسي يقوم على أساس افتراض توافر الأوضاع المثلي التي تسنح معها الفرص لنمو مستمر على المدى الطويل في ظل درجة عالية من الشفافية والمحاسبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق