علم الاقتصاد هو العلم الذي يساعد المجتمعات على تحقيق أهدافها
باستخدام الموارد المتاحة لديها على نحو كفء، وعندما لا يتمكن المجتمع من استخدام
الموارد المتاحة له لتحقيق أهدافه على نحو كفء يحدث ما يسمى بفشل السوق Market failure، مسببا كل المشكلات التي
تواجه الدول النامية في عالم اليوم، وهو ما يرجع وفقا لهذه الفرضية أساسا إلى جهل
القائمين على توزيع الموارد (قادة الدول) أو من يحيطون بهم بالأسلوب الأمثل لذلك.
تنشأ الفروق في مستويات النمو بين الدول النامية والدول المتقدمة
استنادا إلى هذه الفرضية بسبب أن قادة الدول وعموم الجمهور فيها يتسمون بالجهل
بالوسائل السليمة لتوجيه الموارد نحو افضل سبل استخدامها، وعدم قدرتهم على معالجة حالات
فشل الأسواق بدولهم، أو أنهم لا يحصلون على النصيحة الصحيحة في كيفية التعامل مع
هذه المواقف، على العكس من ذلك فإن عموم الجمهور في الدول المتقدمة وكذلك قادتها
لديهم معرفة افضل ويحصلون على نصيحة أكثر احترافية في التعامل مع الموارد وتوجيهها
لمصلحة عموم الناس بصورة كفئة.
ولكن هل بالفعل يمكن الاستناد إلى هذه الفرضية في تفسير الفوارق في
مستويات النمو بين دول العالم، هل بالفعل قادة الدول المتخلفة أكثر جهلا مقارنة بقادة
الدول المتقدمة أو أنهم محاطون بمستشارين ليسوا على هذا القدر من المعرفة التي
تمكنهم من تقديم النصيحة الصحيحة لمواجهة حالات فشل السوق وتوجيه الموارد بصورة
افضل لمصلحة الجميع؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل قادة هذه الدول لا يتعلمون من
أخطاءهم في توجيه الموارد، خصوصا من يبقى منهم في الحكم لمدة طويلة؟. هل بالفعل
حسني مبارك طوال فترة حكمه لمصر التي ناهزت الثلاثة عقود لم يكتشف في لحظة زمنية
ما أسباب تراجع مستوى المعيشة والنهضة في مصر، ألم يخطر على باله يوما السبب وراء
عدم عمل الاقتصاد المحلي لمصلحة عموم الناس، ألم يلاحظ في لحظة زمنية معينة أن
موارد الدولة موجهة بالأساس لخدمة قلة قليلة من الناس هم من يلتفون حوله، والذين
قدرهم الرئيس مرسي ب 32 أسرة مصرية؟
بل هل بالفعل كان جمال عبد الناصر، الذي طبق نظما تعسفية في توزيع
الموارد من خلال قوانين مثل التأميم والتمصير وتحديد الملكية وتحديد الإيجارات
وتحديد الأسعار، كان لا يعلم أن مثل هذه النظم، سوف تقتل المشروع الخاص وتغلق
الباب أمام المساهمة الفعالة له في النمو؟ هل بالفعل عبد الناصر كان يجهل حقيقة أن
الدولة لا يمكنها أن تقوم بكل شيء أو أن تقدم كافة الحلول لجميع المشكلات التي
يواجهها المجتمع بكفاءة تتجاوز تلك التي يمكن تحقيقها من خلال قوى السوق على المدى
الطويل؟ وإذا كان يعلم حقيقة هذه المسلمات، لماذا اصر على استخدام تلك السياسات؟
الإجابة ببساطة شديدة هي أن تلك هذه السياسات الفاشلة كانت هي الوحيدة التي تكفل له
تحقيق أهدافه السياسية في مواجهة خصومة في الداخل والخارج، حتى ولو كان ذلك على
الأجل القصير.
هذه الأسئلة في الواقع تثير الشكوك حول مدى صحة هذه الفرضية، والدلائل
العملية من مختلف أنحاء العالم لا تؤكد صحة هذه الفرضية. على سبيل المثال عندما
تولى نكروما الأمور في غانا تبنى استراتيجية للتصنيع للنهوض بالقطاع الصناعي في
غانا، ولكن الاستراتيجية كانت تعاني الكثير من العيوب، على سبيل المثال لم تكن
المشروعات الصناعية المتبناة قائمة على أسس سليمة في معظم الأحيان، وانتهت التجربة
بالفشل، فهل هذا الفشل كان راجعا لجهل نكروما أو من حوله بالأسلوب الصحيح لاختيار
الصناعات وتركيز المصانع؟ إن الحقيقة تشير إلى أن نكروما كان محاطا بفريق استشاري
على أعلى مستوى، منهم على سبيل المثال سير آرثر لويس الحاصل على جائزة نوبل. ولكن
نكروما لم يكن يطبق السياسات المناسبة لتحقيق مصلحة عموم الناس كما تفترض النظرية
الاقتصادية، وإنما كان يطبق السياسات التي تخدمه هو وتخدم الصفوة من حوله فقط، بل
لم تكن السياسات موجهة أساسا لتخدم عموم الناس، وهي تجربة تكررت في معظم الدول
النامية في العالم.
لم يكن القادة في كل مثل هذه الحالات يجهلون أسباب فشل سياساتهم في
تحقيق التوزيع الأمثل للموارد كما تفترض تلك الفرضية، ولكن الحقيقة المرة هي أن
هذه السياسات التي تؤدي إلى فشل السوق في توجيه الموارد الوجهة المثلى كانت هي
التي تخدم السياسة العامة لهم للأسف الشديد، أو ربما لأن القادة يواجهون قيودا
تفرضها طبيعة المؤسسات السياسية القائمة، والتي تؤدي إلى توجيه الموارد لمصلحة
الصفوة وإفقار عموم الناس، ومن ثم فإنه ربما تكون القيود السياسية هي التي تفرض
مثل هذه الحلول على القادة في الدول النامية. معنى ذلك أن قادة الدول النامية
يتبنون استراتيجيات تؤدي إلى إفقار العموم ليس عن جهل، وإنما هم على وعي كامل بذلك،
ويتعمدون استخدام مثل هذه الاستراتيجيات ببساطة شديدة لأنها تخدم أهدافهم العامة
او أهداف الصفوة الذين يحيطون بهم أو بسبب طبيعة القيود المفروضة عليهم.
الخلاصة فرضية الجهل بكيفية توجيه الموارد الوجهة الصحيحة لمصلحة عموم
الناس ليست هي المسئولة عن تفاوت مستويات النمو بين الأمم.
(من خلاصة قراءتي لكتاب Why Nations Fail)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق