الاثنين، أكتوبر ٣١، ٢٠١١

نتائج القمة الأوروبية

نشر في صحيفة الدار بتاريخ الاثنين الاثنين 31 اكتوبر 2011.

انتهت القمة الأوروبية الأخيرة نهاية شبه سعيدة، حيث تراجعت المخاوف من احتمالات إفلاس اليونان بصورة كبيرة بعد قرارات القمة بشطب 50% من ديونها لدى البنوك الأوروبية في مقابل حث البنوك على محاولة رفع درجة رسملتها، وتقديم المساعدة للبنوك التي تجد صعوبة في تحقيق ذلك. قبل التوصل إلى اتفاق القمة كانت هناك مفاوضات مع مسؤولي البنوك حول مستوى الخفض المطلوب في الدين، فقد كانت مطالب القمة أن تتحمل البنوك 60% من الدين اليوناني بصورة اختيارية وذلك من خلال استبدال السندات اليونانية القديمة بخفض القيمة الاسمية لها، بينما كانت البنوك تتحدث عن نسبة 40% أو أقل. بهذا الشكل تنخفض تتراجع مخاطر انتشار الأزمة المالية العالمية الثانية التي كان من المنتظر انطلاقها مع انفجار أزمة الديون السيادية في أوروبا.
خفض الدين الأوروبي لا يعني انتهاء أزمة الدين اليوناني، وإنما التخفيف من حدته، حيث كان من المتوقع ان تصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي اليوناني في 2020 حوالي 180%، وهي نسبة مرتفعة جدا، بعد قرار الخفض، يتوقع ان تصل نسبة الدين اليوناني إلى الناتج 120% فقط بحلول عام 2020. بالطبع مع خروج اليونان من الأزمة وعودة معدلات النمو مرة أخرى إلى مستوياتها قبل الأزمة يتوقع ان تتراجع نسبة الدين السيادي اليوناني إلى الناتج.
القمة أقرت أيضا اعتماد أموال لأغراض إنقاذ اليونان تتراوح بين 30 مليار إلى 100 مليار يورو كتمويل إضافي حتى عام 2014، بما في ذلك رفع درجة رسملة البنوك اليونانية، في الوقت الذي سيستمر فيه صندوق النقد الدولي بتوفير دفعات المساعدة المالية المتفق عليها بموجب برنامج التقشف الذي تطبقه اليونان.
برنامج إنقاذ اليونان يتوقع أن يكون نهائيا في نهاية 2011، بينما تتم عمليات استبدال السندات اليونانية في أوائل 2012. في مقابل ذلك تتعهد اليونان بتوجيه كافة الأموال التي تحصل عليها في اطار برنامج التخصيص الذي تقوم به لتخفيض مستويات مديونيتها. كذلك سوف يتم تشديد الرقابة على تنفيذ برنامج الإنقاذ لليونان، حيث سيتم تشكيل لجنة من منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي واللجنة الأوروبية لمتابعة أداء اليونان والتزاماتها وفقل للخطة، ومدى اتساق القرارات التي ستتخذها الحكومة اليونانية مع المستهدفات المحددة بموجب خطة الإنقاذ. 
كان تركيز القمة على الدين اليوناني باعتباره الأكثر سخونة بين مجموعة الدول الأوربية المدينة، ونتيجة فشل اليونان في الالتزام بتعهداتها أمام الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي حول مستهدفات العجز في الميزانية العامة ومعدلات نمو الناتج. حيث لم تتمكن اليونان من تحقيق ما كان مستهدف منها وفقا لاتفاق المساندة الأولى الذي رسم خطوطه صندوق النقد الدولي، وكان من المنتظر في ظل هذه الأوضاع ان يتم رفض خطة إنقاذ اليونان الثانية على أساس أن اليونان لن تتمكن من استيفاء تعهداتها، وهو ما يعني من الناحية العملية السماح لليونان بالتوقف عن سداد التزاماتها وبالتالي إعلان إفلاسها.
إفلاس اليونان كان من المنتظر ان يترتب عليه نتائج رهيبة على المستوى الدولي، خصوصا فيما يتعلق بانتقال عدوى الأزمة إلى كافة أسواق ومؤسسات العالم المالية، رأى المراقبون آثارها بأضعاف ما ترتب على إفلاس بنك ليمان براذرز الأمريكي الذي أدى إلى اشتعال الأزمة المالية العالمية في 2008، وكنا نعد العدة لدخول الاقتصاد العالمي في ركود عظيم يعم دول العالم، خصوصا بعد نتائج معدلات النمة المخيبة للآمال التي حققتها اقتصاديات العالم الرئيسة مثل المانيا وفرنسا والولايات المتحدة في الربع الثاني من هذا العام، وعادت مرة أخرى نغمة التراجع المزدوج للاقتصاد العالمي، أو عودة الكساد مرة أخرى.
القمة أيضا أكدت على تخصيص أموال كافية في ظل ما يسمى تسهيلات الاستقرار المالي الأوروبي لمواجهة أي أزمة ديون سيادية يمكن ان تحدث في المستقبل، وذلك للتعامل مع حالات مثل إسبانيا وإيطاليا، وبالنسبة لإيطاليا بالذات باعتبارها صاحبة اكبر دين أوروبي وثالث أكبر دين في العالم، فإن إيطاليا تطبق حاليا إجراءات لرفع معدلات النمو وزيادة درجة تنافسية اقتصادها، بما في ذلك التخفيف من القيود البيروقراطية وإلغاء الحد الأدنى للضرائب الجمركية على الخدمات المهنية، وتحرير قطاع الخدمات العامة بصورة اكبر، وإعادة النظر في نظام مدفوعات تأمين البطالة الذي تطبقه إيطاليا حاليا، وكذلك الخطة الإيطالية برفع سنة الإحالة إلى التقاعد إلى 67 سنة في 2026، وإعادة تقييم أولويات الإنفاق العام من خلال التركيز على التعليم وبرامج التوظف.
يتوقع ان يترتب على الإجراءات الإيطالية توازن الميزانية في 2013 وتحقيق الميزانية العامة الإيطالية لفوائض في 2014، وهو ما يساعد على تخفيض نسبة الدين الإيطالي إلى الناتج إلى حوالي 113% في 2014.
القمة الأوروبية، على الرغم من التسريبات التي خرجت عنها والتي كانت توحي باحتمال فشل الاجتماع إلى اتفاق حول خطة الاستقرار المالي الأوربية أكدت اتحاد دول أوروبا وتصميهم على تجاوز الأزمة والحيلولة دون السماح لمشكلة الديون السيادية التي تعاني منها بعض الدول الأعضاء من أن تهدد اتحادهم الأوروبي، أو عملتهم الموحدة في منطقة اليورو.
صاحب انتهاء القمة الأوربية أخبار سارة جدا من الاقتصاد الأمريكي عندما أعلن مكتب التحليل الاقتصادي في نهاية هذا الأسبوع تقديراته الأولية لمعدلات النمو الحقيقي في الناتج والتي قدرت بمعدل 2.5%، وذلك مقارنة بـ 1.3% فقط في الربع الأول من العام، وهو ما يعزز بيانات النمو الأمريكي ويقلل من احتمالات التراجع المزدوج للكساد في الاقتصاد الأمريكي.
من المتوقع أن يترتب على هذه التطورات آثارا إيجابية على منطقة دول مجلس التعاون وبالطبع منها الكويت، بصفة خاصة، باعتبارها من أكثر الدول التي تأثرت سلبا بالأزمة المالية العالمية، حيث ستتراجع المخاطر التي كان من الممكن ان يتعرض لها القطاع المالي في الكويت، بصفة خاصة البنوك وبورصة الأوراق المالية، والتي أتوقع ان تشهد تطورات إيجابية مع تحسن الأوضاع الاقتصادي على المستوى العالمي وتحسن أسعار النفط بما يعمل على زيادة معدلات النمو ومتوسط نصيب الفرد من الناتج، وزيادة الفائض في الحساب الجاري للكويت وزيادة مستويات احتياطاتها الدولية، وكذلك أتوقع أن تحقق الكويت فائضا أكبر في الميزانية، وهو ما يسمح للحكومة بتبني برامج أعلى للإنفاق، بصفة خاصة الإنفاق الاستثماري، هذا بشرط ألا تنفتح شهية انصار هدر المال العام على هذه الفوائض من خلال المطالبة بنثرها في صورة زيادة للكوادر والمرتبات. 

هناك تعليق واحد: