الجمعة، أبريل ١٣، ٢٠١٢

إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الأجنبية في المملكة

نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الجمعة 13/4/2012
مع تصاعد معدلات البطالة في المملكة، خصوصا بين الشباب، قامت الحكومة باتخاذ العديد من الإجراءات للتعامل مع هذه المشكلة، إما من خلال مساعدة العاطلين عن العمل ماديا حتى تتوافر لهم فرصة عمل من خلال برنامج حافز، أو رفع قدرتهم على الانخراط في سوق العمل، بصفة خاصة سوق العمل الخاص، من خلال المساعدة في ترقية القدرات المهنية للعاطلين عن العمل من خلال برامج مثل  برنامج هدف، مثل هذه الإجراءات على الرغم من أهميتها، إلا أنها لم تفلح حتى هذه اللحظة في تخفيف ضغوط البطالة في سوق العمل حتى اليوم ببساطة شديدة لأن هذه الإجراءات غير كافية لرفع مساهمة العمالة الوطنية في سوق العمل، بصفة خاصة سوق العمل الخاص.

لقد كان من المفترض أن يصاحب هذه الإجراءات خطة محكمة للإحلال بحيث يتحول سوق العمل العام والخاص إلى الموظف الرئيس للعمالة الوطنية وليس كما هو الوضع القائم حاليا، وبحيث تختلف ملامح هذه الخطة بين القطاعين الحكومي والخاص، فبالنسبة للقطاع الحكومي تستطيع الحكومة بسهولة أن تفرض نسبة محددة للعمالة الوطنية بين صفوف العاملين في المؤسسات الحكومة أو تفرض برنامجا محددا لعمليات الإحلال سنويا، بحيث تلتزم جهات العمل الحكومي بتنفيذ هذه الخطة في غضون المدى الزمني المحدد لها، والتي يمكن أن تشتمل على الآتي:

-          إحلال فوري وفي غضون فترة زمنية قصيرة لمجموعة الوظائف والمهن ذات الطبيعة العامة والتي لا تتطلب مهارات خاصة، مثل وظائف الأعمال الكتابية وأعمال السكرتارية وأعمال المحاسبة .. الخ، مثل هذه الوظائف تسهل عملية الإحلال فيها دون أن يؤثر ذلك على سير العمل في القطاع الحكومي بأي حال من الأحوال.

-          إحلال متدرج لمجموعات الوظائف ذات الطبيعة الفنية أو التي تتطلب تدريبا ومهارات خاصة مثل الفنيين والمهندسين ومن على شاكلتهم، ومثل هذه الوظائف تلتزم الجهات الحكومية بإحلالها بصورة تدريجية على سبيل المثال بنسبة ١٠% إلى ٢٠٪ سنويا، وبحيث تلتزم كل جهة بإعداد قائمة بمن سيتم إحلالهم سنويا استنادا إلى الأقدمية من حيث التعيين أو السن أو على أساس تقارير الأداء عن الموظف، أو أن يتولى جهاز توظيف العمالة الوطنية هذه المهمة، وبحيث تنتهي الجهات الحكومية من إحلال هؤلاء في غضون خمس إلى عشر سنوات بعمالة وطنية ذات مؤهلات مماثلة.

-          بالنسبة للوظائف والأعمال التي تتطلب شهادات خاصة أو مهارات نادرة، فإن هؤلاء يتم إحلالهم بصورة تدريجية وفقا لدرجة توافر البديل السعودي، فكلما توافر بديل من العمالة الوطنية يتم إحلاله محل المثيل من العمالة الوافدة حتى تنتهي خطة الإحلال.

أما بالنسبة لعملية الإحلال في القطاع الخاص فلا شك أنها أصعب وتتطلب جهدا خاصا من الحكومة في التعامل مع عملية إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة، وبشكل عام يقترح الآتي:

-          أن تفرض الحكومة على مؤسسات القطاع الخاص الضخمة مثل شركات المقاولات والمؤسسات التي تتولى عمليات التوريد والبنوك وشركات الاستثمار وغيرها من المؤسسات ذات الصلة الوثيقة بالقطاع الحكومي ضرورة الالتزام بحد أدنى من العمالة الوطنية لا يقل عن 50%-60% إلى أجمالي العاملين بها في الخمس سنوات الأولى لخطة الإحلال على أن ترفع هذه النسب تدريجيا بعد ذلك.

-          تلتزم باقي مؤسسات القطاع الخاص ذات الحجم الصغير أو المتوسط بنسبة أقل، على سبيل المثال، أن تتراوح نسبة العمالة الوطنية بها ما بين 30%-40% من إجمالي العمالة بها في صورة عمالة وطنية في الخمس سنوات الأولى من خطة الإحلال بحيث يتم رفعها تدريجيا بعد ذلك.

من المؤكد أن أي خطة للإحلال في المملكة لن تكون سهلة التنفيذ وسوف تلقى مقاومة عنيفة بصفة خاصة من جانب القطاع الخاص، وأن هذا الأخير لن يعدم وسائل التلاعب واللف على تلك الخطط لإجهاضها والاستمرار في تجاهل عملية توظيف العمالة الوطنية نظرا لتفضيل توظيف العمالة الوافدة لرخصها النسبي، حيث سينظر إلى عملية فرض توظيف العمالة الوطنية على أنها تدخل في طريقة عمل هذا القطاع، أو أنها ترفع من تكاليف هذا القطاع وتخفض من أرباحه، فضلا عن أن ذلك سوف يرفع من أسعار السلع والخدمات التي يقدمها هذا القطاع، غير أنه يجب التأكيد على أن عملية تقييم تكاليف وعوائد توظيف العمالة الوطنية لا تقوم بالدرجة الأولى على أسس مادية نظرا لتشعب الآثار المترتبة على استمرار معدلات البطالة مرتفعة بين العمالة الوطنية وخطورتها على المدى الطويل.

من أهم أساليب الالتفاف على نسبة الإحلال ما يسمى بالتوظيف الوهمي، وهو عبارة عن تسجيل أسماء لأشخاص حقيقيين يعانون بالفعل من حالة بطالة في مقابل مبالغ شهرية تدفع لهؤلاء في نظير إدراجهم ضمن قوة العمل بالمؤسسة على ألا يمارسوا أي أعمال حقيقية فيها، وأن يتم استدعاؤهم إلى العمل عندما يحتاج الأمر إلى ذلك، على سبيل المثال في مواعيد الحملات التفتيشية التي تقوم بها الجهات المختصة على تلك المؤسسات للتأكد من استيفاءها لنسب الإحلال، لذا لا بد من انتهاج أسلوب يجمع بين المكافأة والعقاب، أو سياسة العصا والجزرة في فرض سياسة الإحلال.

من المعلوم أن الكثير من مؤسسات القطاع الخاص، بصفة خاصة المؤسسات الكبرى، ذات صلة وثيقة بالقطاع الحكومي باعتبار أن القطاع الحكومي هو المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي في اقتصاد نفطي، ويمكن استغلال هذه العلاقة في التأكد من تنفيذ مؤسسات القطاع الخاص لخطة الإحلال، على سبيل المثال يمكن قصر عمليات الدخول في المناقصات الحكومية، أو عقود التوريد أو أداء الخدمات للقطاع الحكومي على مؤسسات القطاع الخاص التي تلتزم بخطة الإحلال واستبعاد المؤسسات التي لا تلتزم بذلك، بهذا الشكل سوف تكون عملية مقاومة إحلال العمالة الوطنية مكلفة للغاية لمثل هذه المؤسسات. 

يمكن أن تلجأ الحكومة أيضا إلى فرض ضريبة خاصة أو رسوما سنوية على مؤسسات القطاع الخاص في مقابل كل عامل وافد يتم توظيفه تستخدم إيراداتها في دعم العمالة الوطنية، تحصل أساسا من صاحب العمل عند استجلاب أو تجديد إقامة العامل الأجنبي في المؤسسة، على أن يرتفع معدل هذه الضريبة أو قيمة هذه الرسوم كلما ارتفعت نسبة العمالة الوافدة في المؤسسة، وبشكل عام يجب أن يراعى أن يكون معدل الضريبة مرتفعا إلى الحد الذي يجعل عملية تحميل هذه الضريبة على العامل الأجنبي  أمرا مستحيلا، كما يمكن في ذات الوقت أن يتم تخفيض هيكل الضريبة بصورة كبيرة في مقابل كل عامل سعودي يتم توظيفه في المؤسسة.

يمكن أن تلجأ الحكومة أيضا إلى تحميل مؤسسات القطاع الخاص التي لا تلتزم بخطة الإحلال بالتكاليف الحقيقية للخدمات المدعمة التي تقدمها الحكومة أو أن تفرض أسعارا عقابية لتلك الخدمات على المؤسسات التي لا تلتزم بخطة الإحلال، مثل خدمات الكهرباء والماء ورسوم المعاملات الحكومية وغيرها.

إذا كانت حجة القطاع الخاص في عدم توظيف العمالة الوطنية هي ارتفاع تكلفتها، فمن الممكن أيضا أن تسمح الحكومة للقطاع الخاص بتوظيف العمالة الوطنية على نفس عقود العمالة الوافدة وبنفس الأجور التي تدفعها لتلك العمالة، على أن تقوم الحكومة بتحمل الفرق بين أجر العامل في القطاع الخاص وأجره في القطاع الحكومي من خلال تعويض العمالة الوطنية بشكل مباشر عن هذا الفرق، أو بدلا عن ذلك يطلب من مؤسسات القطاع الخاص توظيف العمالة الوطنية بمستويات الأجور الحكومية على أن تتولى الحكومة تعويض القطاع الخاص بالفرق بين مستوى أجور القطاع الخاص والقطاع الحكومي مستخدمة في ذلك مخصصات بدل البطالة التي يتم توفيرها نتيجة تشغيل أي عاطل عن العمل وأية صناديق خاصة سوف تنشئها لدعم العمالة الوطنية.

في جميع الأحوال من المؤكد أن خطة الإحلال سوف تكون مكلفة، سواء للحكومة أو للقطاع الخاص، لكن نجاح عملية إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة سوف يساعد على تحقيق العديد من المزايا أهمها توفير فرص عمل للعمالة الوطنية بصفة خاصة للداخلين الجدد منهم، وتخفيض معدل البطالة بين الشباب، ورفع درجة استيعاب القطاع الخاص للعمالة الوطنية، وتخفيض مدفوعات دعم العمالة الوطنية، ورفع مستويات المعيشة لقطاع كبير من الشباب، فضلا عن تخفيف الضغوط السياسية ودعم الاستقرار الأمني الذي يصاحب انخفاض معدلات البطالة بشكل عام، ومما لا شك فيه أن هذه الفوائد لا يجب أن تخضع لحسابات التكلفة والعائد لأنها ببساطة لا تقدر بثمن.


هناك ٤ تعليقات:

  1. البطااااااااااااااااالة .. البطااااااااااالة
    الله يرفع عنا هذا البلاء

    ردحذف
  2. شكراااً كتييييييييييير ... على المجهود :)

    ردحذف
  3. شكراااً كتييييييييييير ... على المجهود :)

    ردحذف
  4. الله يوفقكم على المجهود :)

    ردحذف