نشر في صحيفة الاقتصادية السعودية بتاريخ الجمعة 7/10/2011.
لاشك أن مشكلة الحصول على مسكن مناسب أصبحت من أكثر القضايا التي تؤرق المواطن في المملكة، خصوصا صغار السن منهم، وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول قضية ارتفاع أسعار الأراضي في المملكة وضرورة العمل على وقف هذا التزايد المستمر في الأسعار لتخفيض تكلفة الحصول على المسكن المناسب للمواطن، والذي يلعب سعر الأرض فيه دورا محوريا.
إن الضغط على أسعار الأراضي نحو الانخفاض يكمن أساسا في تحفيز العرض من الأراضي المخصصة لبناء المساكن بالوسائل المختلفة، سواء بتهيئة وتجهيز المزيد من الأراضي ثم عرضها للبيع بسعر التكلفة، أو من خلال تحفيز، أو ربما إجبار مالكي الأراضي غير المستغلة على عرضها ووقف الاتجاه نحو "تخزين الأراضي" لأغراض الاحتكار، حتى يرتفع العرض منها مما يساعد الأسعار نحو التراجع، ومن القضايا التي ثار حولها الجدل مؤخرا هو خيار فرض ضرائب على الأراضي الفضاء الغير مستغلة كسبيل لخفض أسعار الأراضي.
من الناحية النظرية تميل الدراسات إلى الإشارة إلى أن فرض ضريبة على الأراضي يؤدي إلى انخفاض فوري في أسعارها السوقية، حيث تؤدي الضريبة إلى خفض القيمة الحالية للأراضي (محسوبة من خلال خصم التدفقات النقدية المستقبلية للأرض)، كما أن ذلك سوف يؤدي إلى دفع بعض ملاك تلك الأراضي إلى التخلص منها وذلك بهدف التخلص من عبء الضريبة، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة عرض الأرض ومن ثم انخفاض أسعارها السوقية.
هذا التحليل قد يبدو منطقيا من الناحية النظرية، ولكن هل بالفعل سيؤدي فرض الضرائب على الأراضي الفضاء إلى خفض أسعارها؟ لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بصورة مباشرة أو بالاستناد إلى تجارب الدول الأخرى التي تشير الدراسات فيها إلى أن أسعار الأراضي قد تنخفض مع فرض الضرائب عليها، لأن المسألة في حالة الأراضي التي تجري عليها عمليات المضاربة بالذات أعقد من ذلك، ذلك أن هناك مجموعة من الشروط الواجب توافرها لتحقق هذه النتيجة، وأهم هذه الشروط هي ارتفاع مرونة عرض الأرض بالنسبة للضريبة، وارتفاع مرونة الطلب السعرية للأرض، أي أن المرونات تلعب دورا حاسما في هذه القضية.
لتبسيط العرض على القارئ غير المتخصص، فإن المرونة هي درجة الاستجابة، فإذا كانت درجة الاستجابة مرتفعة نقول بأن المرونة مرتفعة والعكس، وعلى ذلك فإن ارتفاع مرونة عرض الأرض بالنسبة للضريبة، يعني أن فرض أو رفع الضرائب على الأراضي سوف يؤدي إلى زيادة الكميات المعروضة منها ومن ثم انخفاض أسعارها، وانخفاض مرونة عرض الأرض بالنسبة للضريبة يعني أن فرض أو رفع معدلات الضريبة لن يحدث تأثيرا جوهريا على الكميات المعروضة منها.
من ناحية أخرى فإن إقدام ملاك الأراضي على الاحتفاظ أو التخلص من الأراضي بعد فرض الضريبة سوف يعتمد على قدرتهم على تحميل المشترين بعبء الضريبة. هذا الموضوع يقودنا إلى أحد الدروس الهامة التي ندرسها للطلبة في مبادئ علم الاقتصاد، وهي قدرة المنتج أو البائع على تحميل، أو نقل عبء الضريبة على كاهل، المستهلك، ووفقا لمبادئ علم الاقتصاد فإن قدرة البائع على تحميل المشتري بالضريبة سوف تعتمد على مرونة الطلب السعرية. فكلما انخفضت مرونة الطلب السعرية كلما ازدادت قدرة البائع على تحميل المشتري بالضريبة، وكلما ارتفعت مرونة الطلب السعرية كلما قلت قدرة البائع على نقل عبء الضريبة على كاهل المشتري.
من المعلوم أن من بين محددات مرونة الطلب السعرية توافر البدائل للسلعة، ومدى ضرورة السلعة بالنسبة للمستهلك، فكلما توافرت البدائل للسلعة كلما ارتفعت مرونة الطلب السعرية لها والعكس صحيح. من ناحية أخرى كلما ارتفعت درجة ضرورة السلعة بالنسبة للمستهلك كلما قلت مرونة الطلب السعرية لها والعكس صحيح، وبما أن الأراضي السكنية ليس لها بديل، كما أن الأراضي السكنية تعد من السلع الضرورية لأنها تستخدم لتوفير أحد الخدمات الأساسية في الحياة وهي خدمة السكن، حيث يتزايد الطلب على الأراضي السكنية على المدى الطويل بفعل تزايد أعداد السكان، فإنه من المتوقع أن تنخفض مرونة الطلب السعرية للأراضي.
إذا فرضنا أن المملكة تقوم بفرض ضريبة على الأراضي الفضاء المخصصة للإسكان، فإن ملاك تلك الأراضي سوف يواجهون واحد من ثلاثة أوضاع على الأقل هي:
· استمرار ارتفاع أسعار الأراضي بمعدل أكبر من معدل الضريبة، وفي مثل هذا الوضع يسهل على ملاك الأراضي تحمل عبء الضريبة طالما أن الأرض تحقق معدلات عائد رأسمالي يفوق قيمة الضريبة، وبالتالي يؤمن معدل الارتفاع في أسعار الأراضي للمضاربين التغطية اللازمة لنفقات الضريبة.
· استمرار ارتفاع أسعار الأراضي بمعدل أقل من معدل الضريبة في الوقت الذي يسهل فيه لملاك الأراضي تحميل المشترين المحتملين للأرض بقيمة الضريبة أو بالجزء الأكبر منها.
· استمرار ارتفاع أسعار الأراضي بمعدل أقل من معدل الضريبة، أو ميل أسعار الأراضي نحو الانخفاض في الوقت الذي يصعب فيه على ملاك الأراضي نقل عبء الضريبة على المشترين المحتملين لها.
من الواضح أنه في الحالتين الأولى والثانية ليس من المتوقع أن يترتب على فرض الضريبة حدوث تزايد في عرض الأراضي كاستجابة لفرض الضريبة، وهو ما يعني أنه لكي يتحقق الهدف من فرض الضريبة على اتجاه أسعار الأراضي نحو النزول لا بد أن تسود الحالة الثالثة على أي وضع، فهل يمكن بالفعل أن تتحقق الشروط التي تسود في ظلها هذه الحالة الأخيرة؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد وان نتعرف على نمط اتجاه أسعار الأراضي في المملكة خلال السنوات السابقة. للأسف الشديد يلاحظ أن توافر سلاسل زمنية متسقة حول أسعار الأراضي في المناطق المختلفة في المملكة يعد محدودا نسبيا حتى يمكن تقييم الاتجاه العام لأسعار الأراضي بصورة دقيقة.
مؤخرا بدأ البنك السعودي الفرنسي في إصدار تقارير دورية عن قطاع العقار في المملكة متضمنة إحصاءات عن أسعار الأراضي والمساكن في المناطق الرئيسة في المملكة، ويوضح الجدول رقم (1) متوسط سعر متر الأراضي السكنية في تلك المناطق خلال الفترة من النصف الثاني من عام 2008 إلى النصف الأول من عام 2011، وتجب ملاحظة أن الأرقام المعروضة هي متوسط لسعر المتر في المناطق المختلفة لكل جهة، وهو ما قد يخفي تباينا واضحا لسعر المتر في كل منطقة على حده، غير أنه تنبغي الإشارة إلى أن الهدف الأساسي هنا ليس القيمة المطلقة لسعر المتر وإنما معدل النمو فيها، وهو ما يعرضه الجدول رقم (2)، ومن الجدول يتضح أنه على مدى هذه الفترة الزمنية القصيرة، وباستثناء عام 2009، حيث ألقت الأزمة المالية العالمية بظلالها على أسعار الأراضي التي مالت نحو الانخفاض بشكل عام، فإن معدلات النمو في أسعار الأراضي تعد مرتفعة بشكل عام، وهو ما يعني أنه لكي تحدث الضريبة تأثيرها المأمول على أسعار الأراضي فلا بد وأن يكون معدل الضريبة مرتفعا جدا، أخذا في الاعتبار معدلات الارتفاع الكامن في أسعار الأراضي على المدى الطويل. بالطبع لا يمكننا تحديد هذا المعدل حاليا في ضوء نقص البيانات المتاحة عن أسعار والكميات المعروضة من الأرض وكذلك الكميات المطلوبة منها عند الأسعار المختلفة حتى يمكن حساب المرونات الفعلية للعرض والطلب ومن ثم المعدل الأنسب للضريبة.
والآن ما هي العوامل المؤثرة على الطلب على الأراضي السكنية على المدى الطويل؟ لا شك أن هناك الكثير من العوامل لعل أهمها هو مستوى الدخول (الذي يحدد مستويات الادخار ومن ثم الطلب على الأصول والتي منها الأرض) وعدد السكان، والأهم معدل نموهم، والذي يحدد مستوى الضغوط التي سيتعرض لها قطاع الإسكان في المستقبل في المملكة.
إن استعراض معدلات النمو في متوسط نصيب الفرد من الناتج خلال الفترات السابقة يوحي بوجود قوة شرائية مناسبة ومتنامية لدى المستهلك المحتمل، من ناحية أخرى فإن المملكة تعد واحدة من أكثر دول العالم نموا في السكان، ومع النمو السكاني تتزايد الضغوط على قطاع العقار طلبا لخدمات السكن، وللتعرف على هذا الضغط تم القيام بالتنبؤ بأعداد السكان في المملكة حتى عام 2030 كما هو موضح في الجدول رقم (3)، في ظل سيناريوهين للنمو السكاني في المستقبل، السيناريو الأول هو سيناريو النمو حسب الاتجاه العام خلال الفترة من 2003-2010، ووفقا لهذا السيناريو يتوقع أن يتزايد عدد السكان من السعوديين من 19.25 مليون نسمة في 2011 إلى 26.78 مليون نسمة في عام 2030، في الوقت الذي يتوقع أن يزداد عدد السكان غير السعوديين من 8.78 مليون نسمة إلى 15.84 مليون نسمة على التوالي، وهو ما يعني أنه يتوقع وفقا لهذا السيناريو أن ينمو إجمالي عدد سكان المملكة من 28 مليون نسمة في 2011 إلى 42.6 مليون نسمة في 2030.
غير أنه من الواضح أن هذا السيناريو للتنبؤ بأعداد السكان في المملكة ربما يغالي في تقديرات أعداد السكان غير السعوديين، والذين يتوقع أن تتضاعف أعدادهم تقريبا في المملكة خلال العشرين عاما القادمة وفقا لهذا السيناريو، وهو ما يعني أن عداد السكان الوافدين سوف ينمو بمعدلات أعلى من معدلات نمو السكان السعوديين في المستقبل، الأمر الذي قد يتعارض مع ما يتم حاليا من سياسات للإحلال وتوطين سوق العمل السعودي. من ناحية أخرى فإنه ربما يعاب على هذا السيناريو أنه لا يأخذ في الاعتبار ظاهرة التحول الديموغرافي التي تحدث حاليا في المملكة، والتي يتوقع أن يكون لها تأثير واضح على معدلات النمو السكاني في المستقبل، والمقصود بظاهرة التحول الديموغرافي تحول المجتمع من مجتمع ترتفع فيه معدلات المواليد والوفيات إلى مجتمع تنخفض فيه معدلات المواليد والوفيات.
تشير البيانات المتاحة من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في المملكة بأن معدلات المواليد الخام (عدد المواليد لكل الف نسمة من السكان)، تميل نحو التراجع بشكل مستمر حتى بلغت 27.2 مولودا لكل ألف من السكان في 2010، في الوقت الذي يبلغ فيه معدل الوفيات الخام (عدد الوفيات لكل ألف من السكان) 3.3 حالة وفاة لكل ألف من السكان سنويا، أي أن صافي معدل النمو السكاني في المملكة بلغ 23.1 فردا لكل ألف من السكان سنويا في 2010، ووفقا للبيانات التاريخية المتاحة من المصلحة فإن معدل المواليد في المملكة يتراجع سنويا بحوالي 4 في الألف، واستنادا إلى هذه المعطيات فإن صافي معدل النمو السكاني بين المواطنين يتوقع أن يتراجع إلى 15.1 في الألف في عام 2030، من ناحية أخرى تم افتراض نمو أعداد السكان غير السعوديين على أساس آخر صافي معدل للنمو الطبيعي بينهم والذي يبلغ 11.1 في الألف سنويا، ووفقا لنتائج التقدير لهذا السيناريو يتوقع أن يتزايد عدد السكان من السعوديين من 19.13 مليون نسمة في 2011 إلى 27.21 مليون نسمة في عام 2030، في الوقت الذي يتوقع أن يزداد عدد السكان غير السعوديين من 8.52 مليون نسمة إلى 10.49 مليون نسمة على التوالي، وهو ما يعني أنه يتوقع وفقا لهذا السيناريو أن ينمو إجمالي عدد سكان المملكة من 27.66 مليون نسمة في 2011 إلى 37.70 مليون نسمة في 2030.
إن التقديرات المقدمة أعلاه توحي بأن الكتلة السكانية في المملكة من المتوقع أن تنمو على نحو كبير خلال العقدين القادمين، ومما لا شك فيه أن النمو السكاني الكبير لمجتمع صغير السن مثل المجتمع السعودي، أي الذي تشكل فيه الشرائح السكانية ذات الفئات العمرية الصغيرة "أقل من 20 سنة" النسبة الأكبر، سوف يولد ضغوطا ضخمة على قطاع المساكن في المملكة في المستقبل وهو ما يصب في نمو الطلب على المساكن بكافة أنواعها في المستقبل، وبالطبع الطلب على أراضي البناء ومن ثم أسعارها. في ظل هذه الظروف يتوقع أن تكون مرونة الطلب السعرية على الأراضي منخفضة بشكل عام، ومن ثم ارتفاع قدرة المضاربين في الأراضي على تحميل المشترين للأرض بكامل أو بالجزء الأكبر من ضريبة الأراضي.
والآن وفي ضوء التحليل السابق دعونا نعود إلى التساؤل الأساسي المطروح هنا وهو، هل يعد فرض الضريبة على الأراضي الأسلوب الأمثل لتحرير الأرض الفضاء لأغراض الإسكان؟ يتضح مما سبق أن الإجابة هي لا، لأن فرض ضريبة على الأراضي سوف يترتب عليه ارتفاع أسعار الأراضي طالما أن ضغوط الطلب عليها (الدخل وعدد السكان) مستمرة، حيث من المتوقع أن الضريبة سوف تضاف إلى سعر الأرض في النهاية ومن ثم يتحملها المشتري النهائي للأرض بشكل ما، وأن فرض الضريبة على الأراضي سوف يعقد أوضاع سوق المساكن بصورة أكبر، لا تيسيرها، وبناء على ما سبق لا ينصح بفرض ضرائب على الأرض الفضاء، إلا إذا كان فرض الضريبة لأغراض مالية مثل تعزيز الإيرادات العامة للدولة أو تنويعها، أما اذا كان الهدف من الضريبة هو خفض سعر الأرض فإن هذا قد لا يتحقق للأسباب التي تمت الإشارة إليها، والتي توحي بأنه في ظل هذه الظروف فإن فرض الضرائب على الأراضي الفضاء لا يجب أن يكون لتحقيق أهداف سعرية، وإنما لتحقيق أهداف مالية Fiscal، مثل تنويع مصادر الإيرادات العامة للدولة، أو تمكين الدولة من مشاركة ملاك الأراضي، سواء الحاليين أو المستقبليين في جانب من الزيادة التي تحدث في أسعار الأرض.
إن حل مشكلة ارتفاع أسعار الأراضي لا يكون بالضريبة أساسا وإنما بالعمل على تأهيل المساحات الشاسعة من الأراضي الفضاء الغير مؤهلة حاليا للبناء، لكي تضاف إلى رصيد الأراضي الصالحة للبناء في المملكة، وهو ما يقتضي ضرورة تخصيص الميزانيات اللازمة للبنى التحتية الأساسية لهذه المناطق، والتي يمكن تحميلها على سعر الأرض حتى تتمكن الدولة من تحرير كميات كبيرة من هذه الأراضي، والآن ما هو أثر استمرار هذه الأوضاع على المواطن السعودي وقدرته على تملك المساكن، وما هي القدرة الفعلية للمواطن على تملك المسكن مقارنة بباقي دول العالم، هذا هو موضوع مقالي في الجمعة القادمة إن أحيانا الله سبحانه وتعالى.
شكرًا ا.د محمد
ردحذفاعتقد ان ذلك ينطبق على البحرين الامارات وبعض الدول بنسبة ١٠٠%.
ولكن في السعودية ينطبق بنسبة ٥٠٪ اذا اخذنا بعين الاعتبار حجم مساحة السعودية مقارنة بالسكان.
ربما ينطبق بنسبة ١٠٠٪ في السعودية في الاراضي المهيئة للبناء في المدن والقريبة منها.
اما الاراضي التي في الصحراء لا كهرباء ولا ماء فإنها ستنهار.
هل تدق ان سعر متر مربع في صحراء شمال الرياض بسعر ١٥٠٠ ريال. والاغرب انك لا تستطيع الوصول لها بسيارتك الا اذا حملت خزانات إضافية للبنزين.
نعم هناك التفاف على الضرائب والتهرب منها، خصوصا المتنفذين هم الذين ينفذون القانون.
ملاحظة: الأسعار لا ترتفع الى ما لا نهاية، ستصل الى مستوى يعجز البائع عن تحميل المشتري الضريبة.