طلب مني الكثير من القراء أن أكتب شرحا مبسطا لبعض المصطلحات الاقتصادية الشائعة حتى يسهل عليهم تفسير ما يدور حولهم من أحداث اقتصادية، واستجابة لهذه المطالب أبدأ هذه السلسلة من المصطلحات بأهم هذه المصطلحات بالنسبة لنا وهو سعر النفط.
تعد أسعار النفط أهم الأسعار الدولية للسلع التجارية على الإطلاق، حيث يراقب هذه الأسعار كافة دول العالم ومؤسساته الاقتصادية سواء في الدول المنتجة أو المستهلكة للنفط، لما لهذه الأسعار من دلالات خطيرة حول مستقبل التكاليف والأسعار والنمو في كافة دول العالم. بصفة خاصة ينظر إلى ارتفاع أسعار النفط على أنه يسبب صدمة لجهاز العرض من السلع والخدمات في كافة دول العالم، حيث يصاحب ذلك تراجع في مستوى العرض، ومن ثم نشوء تضخم، نطلق عليه التضخم المدفوع بالتكلفة Cost Push Inflation.
النفط هو السلعة الوحيدة تقريبا التي يتسبب ارتفاع أسعارها في إحداث هذا النوع من التضخم، حيث ان تقنيات توليد الطاقة في كافة دول العالم تعتمد بصفة أساسية حاليا على النفط، حيث لم يتوصل العالم حتى الآن لبديل مناسب للنفط يستخدمه في توليد الطاقة على نطاق واسع مثلما هو الحال بالنسبة للنفط، ويتنامى حاليا أيضا دور أسعار الغذاء في التضخم في مختلف دول العالم، غير أن أسعار الغذاء تعتمد أيضا على أسعار النفط، باعتبار ان الطاقة المستخدمة في إنتاج الغذاء تولد من النفط، وهي مكون رئيسي لتكلفة زراعة الغذاء. من ناحية أخرى، فإن التطور التقني في توليد الطاقة قد مكن الإنسان من توليد أشكال من الوقود من الحبوب الغذائية يطلق عليها الوقود الحيوي Bio-fuel، حيث يتم إنتاج الايثانول من حبوب الذرة وفول الصويا وقصب السكر.. الخ وإضافته إلى البنزين لتسيير السيارات، باعتباره بديل أرخص نسبيا من البنزين المولد من النفط، ومن ثم فإنه مع ميل أسعار النفط نحو الارتفاع يتزايد توجيه الحبوب الغذائية في الدول المنتجة للغذاء لإنتاج الوقود الحيوي، بدلا من توجيهها نحو تغذية الإنسان أو الحيوان، فيتزايد الضغط على العرض من الغذاء وترتفع أسعاره، مرة أخرى بسبب ارتفاع أسعار النفط.
لقد أصبحت أسعار النفط من أكثر السلع التجارية الدولية تقلبا، فما من يوم يمر، أو ربما خلال اليوم الواحد، حتى نرى أسعار النفط تتقلب على نحو واضح. ولكن ما هي أسباب تقلب أسعار النفط على هذا النحو الكبير؟ الواقع أنه ربما يندر أن نجد سلعة دولية يؤثر فيها هذا العدد من المتغيرات التي تؤثر على سعرها، والتي تشمل المتغيرات الاقتصادية والسياسية أو المناخية، أو عوامل المضاربة القائمة على التوقعات المستقبلية للأسعار ... الخ، مثلما هو الحال بالنسبة للنفط. وهناك عدة أسباب تقف وراء هذه التقلبات الشديدة التي يتعرض لها سعر النفط من وقت لآخر أهمها:
- العوامل السياسية، أحد الخصائص الأساسية لعملية إنتاج النفط، أن إنتاجه يتركز في الخليج بصورة أساسية وهي منطقة ساخنة جدا من الناحية السياسية، وعرضه للتقلب الشديد من وقت لآخر في هذا الجانب. ونتيجة لذلك نجد أن أي تغير في الأوضاع السياسية في هذه المنطقة ينعكس بشكل مباشر على الأسعار العالمية للنفط الخام.
- التقلبات في المناخ، بما أن النفط هو المدخل الرئيس في عمليات توليد الطاقة فإن التغيرات العنيفة في درجات الحرارة من حيث ارتفاعها أو انخفاضها يترتب عليه، ارتفاع أو انخفاض الطلب على الطاقة لأغراض التدفئة بالذات، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أو انخفاض الطلب على النفط، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر في أسعار النفط الخام.
- انتشار المضاربة على النفط، وهي من الظواهر الجديدة التي تتعرض لها صناعة النفط حاليا، حيث تكونت صناديق للمضاربة فيه، وهو ما جعل النفط احد سلع المضاربة، وتقوم عمليات المضاربة في النفط على أساس التوقعات المستقبلية للأسعار والتي ترتكز إلى مجموعة من المتغيرات الاقتصادية الكلية وكذلك السياسية أو المناخية كما أشرنا، وعندما تشير هذه التوقعات حول المتغيرات المؤثرة على النفط إلى احتمال ارتفاع الأسعار يبدأ المضاربون في شراء النفط فترتفع أسعاره بصورة أكبر، وعندما تنعكس تلك التوقعات تبدأ عمليات بيع النفط فتنخفض أسعاره بصورة اكبر، وهو ما يؤدي إلى زيادة نطاق التقلبات السعرية في السلعة بفعل اتجاهات المضاربة.
- الجمود النسبي في العرض، حيث تتسم مرونة العرض السعرية (استجابة الإنتاج لتغيرات السعر) بالانخفاض، بصفة خاصة عندما يتعلق الأمر بزيادة العرض مع ارتفاع السعر، حيث ان الإنتاج النفطي يعتمد أساسا على القدرة على الاستخراج من الآبار، ومعدل الاستخراج الأمثل للنفط من البئر، ومن ثم مع ارتفاع سعر النفط لا يقابله زيادة مناسبة في المعروض من النفط، فتزيد الضغوط على الأسعار نحو الارتفاع بصورة أكبر، ذلك أنه لكي تنخفض الأسعار، لا بد وان يحدث زيادة في المعروض من النفط، وهي مسألة في غاية الصعوبة، خصوصا عند بلوغ مستويات الاستخراج معدلاتها القصوى، حيث تعتمد الزيادة في العرض في هذه الحالة على معدلات الاستكشاف للآبار الجديدة والتطوير للآبار الحالية، وهي مسألة تأخذ وقتا طويلا.
- الجمود النسب في الطلب على النفط، حيث يتسم النفط بشكل عام بانخفاض مرونته بالنسبة للسعر، بمعنى آخر فإن ارتفاع سعر النفط لا يترتب عليه انخفاض في الكميات المطلوبة منه، وانخفاض سعر النفط لا يؤدي إلى ارتفاع الطلب عليه، وذلك بعكس الكثير من السلع الأخرى، التي يترتب على تغير أسعارها استجابة الكميات المطلوبة منها على نحو كبير، وهو ما يعني ان التقلبات السعرية سوف تكون أكبر مع أي تغيرات في الكميات المعروضة من النفط.
هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى هامشية، بقي ان أشير إلى ان سعر نفط دولة معينة يعتمد على درجة خفة أو ثقل النفط الذي تنتجه، أو بمعنى أدق نسبة المواد المتطايرة التي يمكن إنتاجها منه، فكلما ازدادت نسبة المنتجات المتطايرة التي يمكن إنتاجها من النفط، كلما ارتفع سعره، وكلما ازدادت درجة ثقل النفط المنتج، كلما انخفض سعره، ويصدر المعهد الأمريكي للنفط American Petroleum Institute، تصنيفا للنفوط الدولية حسب درجة خفتها أو ثقلها، وفقا لصيغة رياضية يطلق عليها API Gravity، على سبيل المثال فإن النفط العربي الخفيف يحمل تصنيف API 340 (34 درجة)، ونفط غرب تكساس يحمل تصنيف API 39.60 ، وكلما ارتفع التصنيف كلما ازداد السعر والعكس. وتستخدم صيغة المعهد الأمريكي للنفط في تحديد عدد براميل النفط الخام التي توجد في كل طن متري من الإنتاج من البئر، وبناءا على ذلك فإن نفط غرب تكساس سوف يكون أعلى في السعر من النفط العربي الخفيف.
وأخيرا فليعذرني القراء اذا ما قصرت في تناول أي مصطلح من المصطلحات في الظروف الحالية التي تمر بها مصر والتي تؤثر على تفكيري بصورة جوهرية، إن لكم أخوان في مصر يتعرضون الآن للاعتداء أموالهم وعلى عرضهم من قبل المجرمين الذين يستغلون الانفلات الأمني الحالي، ادعوا لأخوانكم، اللهم احفظ مصر، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.