نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الجمعة 24/8/2012
تميل دول العالم اليوم للاحتفاظ بكميات أكبر من النقد الأجنبي مقارنة بما سبق، فقد أصبحت البنوك المركزية أكثر سيولة واقدر على تدبير احتياجاتها من النقد الأجنبي كنسبة من الناتج أو الواردات. غير أن التوزيع الدولي للاحتياطيات من النقد الأجنبي يختلف حول العالم بشكل عام، حيث تتركز الزيادة في احتياطيات النقد الأجنبي في الدول الناشئة والنفطية والنامية بشكل عام، والتي تحتفظ حاليا بحوالي 70% من احتياطيات العالم من النقد الأجنبي، على رأسها الصين. على الجانب الآخر فإن الدول الصناعية الرئيسة في العالم تقتصد حاليا في احتياطياتها من النقد الأجنبي كنسبة من الناتج أو الواردات مقارنة بالوضع السابق، ربما لانخفاض فوائضها التجارية أو نتيجة الضغوط المالية التي تعاني منها هذه الدول حاليا.
تميل دول العالم اليوم للاحتفاظ بكميات أكبر من النقد الأجنبي مقارنة بما سبق، فقد أصبحت البنوك المركزية أكثر سيولة واقدر على تدبير احتياجاتها من النقد الأجنبي كنسبة من الناتج أو الواردات. غير أن التوزيع الدولي للاحتياطيات من النقد الأجنبي يختلف حول العالم بشكل عام، حيث تتركز الزيادة في احتياطيات النقد الأجنبي في الدول الناشئة والنفطية والنامية بشكل عام، والتي تحتفظ حاليا بحوالي 70% من احتياطيات العالم من النقد الأجنبي، على رأسها الصين. على الجانب الآخر فإن الدول الصناعية الرئيسة في العالم تقتصد حاليا في احتياطياتها من النقد الأجنبي كنسبة من الناتج أو الواردات مقارنة بالوضع السابق، ربما لانخفاض فوائضها التجارية أو نتيجة الضغوط المالية التي تعاني منها هذه الدول حاليا.
الاحتفاظ بقدر كبير من احتياطيات النقد الأجنبي له العديد من المزايا
أهمها سهولة تبني نظام لأسعار الصرف الثابتة للعملة الوطنية وذلك لسهولة الدفاع عنها،
وتجنب التقلبات العنيفة التي يمكن أن تتعرض لها نتيجة تدفق الاحتياطيات للخارج
مثلما حدث في الأزمة الآسيوية في تسعينيات القرن الماضي، ولكن في المقابل فإن الإفراط
في الاحتياطيات له تكاليف أيضا، أهمها ما يسمى بتكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ
بهذه الاحتياطيات في صورة سائلة بدلا من استخدامها في تمويل الاستهلاك المحلي أو
الاستثمار ودفع معدلات النمو.
على الرغم من هذا النمو الكبير في الاحتياطيات الدولية من النقد
الأجنبي، إلا أن مصادر القلق التي تحيط بهذه الاحتياطيات متعددة، والتي تنشأ أساسا
من تركز هذه الاحتياطيات في الدولار الأمريكي (حوالي 62% حاليا)، هذا التركز في
عملة واحدة يحمل معه مخاطر عديدة، خصوصا عندما تكون هذه العملة غير مستقرة، مثلما
هو الدولار حاليا. فمع أي انخفاض في قيمة الدولار تميل القيمة الحقيقية لهذه
الاحتياطيات نحو التراجع، من ناحية أخرى فإن هذا التركز في الاحتياطيات في عملة
واحدة يحمل مخاطر كامنة في أن يقوم أي محتفظ رئيس بالاحتياطيات مثل الصين، بالتأثير
على قيمة الدولار على المستوى الدولي، حيث أنه من الممكن أن توجه الصين هذا السلاح
ضد أمريكا في أي وقت من خلال التصرف في هذه الاحتياطيات على نحو يضر بقيمة الدولار،
أما من خلال رفعه أكثر من اللازم أو خفضه أكثر من اللازم، وهو ما أسمته وزيرة
الخارجية الأمريكية هيلاري، كلينتون أثناء الانتخابات الأمريكية السابقة،
"الخيار النووي الصيني" ضد الاقتصاد الأمريكي، في إشارة إلى المخاطر
الضخمة التي يمكن أن تسببها الصين للدولار الأمريكي خلال احتفاظها بهذا القدر
الهائل من الاحتياطيات الدولارية. غير أن هذا الوضع يعد أيضا غير مريح للصين،
فاحتفاظها بهذا القدر الكبير من الاحتياطيات السائلة يجعلها رهينة التطورات التي
تحدث للدولار. تركز الاحتياطيات الدولية لدولة رئيسه في العالم في عملة واحدة هو
إذن سلاح ذو حدين.
لكي تدخل عملة ما سلة عملات الاحتياطيات الدولية فلا بد وان تتصف
بصفتين أساسيتين وهما السيولة وعمق سوق النقد الخاص بها، ومن ثم فلا يكفي أن تكون
الدولة صاحبة العملة المرشحة لأن تكون عملة احتياط دولية قوية اقتصاديا، فهذا شرط
لاستقرار العملة، ولكن استقرار قيمة العملة ليس شرطا كافيا لصلاحية العملة لأن
تكون عملة احتياط، على سبيل المثال فإن الوضع الاقتصادي القوي والمستقر لدول مثل
النرويج وسويسرا وكندا وأستراليا لم يمكن عملاتها بأن تحتل وضعا ذا أهمية على
المستوى الدولي في سلة احتياطيات العالم من النقد الأجنبي. من ناحية أخرى فإن أهم
عملتين في سلة الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي وهما الدولار واليورو، هما
أكثر عملات العالم تقلبا، والمخاطر المصاحبة للاحتفاظ باحتياطيات دولية ضخمة من هاتين
العملتين، تعد كبيرة، ومع ذلك فإن سيولة هاتين العملتين وعمق أسواق النقد لهما
مكنتهما من أن يحتلا المراكز الأولى في سلة احتياطيات العالم من النقد الأجنبي
(حوالي 88% من احتياطيات العالم بالنقد الأجنبي).
تتمتع الدولة صاحبة العملة الرئيسة في الاحتياطيات الدولية مثل أمريكا
بميزة غير عادلة مقارنة بدول العالم الأخرى، خصوصا فيما يتعلق بقدرتها على إصدار أدوات
دين تتجاوز الحدود الآمنة دوليا، فضلا عن قدرتها على طباعة المزيد من عملتها دون
أن يصاحب ذلك آثارا كبيرة على المستوى الكلي بها، على سبيل المثال يمكن هذا الوضع
المتميز أمريكا من أن تمطر العالم بمئات المليارات من الدولارات المطبوعة بدون أن يصاحب
ذلك تلك الآثار المتوقعة بين النمو في عرض النقود والتضخم، ذلك أن جانبا كبيرا من
هذه النقود الإضافية سوف يتم تداوله والاحتفاظ به خارج الولايات المتحدة. من ناحية
أخرى فإن مثل هذا الوضع المتميز يمكن الولايات المتحدة من أن تتجاوز القيود
المالية المفروضة عليها وتحتفظ بعجز كبير في ميزان مدفوعاتها وكذلك في ميزانيتها
العامة، في الوقت الذي يمكن أن تتمتع فيه بدين عام كبير وبتكاليف تعد محدودة نسبيا
مقارنة بباقي دول العالم، حيث أن الطلب على سندات الدين الأمريكية شبه مضمون نظرا
للوضع المتميز الذي يحتله الدولار على النطاق العالمي، ولقد مكن هذا الوضع أمريكا
من أن تتجاوز كافة الحدود الآمنة لدينها العام بالنسبة للناتج، فقد بلغ الدين
الأمريكي أعلى مستوياته إلى الناتج على الإطلاق (122%) في أربعينيات القرن الماضي،
كما يتجاوز الدين الأمريكي في الوقت الحالي 15 تريليون دولارا، وهو مستوى فلكي لم
تقترضه الحكومة الأمريكية في تاريخها. أكثر من ذلك يمكن هذا الوضع المتميز أمريكا من
ألا تخشى من احتمال التوقف عن السداد أو الإفلاس، لأن ماكينات طباعة الدولار يمكن أن
تجنب الولايات المتحدة مثل هذه المخاطر، وإن كانت أمريكا لا تفعل ذلك على نحو
متعمد أو لا تغرق العالم بالدولار لأنها حريصة في ذات الوقت على هذا المركز
العالمي للدولار.
هذا الوضع الحرج للاحتياطيات العالمية من الدولار يطرح سؤالا في غاية
الأهمية، ما هو البديل؟ الإجابة هي أنه من الناحية النظرية قدمت بدائل كثيرة
للدولار الأمريكي في سلة الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي، غير أنه من
الناحية العملية فإن كافة هذه البدائل لا تتوافر فيها المقومات التي يتمتع بها
الدولار كعملة احتياط عالمية، لسبب رئيس وهي أن هذه البدائل لا تتمتع بهذا القدر
من السيولة الذي يتمتع به الدولار الأمريكي من حيث عمق سوق الدين قصير الأجل
وسهولة التخلص من السندات الأمريكية قصيرة الأجل بالسرعة المناسبة وبدون أن يؤثر
ذلك على أسعار هذه السندات أو معدلات العائد عليها بصورة جوهرية. بالطبع يمكن تصور
حدوث مثل هذا التأثير الجوهري عندما يقوم العالم كله وفي نفس اللحظة بالتخلص من أدوات
الدين الأمريكي قصير الأجل، لكن ذلك السيناريو غير متوقع في الظروف العادية، فلا
بد وان تحدث كارثة ضخمة للاقتصاد الأمريكي حتى تقدم دول العالم على مثل هذا الإجراء،
وفيما عدا ذلك فإن الكميات التي يتم تداولها من الدين الأمريكي قصير الأجل يوميا
تعد في الحدود الآمنة لكل من الولايات المتحدة وللدول التي تحتفظ باحتياطيات ضخمة
من الدولار.
لقد اقترح العالم الكثير من البدائل للدولار، منها "البانكور"
وهي عملة دولية اقترح الاقتصادي الشهير جون ماينارد كينز إنشاءها في أربعينيات
القرن الماضي لتستخدم في اطار اتحاد نقدي دولي، وذلك لأغراض المقاصة في المعاملات
النقدية الدولية ولتحل محل الذهب كأصل احتياطي للتغلب على مشكلة نقص الذهب في ذلك
الوقت، وكذلك لتجنب استخدام الدولار الأمريكي كأساس للنظام النقدي الدولي بدلا من
الذهب. كذلك طرح صندوق النقد الدولي "حقوق السحب الخاصة" باعتبارها بديل
غير تضخمي للدولار في الاحتياطيات الدولية، كذلك طالب بعض الاقتصاديين مثل روبرت
مونديل أن يقوم صندوق النقد الدولي بإصدار كميات ضخمة من حقوق السحب الخاصة تصل إلى
تريليون دولارا، لتستخدم كعملة احتياط دولية بدلا من الدولار.
غير أنه من الناحية التاريخية فإن العملات متعددة الأطراف مثل حقوق
السحب الخاصة لم تلق هذا القبول أو شيوع الاستخدام على النطاق الدولي كما كان
متوقعا، وظل دور هذه العملة الاحتياطية الدولية هامشيا للغاية، على الرغم من الآمال
الواسعة التي علقت عليها عند إنشاءها في نهاية ستينيات القرن الماضي، أو حتى عندما
قرر صندوق النقد الدولي إصدار كميات جوهرية منها منذ سنوات قليلة، فقد ظل دور حقوق
السحب الخاصة في سلة العملات الاحتياطية الدولية محدودا بشكل كبير، وحتى يظهر في العالم منافس
قوي للدولار، سوف يستمر الدولار الأمريكي متربعا عرش احتياطيات النقد الأجنبي في
البنوك المركزية للعالم وسوف تظل احتياطيات العالم من النقد الأجنبي عرضة لمخاطر
تقلبات الدولار على المستوى الدولي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق