الثلاثاء، فبراير ١٤، ٢٠١٢

هل يجب فرض ضريبة على المعاملات في البورصة؟ 2


نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الثلاثاء 14/2/2012

تناولنا في الجزء الأول من هذا المقال المزايا التي يتوقع أن تعود على الدول التي تفرض ضريبة على المعاملات المالية، وانتهينا إلى أن أي محاولة لإدخال مثل هذه الضريبة سوف تواجه هجوما حادا من المؤسسات المالية والمتعاملين في سوق المال بحجة أن هذه الضريبة تؤدي إلى ارتفاع التكاليف الخاصة بإجراء المعاملات المالية، ومن ثم سوف يكون لها تأثير سلبي على حجم المعاملات والاستثمارات المالية، في السوق. بل لقد بلغ الأمر بوزير المالية البريطاني "أوزبورن" في اطار هجومه على الضريبة إلى القول بأن فرض مثل هذه الضريبة سوف يكون له آثارا سلبية على معدل النمو في الاقتصاد الأوروبي وكذلك ارتفاع معدلات البطالة.
من المفهوم بالطبع الدوافع الأساسية وراء هذا الهجوم من وزير المالية البريطاني من منطلق أن فرض مثل هذه الضريبة قد يؤدي إلى تراجع المزايا التنافسية للسوق المالي في لندن أكبر أسواق المال في العالم، ومن ثم خروج المؤسسات المالية من المملكة المتحدة إلى البقاع الجغرافية المختلفة في العالم التي لا تقوم بفرض مثل هذه الضريبة، أو إلى مراكز الأوفشور حيث لا توجد أية قواعد تقريبا تنظم أعمال السوق.
يؤدي فرض الضريبة أيضا إلى ان ترتفع الضريبة من تكلفة الاقتراض للحكومات، ومن ثم معدلات الفائدة على السندات الحكومية، فعندما تفرض الضريبة على المعاملات في السندات، فإن الأسعار السوقية للسندات لا بدو وأن تتأثر، ومن ثم تجد الحكومات نفسها في موقف لا بد معه من ان تقوم برفع معدلات العائد على السندات لتعويض حملة السندات عن تراجع مستويات العائد نتيجة فرض الضريبة، الأمر الذي يرفع من تكلفة التمويل الذي تحصل عليه الحكومة، فإذا لم تفعل الحكومات ذلك فإن إقبال المستثمرين على السندات سوف يقل وهو ما يقلل من قدرة الحكومة على اقتراض احتياجاتها من التمويل اللازم لسداد عجز ميزانياتها. بل إن البعض يعمم بالقول بأن فرض الضريبة يرفع من تكلفة رؤوس الأموال بشكل عام وهوما يؤثر سلبا على معدلات الاستثمار الخاص. أكثر من ذلك فإن معارضي فرض مثل هذه الضريبة يرون ان تكاليف المعاملات المالية تعلب دورا هاما في ابتكار أدوات مالية جديدة، ومن ثم فإن فرض مثل هذه الضريبة يؤثر سلبا على عمليات الابتكار للأدوات المالية.
المتشككون أيضا في جدوى وفعالية الضريبة يرون أن التطور التقني في الأسواق الخاصة للمعلومات والاتصالات أصبح يمكن المتعاملين من الالتفاف على أي ضريبة أو تشريع ضريبي،. ذلك أن التجارب السابقة تشير إلى انه مع كل محاولة للتدخل الحكومي في الأسواق فإن المؤسسات غالبا ما تحاول أن تتفادى أعباء هذا التدخل بالطبع التهرب من الضريبة يعتمد على ما اذا كان الجمهور مقتنعا بأن الضريبة عادية وضرورية لأداء الأسواق على نحو جيد، وإلا ستبدأ عمليات التهرب الضريبي. أكثر من ذلك يرى المتشككون أن  التدخل الحكومي يؤدي إلى تشوهات في الأسواق وهو ما يتسبب في عدم الكفاءة في الأسواق الأمر الذي يعقد الأوضاع على نحو أسوأ.
من ناحية أخرى فإن الأسواق يمكنها من ان تنقل  عبء الضرائب من المنتجات التي تفرض عليها الضرائب إلى تلك التي لا تفرض عليها، كما أن هناك خشية بأن يترتب على فرض الضريبة تحويل هذه الضريبة بحيث يكون الدافع النهائي لها ليس المؤسسات المالية وإنما الأطراف الأضعف، مثل المتقاعدين، أو اللجوء إلى عمليات إحلال الأدوات المالية من خلال استخدام المشتقات المصممة بمهارة لتجنب الضريبة، على سبيل المثال عندما تفرض الضريبة على المعاملات بالعملات الأجنبية فإن المشتقات المصممة بعناية يمكنها تجنب استخدام العملات الأجنبية تماما لتبدو العملية كأنها عملية بالعملات المحلية، ومن ثم تجنب الضريبة، بالطبع لا يمكن فرض الضريبة على كافة أشكال المشتقات بصورة كفئة، خصوصا وأن عملية تتبع كافة المعاملات المالية التي تهدف إلى تجنب الضريبة غالبا ما تكون عملية صعبة ومكلفة.
أما أهم المشكلات المصاحبة لفرض مثل هذه الضريبة فهي الحاجة إلى التوصل إلى نوع من الاتفاق العالمي حول حتمية فرض الضريبة في معظم دول العالم أو على الأقل الأكثر أهمية منها، حتى يمكن تطبيق الضريبة بصورة فعالة، وذلك لتلافي خطر نقل المؤسسات المالية لمعاملاتها إلى أسواق خارج حدود تلك الأسواق لتجنب التعرض للضريبة. أما اذا طبقت الضريبة في جميع الأسواق فإن تلك المؤسسات لن تجد أسواق خارجية لتنقل أعمالها اليها، وقد أثبتت التجربة صعوبة الحصول على موافقة عدد كاف من الدول الموقعة على اتفاقية بهذا الشأن، ولعل التجربة الأوروبية الحالية خير مثال على ذلك، حيث تلاقي الضريبة على المعاملات المالية معارضة كبيرة من دول المنطقة.
جانب من الاختلاف حول تطبيق الضريبة بين الدول هو كيفية تقسيم الضريبة فيما بينها، فمن الممكن ان تكون بعض المعاملات المالية متركزة في سوق محدد، مثل هذا السوق سوف يكون له ميزة تنافسية مقارنة بباقي الأسواق في حال احتفاظ كل سوق بالضريبة حسب حجم المعاملات التي تتم فيه، بينما قد لا يعاني من أي ميزة نسبية في حالة الاشتراك في توزيع الضريبة على جميع الأسواق. 
كذلك يرى المتشككين في جدوى فرض مثل هذه الضريبة ان هذه الضريبة سوف تكون غير فعالة في الحد من المضاربة في البورصة ذلك أن مرونة الطلب على المعاملات المالية تعد منخفضة بشكل عام، وانخفاض مرونة الضريبة يقلل من كفاءتها في تخفيض تنقلات رؤوس الأموال، ومن ثم فليس من المتوقع ان يترتب على فرض الضريبة ورفع تكلفة المعاملات تخفيض الطلب على الأصول المالية في البورصة. 

غير أنه في مقابل كل ما أثير أعلاه فإن المستثمر المالي يمارس أنواعا من الاستثمار السهل للغاية ويحصل على ربح وفير جدا (في حالة تحققه) بدون أي عناء تقريبا، بل إنه وعن طريق المشتقات المالية يمكن للمستثمر المالي أن يؤمن فرص حصوله على هذا الربح من خلال عقود الخيارات والتأمين على الاستثمار، وأن ترك البورصات بدون ضريبة على المعاملات قد أدى إلى ارتفاع المدخرات المحققة على المستوى العالمي اليوم إلى مستويات كبيرة بسبب الأرباح الهائلة التي يتم تحقيقها سنويا على مثل هذا النوع من الاستثمار، وفي رأيي أنه ليس من العدالة ان تفرض الضريبة على معظم عمليات انتتاج السلع وتقديم الخدمات وكافة أشكال التصرف في الثروة دون أن يمتد ذلك إلى المعاملات في البورصة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق