نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الجمعة 24/2/2012
البطالة هي أخطر الأمراض الاجتماعية على
الإطلاق، فمع انتشار البطالة تنتشر ظواهر اجتماعية واقتصادية خطيرة مصاحبة لها مثل
الأمراض النفسية والتطرف وحالات الانتحار والتفكك الأسري والإدمان، وانتشار
الجريمة مثل السرقة والقتل وغيرها. لذلك تحرص حكومات العالم أجمع على معالجة
البطالة وإبقاء معدلاتها عند أدنى مستوى لها لكي تتجنب تلك الآثار السلبية. من
ناحية أخرى فإن ارتفاع معدل البطالة يعكس انخفاض كفاءة المجتمع في استخدام الموارد
المتاحة به، حيث يكون الناتج المحلي الإجمالي المتحقق في الدولة أقل من الناتج
الكامن أو الطبيعي، الأمر الذي يعكس انخفاض الكفاءة الاقتصادية للدولة.
بالطبع تعتمد البطالة على معدلات فتح الوظائف
الجديدة في الاقتصاد واتجاهاتها ومتطلبات تلك الوظائف والتي ترتبط بمستويات الطلب
الكلي في الاقتصاد فضلا عن بعض العوامل الأخرى، وفي المجتمعات السكانية الفتية مثل
المملكة يلعب الضغط السكاني دورا هاما في اتجاهات البطالة حاليا وفي المستقبل، حيث
يؤدي اتساع قاعدة الهرم السكاني في الدولة إلى تزايد أعداد الداخلين الجدد إلى سوق
العمل بمعدلات كبيرة في المستقبل، وهو ما يقتضي أن يكون الاقتصاد الوطني قادر على
فتح مزيد من الوظائف بما يتوافق مع أعداد هؤلاء الداخلين الجدد حتى لا ترتفع
معدلات البطالة بينهم.
في عام 1999 كان إجمالي عدد قوة العمل في
المملكة 5.847 مليونا منهم 4.984 مليون من الذكور يشكلون 85% من قوة العمل و 863
ألفا من الإناث، يمثلون 15% فقط من إجمالي قوة العمل، الأمر الذي يعكس انخفاض نسبة
مساهمة الإناث في سوق العمل السعودي بصورة واضحة، مقارنة بالدول النامية الأخرى في
العالم. من بين هؤلاء كان يوجد 2.824 مليون عامل سعودي فقط، يمثلون 48.3% من
اجمالي قوة العمل، غير أن ضعف نسبة مساهمة الإناث في سوق العمل تتضح بصورة أكبر
عندما ننظر إلى نسبة مساهمة السعوديات في سوق العمل، والتي يتضح من الجدول رقم (1)
أنها لم تتعد 7.1% في ذات العام. بمرور الوقت لم تتحسن نسبة العمالة الوطنية الى
اجمالي قوة العمل ولا نسبة مساهمة الإناث في قوة العمل، ففي عام 2009 بلغ عدد
العاملين في المملكة 8.116 مليون عامل منهم 4.078 مليون عامل سعودي يمثلون 47.4%
من اجمالي قوة العمل، كما ظلت نسبة مساهمة الذكور مرتفعة في قوة العمل بالمملكة.
ففي عام 2009 مثلت قوة العمل من الذكور 85.1%، بينما بلغت نسبة مساهمة الإناث 14.9%،
في الوقت الذي لم تزد نسبة مساهمة الإناث السعوديات عن 7.6% من إجمالي قوة العمل
في المملكة.
انخفاض نسبة مساهمة الإناث في قوة العمل
السعودية في الوقت الحالي تعني أن الضغوط المستقبلية على سوق العمل في المملكة سوف
تكون كبيره، نتيجة الآثار المتوقعة لتحسن مستويات تعليم الإناث وازدياد اتجاه
الاناث نحو دخول سوق العمل بمرور الوقت، وهذا في رأيي سوف يكون التطور الأساسي في
سوق العمل في المملكة في المستقبل، الأمر الذي يستدعي ضرورة أخذ هذا التطور في
الاعتبار عند تخطيط عمليات فتح الوظائف للداخلين الجدد إلى سوق العمل.
من ناحية أخرى يلاحظ أنه على الرغم من أن
المملكة من الدول المستوردة للعمالة فإن معدلات البطالة بين العمالة السعودية تعد
مرتفعة، بصفة خاصة بين الإناث، فمن الجدول رقم (2) يلاحظ ميل معدل البطالة بين
العمالة السعودية إلى التزايد من 8.1% في عام 1999 إلى 10.5% في عام 2009. بينما
تميل معدلات البطالة بين الإناث السعوديات إلى التزايد إلى مستويات مرتفعة جدا، من
15.8% في عام 1999 إلى 28.4%. إن ارتفاع معدل البطالة بين العمالة السعودية مقارنة
بمعدل البطالة الإجمالي يعكس حقيقة أن سوق العمل السعودي لا يعمل بالصورة المفترضة
لتشغيل العمالة الوطنية بصفة أساسية، خصوصا وأن سياسات الهجرة ليست مصاغة على هذا
النحو، وأن الداخلين الجدد لسوق العمل قد لا تكون عملية تأهيلهم مناسبة مع متطلبات
سوق العمل، بصفة خاصة سوق العمل الخاص.
كغيره من أسواق العمل في دول مجلس التعاون، يتصف سوق العمل في المملكة
بازدواجية واضحة، حيث يتواجد في نفس السوق هيكلان شبه منفصلان لسوق العمل، وهما
سوق العمل الحكومي وسوق العمل الخاص، وهناك فروق جوهرية بين السوقين من حيث هياكل
الأجور والحوافز والتعويضات الأخرى، وعبء العمل وأسس الترقي إلى المراتب الأعلى في
الوظائف، وغيرها من العوامل الهامة في تحديد العرض من العمل والطلب عليه، ومثل هذا
الانفصال بين السوقين يجعل من سوق العمل الحكومي الخيار الأساسي للعمالة الوطنية،
بينما يتمثل الخيار الأساسي للقطاع الخاص في العمالة الوافدة، مثل هذه الخصائص
تمارس ضغوطا على معدل البطالة بين العمالة الوطنية نحو الارتفاع.
أكثر من ذلك يلاحظ أن من أهم تحديات البطالة بين قوة العمل السعودية
هي ارتفاع معدلات البطالة بين صغار السن، حيث تصل معدلات البطالة بين هذه الفئات
العمرية إلى نسب مرتفعة للغاية، كما يوضح الجدول رقم (3)، حيث تصل نسبة البطالة في
الفئة العمرية 15-19 عاما إلى 43.5% وفي الفئة العمرية 20-24 عاما 39.3%، وأخذا في
الاعتبار ارتفاع نسبة صغار السن في المملكة فإن ضغوط سوق العمل مع تزايد الداخلين
الجدد من هذه الفئات سوف تكون كبيرة جدا في المستقبل، وستمثل تحديا كبيرا أمام
صانع السياسة في المملكة، في كيفية توفير القدر اللازم من الوظائف لاستيعاب هذه
الأعداد المتزايدة.
ربما قد لا يتطلب الأمر في المراحل الأولى من مواجهة تحدي البطالة فتح
المزيد من الوظائف الجديدة لاستيعاب العمالة الوطنية، وقد يمثل فرض عملية الإحلال
في القطاع الخاص إما من خلال الحوافز، أو من خلال رفع تكلفة العمالة الوافدة على
القطاع الخاص، بحيث تتضاءل الميزة النسبية التي تتمتع بها العمالة الوافدة في
مواجهة العمالة الوطنية من حيث تكلفة الاستخدام خيارا هاما لمعالجة مشكلة البطالة
بين العمالة الوطنية.
أما على المدى الطويل فإن الأمر سيتطلب بالتأكيد تركيز الإنفاق
الاستثماري في المجالات كثيفة الاستخدام للعمالة، وبصفة خاصة للإناث، فضلا عن
ضرورة أن تتماشى مخرجات النظام التعليمي ومراكز التدريب مع احتياجات سوق العمل، بصفة
خاصة في القطاع الخاص، وهو ما سيتطلب ضرورة مراجعة هيكل نظام التعليم في المملكة
في كافة المراحل ليتماشى مع هذا الغرض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق