توقع الحياة هو متوسط عدد السنوات المتوقع أن يقضيها الفرد على قيد الحياة عند
ولادته، ومثل هذه التوقع يختلف بصورة كبيرة بين الدول حسب مستوى النمو بشكل عام،
فكلما ارتفعت مستويات النمو في الدولة ارتفع معها توقع الحياة بشكل عام والعكس،
أيضا من بين العوامل التي تحدد توقع الحياة بالنسبة للفرد جنسه، أي فيما إذا كان
ذكرا أم أنثى، ووضعه الاجتماعي، ومستوى دخله، ودخل الأسرة التي نشأ فيها، والفرص
التي تتاح للفرد... إلخ. فمن المعروف أن هناك فروقا في توقع الحياة حسب الجنس، حيث
تميل الإناث إلى البقاء على قيد الحياة لفترة أطول من الذكور في المتوسط، ويعد توقع
الحياة ثمرة العديد من العوامل أهم هذه العوامل هو التنمية، فمع استمرار جهود
التنمية تتحسن طبيعة معيشة الأفراد وتتحسن الخدمات والتسهيلات المتاحة لهم وهو ما
ينعكس على ارتفاع توقع الحياة.
يتحسن توقع الحياة بمرور الوقت بشكل عام، بمعنى آخر أن توقع الحياة للشخص الذي
يولد اليوم أفضل من توقع الحياة للشخص الذي ولد في منتصف القرن الماضي، على سبيل
المثال في عام 1950 كان توقع الحياة للفرد في السعودية عند الولادة هو 40.5 عاما،
أي أنه كان من المتوقع للفرد السعودي عند ولادته في ذلك الوقت أي يظل على قيد
الحياة هذا العدد من السنوات فقط، اليوم ارتفع هذا التوقع إلى 73.1 عاما، بمعنى أن
من يولد اليوم في المملكة يتوقع له أن يظل على قيد الحياة لمدة 73 عاما في المتوسط،
ولا شك أن هذا الارتفاع هو ثمرة عوامل عديدة أهمها ارتفاع مستويات الدخول وتحسن
الخدمات الصحية المقدمة للفرد.
متى تم قياس توقع الحياة في بلد أو إقليم ما، فلا بد أن يفهم على أنه متوسط، أي
أنه ليس بالضرورة أن كل شخص يعيش في هذا البلد أو هذا الإقليم لا بد أن يعيش هذا
العدد من السنوات، فالكثيرون يموتون قبل بلوغهم هذا المتوسط، والكثيرون أيضا يبقون
بعد بلوغ هذه المتوسط من العمر. على سبيل المثال إذا كان توقع الحياة في دولة ما هو
70 عاما، فإن ذلك يعني أنه في المتوسط يتوقع أن يعيش من يولد اليوم في هذه الدولة
لمدة 70 عاما، ولكن هذا لا يعني أن شخصا بعينه، سوف يعيش هذا القدر من العمر، فقد
يموت قبل ذلك أو بعد ذلك، ولكننا نقول إنه في المتوسط من يولد اليوم يتوقع (في
المتوسط) أن يعيش 70 عاما، وإذا كان الوضع كذلك، فإنه إذا توفي شخص ما في هذه
الدولة عند سن 45 عاما، في هذه الحالة نقول إنه فقد 25 عاما من عمره المفترض أن
يحياه وفقا للمتوسط الذي يحياه الناس في الدولة، أما إذا بقي على قيد الحياة عند سن
75 عاما، فإننا نقول إن هذا الشخص ظل على قيد الحياة 5 سنوات أطول من توقع الحياة
في الدولة الوقت الحالي.
أجريت العديد من الدراسات على محددات توقع الحياة، وذلك من خلال تحليل الخصائص
الديموغرافية والاجتماعية والداخلية والتعليمية... إلخ، للأشخاص المتوفين عبر
الزمن، وقد توصلت هذه الدراسات إلى علاقات عدة للارتباط مع توقع الحياة، من
الدراسات التي يتزايد الاهتمام بها حاليا في العديد من دول العالم، بصفة خاصة دول
العالم المتقدم، هو اختبار العلاقة بين توقع الحياة ومستوى تعليم السكان، حيث توصلت
هذه الدراسات إلى أن توقع الحياة يكون أكبر بالنسبة للأشخاص الحاصلين على مستويات
أفضل من التعليم، حيث يتمتع السكان الحاصلون على تعليم جيد بشكل عام بسنوات عمر
أطول، هذا ما تثبته الدراسات التطبيقية في العديد من دول العالم سواء المتقدم أو
النامي. أكثر من ذلك فقد توصلت الدراسات إلى أنه من بين مستويات التعليم يتمتع حملة
التعليم العالي بسنوات حياة أطول مقارنة بالحاصلين على الثانوية العامة أو
المستويات التعليمية الأقل. ففي دراسة لجامعة هارفارد أشارت النتائج إلى أن الشخص
الذي يصل عمره إلى 25 عاما في 1990 وحصل على تعليم لمدة 12 عاما أو أقل يتوقع أن
يبقى على قيد الحياة حتى سن 75 عاما، من ناحية أخرى فإن الشخص في العمر ذاته
والحاصل على تعليم جامعي، يتوقع أن يمتد به العمر إلى سن 80 عاما.
في دراسة حديثة عن الولايات المتحدة توصلت إلى أن التعليم العالي يضيف في
المتوسط أكثر من عشر سنوات لتوقع حياة الإنسان، أي أن الإنفاق على التعليم العالي
يعطي عوائد عدة من بينها ارتفاع توقع الحياة للشخص مقارنة بحملة التعليم أقل من
الجامعي، بالطبع هناك فروق في توقع الحياة بين الإناث والذكور وبين البيض وغير
البيض والأمريكيين من أصول أوروبية وغيرهم من أصول أخرى لاتينية أو أفريقية، هذه
كلها تنعكس في فروق توقع الحياة، غير أن الدارسة توصلت إلى حملة التعليم العالي من
الذكور البيض يعيشون 12.9 سنة أكثر، ومن الإناث يعيشون 10.4 سنة أكثر، بينما يقل
عدد السنوات بالنسبة للأشخاص من ذوي الأصول اللاتينية والأمريكان من أصل إفريقي،
ولذلك أخذ بعض الكتاب في الولايات المتحدة أخذ في تفسير الفروق بين توقع الحياة
للمجموعات المختلفة باستخدام الفجوة التعليمية، فطالما أن الفجوة التعليمية بين
الأجناس المختلفة في الولايات المتحدة قائمة ومستمرة، تظل هذه الفروق في توقع
الحياة بين الفئات الإثنية المختلفة قائمة.
ولكن لماذا يؤدي ارتفاع المستوى التعليمي للفرد إلى ارتفاع توقع الحياة بالنسبة
له؟ تشير الدراسات إلى أنه على الرغم من التأكيد على هذا الرابط بين التعليم وتوقع
الحياة إلا أنه ليس من السهل بشكل عام تفسيره، ولا يفهم الكثيرون هذا الرابط بين
التعليم والتوقع العمري للإنسان، ولكن بعض التفسيرات لمثل هذا الرابط تتمثل في أن
التعليم يترتب عليه تغير السلوك الصحي للأفراد، فالأشخاص الذين يحصلون على تعليم
أفضل يتحسن سلوكهم الصحي وتنخفض نتيجة لذلك المخاطر الصحية المصاحبة لسلوكياتهم
بشكل عام، حيث من المتوقع أن يقل إقبال هؤلاء على التدخين مثلا أو إدمان الكحوليات،
كذلك فإن الأفراد ذوي التعليم الأدنى أو غير الحاصلين على التعليم العالي غالبا ما
يفشلون في الإقلاع عن التدخين، وتشير الدراسات عن مسببات الوفاة في الدول المتقدمة،
على سبيل المثال في الولايات المتحدة، إلى أن التدخين وإدمان المشروبات الروحية
وارتفاع مستويات الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم والسمنة أهم العوامل التي تؤدي إلى
الوفاة السريعة.
كما يؤدي ارتفاع المستوى التعليمي إلى تزايد المعارف عن الصحة والأمراض
ومسبباتها وسبل الوقاية منها وأهمية الالتزام بقواعد العلاج وسبله... إلخ، وهو ما
يطلق عليه غالبا الأمية الصحية، ومن ثم يتمكن ذوو التعليم الأعلى من فهم وإدارة
أوضاعهم الصحية بصورة أفضل، كما يمكنهم التفاعل بصورة أفضل مع مقدمي الخدمات
الصحية، معنى ذلك أن المتعلمين يحصلون على ميزة صحية من التعليم والتي تؤدي إلى
تحسين توقع الحياة بالنسبة لهم.
كذلك فإن الحاصلين على التعليم الأعلى غالبا ما تتاح لهم فرص أفضل للوظائف ومن
ثم تحقيق دخول أعلى، من هذا المنطلق يؤدي التعليم إلى التأثير في الوضع الاجتماعي
للفرد، حيث يمكن التعليم من وضع الفرد في مكانة اجتماعية أفضل، وتشير الدراسات إلى
أن الوضع الاجتماعي للأفراد يمكن أن يلعب دورا في توقع الحياة لهم، على سبيل المثال
أشارت بعض الدراسات إلى أن وقوع الفرد في فئة اجتماعية أقل يمكن أن يسبب المزيد من
الضغط على هذا الفرد، ويؤدي هذا الضغط عبر الحياة إلى مشكلات صحية، مثل ارتفاع ضغط
الدم.
بالطبع الذهاب إلى الجامعة في حد ذاته لا يؤدي إلى إطالة العمر، وإنما يؤدي
التعليم الأفضل إلى لجوء الأشخاص إلى خيارات أفضل، حيث يكون السلوك الصحي للأفراد
المتعلمين أفضل من غير المتعلمين بشكل عام، فالمتعلمون بشكل عام يدخنون أقل،
ويتجنبون السمنة، ويضعون حزام الأمان في السيارة، ويضعون أجهزة الكشف عن الدخان في
منازلهم، يحرصون على أن يكون لديهم تأمين صحي، وغالبا لا يستخدمون المخدرات... إلخ.
هذا بالطبع لا يعني أن كل المتعلمين كذلك، فمنهم من هو سمين، ومنهم من يدخن ومنهم
من يشرب... إلخ، ولكن هذه ليست غالبيتهم.
الخلاصة هي أن توقع الحياة يتحسن بمرور الوقت، لكن هذا التحسن يظل أكبر بالنسبة
للفئات الأفضل تعليما، وكلما امتدت الأعوام التي يقضيها الشخص في التعليم، أضاف ذلك
إلى السنوات المتوقعة من عمره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق