نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الثلاثاء 21/2/2012
اليابان هي ثالث اكبر اقتصاد في العالم بناتج
محلي 6.5 تريليون دولارا، ويأتي ترتيبها بعد الصين (بناتج محلي 7.5 تريليون)
والولايات المتحدة (بناتج محلي حوالي 15 تريليون)، وهي من هذا المنطلق تعد أحد
اللاعبين الكبار في الاقتصاد العالمي. تعرض الاقتصاد الياباني هذا العام لعدة
صدمات أدت مجتمعة إلى التأثير بصورة كبيرة على معدلات النمو المحققة فيه. فقد كانت
التوقعات حول نمو الاقتصاد الياباني تدور حول معدل نمو 2%، اليوم تحولت تلك التوقعات
إلى معدلات نمو سالبة، ويبدو أن الاقتصاد الياباني يستعد للدخول في حالة كساد، حيث
جاءت بيانات النمو في الربع الرابع من العام الماضي مخيبة للآمال. فقد حقق
الاقتصاد الياباني معدل نمو سالب في الربع الرابع بلغ 0.6% أو بمعدل نمو سنوي سالب
2.3%.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحقق فيها
الاقتصاد الياباني معدل نمو سالب خلال 2011، ففي الربع الرابع من 2010 حقق
الاقتصاد الياباني معدل نمو صفر%، وفي الربع الأول من العام الماضي حقق نموا سالبا
بمعدل 1.8%، وفي الربع الثاني حقق نموا سالبا بمعدل 0.4%. بهذا الشكل يصبح صافي
النمو السنوي للعام الماضي سالبا، مما يعني أن الاقتصاد الياباني بدأ دخول مرحلة
كساد جديدة، ويمكن تقسيم الأسباب المسئولة عن التراجع في النمو إلى ثلاثة عوامل:
1.
تراجع الطلب العالمي على الصادرات اليابانية:
على الرغم من تعدد الأسباب المسئولة عن تراجع
النمو، إلا أن تراجع الصادرات اليابانية كان له تأثير كبير على القطاع الصناعي
الياباني. فالمستوردين الكبار من اليابان إما يعانوا من مشكلات اقتصادية أو
يواجهون مخاطر كبيرة تحدق باقتصاداتهم وتؤثر بصورة سلبية على معدلات النمو المحقق
لديهم هم أيضا. فقد أدت المشكلات التي تعاني منها أوروبا إلى أزمة ثقة ومن ثم
التأثير بصورة سلبية على الإنفاق الاستهلاكي الأوروبي والذي يعد من الأسواق
الرئيسة للإنتاج الياباني، كذلك تسبب بطء التعافي الأمريكي الى تراجع الطلب
العالمي على الصادرات اليابانية.
2.
ارتفاع قيمة الين:
جاء ارتفاع قيمة الين في عام 2011 في غير
توقيته بالنسبة للاقتصاد الياباني، فمنذ أبريل الماضي ارتفع الين بأكثر من 7%
بالنسبة للدولار، بل إنه منذ 2006 ارتفع الين بالنسبة للدولار بنسبة 35%، ولقد
حاول البنك المركزي الياباني التدخل في سوق النقد الأجنبي من اجل السيطرة على
ارتفاع قيمة الين بالنسبة للدولار، حيث تشير الإيكونيميست إلى أنه قد تم استخدام 8
تريليون يورو في أكتوبر الماضي ، وكذلك تريليون أخرى في نوفمبر للحد من ارتفاع
الين، وهو تدخل مكلف جدا يوازي أكثر من 116 مليار دولارا، ومن المعلوم أن الين
القوي يؤدي إلى تأثيرين، الأول هو جعل الصادرات اليابانية أكثر تكلفة بالنسبة
للمستوردين في الخارج وهو ما يؤدى إلى تراجع تنافسية الصادرات اليابانية، وقد ترتب
على ارتفاع قيمة الين تراجع قيمة الصادرات بنسبة 3.1%، والثاني وهو تراجع أرباح
المصدرين اليابانيين، وذلك عندما يعاد تحويل حصيلة الصادرات بالدولار إلى الين. إن
أهم الآثار التي تصاحب تراجع أرباح قطاع الأعمال هو تراجع مستويات الاستثمار.
3.
الكوارث الطبيعية
لم تكد اليابان تسترح من كارثة الكساد
العالمي الذي نتج عن أزمة سوق المساكن في أمريكا، حتى تعرضت اليابان لنوع آخر من
الكوارث، وهو الكوارث الطبيعية الذي لعبت الدور الأساسي في الانحسار الذي حدث هذه
المرة. فقد ضرب تسونامي الشاطئ الشمالي لليابان، وترتب عليه أن تراجع إنتاج الكثير
من الشركات الكبرى أو توقف تماما. تأثير الكوارث الطبيعية على اليابان لم يقتصر
على ضرب شواطئها وإنما أيضا تعرضت شواطئ تايلاند لفيضانات هائلة، وهو ما أدى إلى
آثار انتشارية سالبة على الاقتصاد الياباني حيث تعد تايلاند أحد كبار الموردين
لليابان كما يوجد العديد من مراكز الإنتاج للشركات اليابانية هناك. ذلك أن سلسلة
العرض للاقتصاد الياباني Supply
Chain لا تقتصر
فقط على الإمدادات من المصانع اليابانية، وإنما تتسع سلسلة العرض للاقتصادي
الياباني يوما بعد يوم لتشمل المصانع اليابانية التي تملكها الشركات الوطنية في
الخارج، ولقد أدت الفيضانات إلى اضطراب سلسلة العرض بصورة واضحة، مما أدى إلى
التأثير سلبا على إنتاج المصنعين الكبار في اليابان.
لسوء الحظ الخيارات المتاحة أمام صانع
السياسة الاقتصادية الياباني للتعامل مع هذه المشكلة تعد محدودة للغاية حاليا
لتشجيع الطلب المحلي، بصفة خاصة لم يعد من الممكن تحقيق نتائج ذات تأثير جوهري من استخدام
أدوات السياسة النقدية لأن معدلات الفائدة أصلا عند مستويات صفرية، كما أن عرض
النقود عند مستويات تاريخية، خصوصا وأن بنك اليابان المركزي أعلن في أعقاب
الإفراج عن النتائج عن نيته شرا سندات دين حكومية بعشرة تريليون ين بهدف الضغط على
التضخم نحو الارتفاع، حيث يستهدف البنك المركزي الياباني معدل تضخم 1%. كما أن احتياطيات اليابان أجهدت إلى حد كبير في عمليات
التدخل في سوق النقد الأجنبي لوقف ارتفاع الين أمام الدولار مسبقا.
لم يعد أمام صانع السياسة سوى الانتظار حتى
تتحسن أوضاع الاقتصاد العالمي ويعود الطلب على الصادرات اليابانية عند مستوياته
السابقة. ربما العامل الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى آثار موجبة على النمو في
الفترة القادمة هو بدء عمليات إعادة البناء لما دمرته موجات السونامي التي اجتاحت
اليابان العام الماضي، أي أن أي نمو متوقع في العام الحالي في اليابان لن يكون
ناشئا عن الطلب الخارجي، وإنما نتيجة لجهود إعادة الإعمار التي ستبدأها اليابان.
والآن هل سيعود النمو إلى مستوياته في
اليابان؟ الإجابة للأسف الشديد لا، فأخذا في الاعتبار أن الاقتصاد الياباني من
اكثر اقتصادات العالم انفتاحا على العالم الخارجي، حيث تلعب الصادرات دورا هاما في
مستويات النشاط الاقتصادي، فإن الأمر سوف يحتاج إلى بعض الوقت حتى تستعيد القوى
الاقتصادية الرئيسة في العالم عافيتها وتخرج من حالة الكساد التي تمر بها حاليا،
وهي مسألة من الواضح أنها سوف تستغرق وقتا، خلالها سوف تستمر أوجاع الاقتصاد
الياباني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق