الجمعة، أكتوبر ١٢، ٢٠١٢

جذور النمو: العوامل الثقافية

في الحلقة السابقة من جذور النمو لخصنا فكرة أن تكون العوامل الجغرافية وموقع الدول على خريطة العالم قد يكون هو المسئول عن الفروق القائمة حاليا بين النمو في المجموعات المختلفة من دول العالم، وتوصلنا إلى أن العوامل الجغرافية لا يمكن أن تكون مسئولة عن تفاوت مستويات النمو بين دول العالم المختلفة. في هذا الملخص نناقش فكرة أن تكون العوامل الثقافية هي المسئولة عن تفاوت مستويات النمو بين الدول، الثقافة بالطبع تعني مزيجا كبيرا من العوامل أهمها القيم والدين والعادات والتقاليد.. الخ. الفيلسوف الألماني ماكس فيبر  يرى أن القيم البروتستانتية هي المسئولة عن تطور الغرب ولأن هذه القيم ليست متوافرة في باقي دول العالم فيمكن القول بأنها مسئولة أساسا عن الفوارق بين الدول في مستويات النمو، على سبل المثال فإن دولا مثل الولايات المتحدة والكثير من الدول الأوروبية تحمل قيما بروتستانتية، بينما العالم المتخلف ليس لديه مثل هذه القيم. غير أن الادعاء بأن القيم البروتستانتية هي المسئولة عن النمو هو أمر غير صحيح ذلك أن هناك دولا أوروبية متقدمة أيضا وليست بروتستانتية، بل إن اليابان وسنغافورة مثلا وهي من الدول المتقدمة لا تحمل هذا الميراث من القيم الذي يتحدث عنه فيبر.
من ناحية أخرى فإن سكان شبه الجزيرة الكورية قبل انفصالهما كانا يحملان نفس القيم والميراث الثقافي، ومع ذلك نجد بعض انفصالهما أن شمال كوريا دولة فقيرة تنتشر بها المجاعة بصورة مزمنة من وقت لآخر، وتتواضع فيها مستويات الخدمات المقدمة للسكان وحقوقهم أيضا بصفة خاصة السياسية، بينما لا نستطيع أن نفرق سيول في الجنوب عن أفضل عواصم الدول المتقدمة في العالم. كذلك ألمانيا كانت منقسمة أيضا قبل اتحادها في أوائل التسعينيات إلى قسمين، وكانت الجزء الشرقي من ألمانيا متخلفا، في الوقت الذي كان فيه الجزء الغربي منها متقدما. قبل انقسام ألمانيا كانت دولة متحدة يحمل جميع سكانها نفس الثقافة وينتمون إلى نفس العرق، وبالتالي نفس العادات والتقاليد، ما الذي جعل الجزء الغربي منها متقدما والجزء الشرقي منها متخلفا؟ بالتأكيد ليس السبب في الفوارق الثقافية، وإنما بسبب عوامل أخرى أهمها أن النظام الحاكم في الجزء الشرقي فشل في أن يقدم النظام المناسب من الحوافز نحو الإبداع والتطوير وضمان حماية الملكية الشخصية.  
دول الشرق الأوسط طالما ينظر إليها على أنها دول متخلفة بسبب الخلفية الثقافية، وفي وجهة نظر أخرى بسبب الحكم الطويل تحت الإمبراطورية العثمانية التي كرست قيما ونظم سياسية غير مواتية للنمو على الإطلاق، لدرجة أنه بعد انحسار السيطرة العثمانية لم تتحسن أوضاع مصر، وفي وجهة نظر ثالثة بأن الخلفية الدينية لدول الشرق الأوسط ربما تكون مسئولة عن تخلفها. فهل الميراث الديني هو المسئول عن تخلف تلك الدول، بالتأكيد أيضا لا، ففي أعقاب انتهاء حملة نابليون على مصر وأثناء ضعف الإمبراطورية العثمانية تمكن محمد علي من الاستقلال بمصر، وبالميراث الثقافي الديني استطاع محمد علي أن يكون دولة حديثة ذات قطاع زراعي وصناعي وجيش قوي ونظم ضريبية حديثة، واستعدت مصر للانطلاق تحت حكم محمد علي بميراثها الديني، غير أنه مع وفاة محمد علي ودخول الأوروبيين على الخط تلاشت فرصة مصر في النهوض. إذن الميراث الديني ليس هو السبب في تخلف الدول الإسلامية.
البعض يطرح أيضا فكرة أن الثقافة الانجليزية هي المسئولة عن اختلاف مستويات النمو بين الأمم، فالدول التي طبقت تلك القيم مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا أصبحت دول متقدمة بينما باقي الدول ليست كذلك، ولكن ذلك أيضا مردود عليه، فالإنجليز لم يذهبوا فقط إلى الولايات المتحدة أو أستراليا، ولكنهم أيضا ذهبوا إلى إفريقيا وآسيا ومع ذلك ما زالت تلك الدول التي استعمروها ترزح تحت نير التخلف إلى يومنا هذا، فلماذا لم تؤثر القيم الإنجليزية في نهضة دولة مثل مصر وتراجعت نهضة دول مثل الهند في ظل الحكم الإنجليزي؟
بعض الأفكار أيضا تؤكد على أن القيم الأفريقية مثلا هي المسئولة عن تخلف القارة من خلال فقدان الثقة بالغير والإيمان بالسحر والقوى الغيبية وغيرها من الميراث الثقافي الأفريقي، ولكن مرة أخرى ليست القيم الأفريقية هي المسئولة عن تخلف إفريقيا، على سبيل المثال لقد كان أمام ملك الكونغو فرصة أن تتحول بلاده إلى دولة حديثة نتيجة احتكاكه بأوروبا، ولكن التكنولوجيا الوحيدة التي نقلها عنهم كانت هي البنادق، لكي يصطاد بها العبيد ويصدرهم إلى أوروبا والعالم الجديد. لماذا لم يهتم ملك الكونغو بإنشاء قطاع زراعي كفء وإتاحة الفرصة للسكان للإبداع والقيام بنشاطهم الخاص بدافع الربح، الحقيقة هي أنه لا الملك كان مهتما بالنهضة ببلده، فقد كان مهتما بالدرجة الأولى بتصدير العبيد الذي يدر عليه مالا وفيرا، وفي ذات الوقت أيضا لم يكن الناس في الكونغو على استعداد لتطبيق النموذج الغربي من الإنتاج والتكنولوجيا في بلادهم لأنه لا يثقون في الملك الذي يمكنه، وبدون أي ضابط يمنعه، من أن يصادر هذه الملكية الخاصة لمواطنيه، بل وحتى قتلهم.
لطالما ادعى الكثيرون أن الميراث الثقافي الكونفوشي في الصين هو سبب تخلف الصين، ولكن الصين بهذا الميراث اليوم من أسرع دول العالم تقدما وينتظر أن تصبح اكبر اقتصاد في العالم في غضون سنوات قليلة قادمة، ما الذي حدث؟ بالتأكيد ليس الميراث الثقافي هو السبب، بل الثورة قادها دنج على النظام الشيوعي القديم في الصين والنظام الذي أسس له وأدى إلى تبديد موارد الصين هي التي مهدت لكل هذا. بل إن اليابان وسنغافورة بميراث ثقافي متشابه لهذا الميراث تحتل قائمة الدول المتقدمة في العالم اليوم.
نعود إلى التساؤل الأساسي وهو هل الدول المتخلفة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية لديها مزيج ثقافي وديني يمكن أن نعزو إليه تخلفها؟ الإجابة ببساطة شديدة هي لا.
(من خلاصة قراءتي لكتاب Why Nations Fail)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق