السبت، يناير ٠١، ٢٠١١

2011 عام جديد

أتذكر عندما كنت صغيرا أن يوم رأس السنة كان يوما يأتي بعد فترة طويلة جدا كأنها دهر، وكنت يوم رأس السنة اسرح بخيالي الصغير لكي أتذكر يوم رأس السنة الماضي، فأجدني أمر بمسافة زمنية هائلة جدا، اثني عشر شهرا طويلة جدا، لدرجة أنني كنت اعتقد –من فرط طول السنة الماضية- أنني لم اعش سوى السنة الماضية بأيامها الطويلة. بالفعل كان اليوم شيء مختلف ومسافة زمنية تختلف تماما عن تلك التي أعيشها اليوم.

بالأمس فقط فوجئت بأننا على أعتاب سنة جديدة، وأن أوراق سنة 2010 قد انتهت، وأن 2010 أصبحت جزءا من الماضي الذي انتهي اليوم، وأنني لن اعد اكتب في مراسلاتي تاريخا ينتهي بـ 2010، فعدت بخيالي مرة أخرى لكي أتذكر يوم رأس السنة الماضي، وما مر فيها من أحداث، فوجدت أنني لا أتذكره بالفعل، وبأنني ربما عشت عدة سويعات في السنة الماضية، أو ربما عدة دقائق في 2010، ووجدتني اسأل نفسي كيف مرت 365 يوما بهذه السرعة الفلكية.

في علم الاقتصاد الوقت له ثمن، وثمن الوقت هو تكلفة الفرصة البديلة للوقت، أو الأجر الضائع في نظير كل ساعة فراغ لا يعمل فيها الانسان، ليقضي وقته خارج العمل، ويقسم علماء الاقتصاد الوقت الى نوعين، ساعات العمل وأوقات الفراغ، وبالنسبة للاقتصاديين فإن أوقات الفراغ تعد سلعة، وهي من السلع العادية Normal goods، أي السلع التي يزيد الطلب عليها مع زيادة مستويات الدخول. 

وعندما ترتفع مستويات الأجور تصبح تكلفة الفرصة البديلة لأوقات الفراغ مرتفعة حسب درجة ارتفاع مستويات الاجر، وهنا يفرق علم الاقتصاد بين أثرين لارتفاع مستويات الاجور على اختيارات الشخص:

- الأثر الاول وهو أثر الاحلال Substitution effect ويقصد به انه مع زيادة مستوى الأحر يميل الناس الى احلال اوقات الفراغ بأوقات العمل، أي أنهم يطلبون ساعات عمل أكثر، ويقل طلبهم على الساعات التي يقضونها في حالة فراغ يستمتعون بأوقاتهم بالطريقة التي تروق لهم.  

- الأثر الثاني وهو أثر الدخل Income effect، ويقصد به انه عند ارتفاع مستويات الاجور وانفاق الفرد لوقت اطول في العمل فإن دخله يرتفع وتتحول تفضيلاته نتيجة لذلك فيبدأ أثر الدخل في العمل، حيث يفضل الأفراد في هذه الحالة خفض الطلب على ساعات العمل وقضاء مزيد من الوقت في حالة الفراغ مستندين في ذلك الى ارتفاع مستويات دخولهم التي تؤمن لهم احتياجاتهم بدون حاجة الى قضاء وقت طويل في العمل. وهو ما يبرر الكثير من القرارات التي يتخذها البعض بالتقاعد، حتى قبل بلوغ السن القانوني للتقاع، على سبيل المثال نجد بيل جيتس صاحب شركة مايكروسوفت يقرر اعتزال العمل كرئيسا للشركة، ويكتفي بما ستدره عليه حصته في رأس مال الشركة في المستقبل، وهي ثروة خيالية، مفضلا ان يقضي بقية اوقات حياته في العمل الخيري ومساعدة غير المحظوظين من الناس في شتى انحاء العالم.

إنه مزيج من أثر الدخل وأيضا تناقص المنفعة الحدية للنقود، فعندما تزداد ثروة الشخص يقل تقديره لكل مليون اضافية تضاف الى ثروته، وعند مستوى معين تصبح الثروة مجرد ارقام في محفظة ثروته لا أكثر ولا أقل. على سبيل المثال نجد أن وارن بوفيت أكبر الاشخاص في العالم من حيث الثروة يقرر تخصيص ثروته بالكامل لمؤسسة بيل جيتس للأعمال الخيرية، وعندما سألوه عما سيترك لأولاده من بعده، فأجاب ببساطة عدة مئات من الآلاف من الدولارات، معلقا، ان عليهم ان يبذلوا جهدا ليبنوا انفسهم مثلما فعل هو. فلسفة، قد ينظر اليها البعض على انها ضرب من الجنون، ولكنه قانون تناقص المنفعة الحدية للنقود كما يخبرنا علم الاقتصاد.

بالطبع ديننا الحنيف لا يقر مثل هذه التصرفات في الثروة، فالثروة هي حق الابناء أو الأقارب بعد وفاة الشخص، فعن عامر بن سعد بن أبي وقاص، أن أباه أخبره أنه مرض عام الفتح مرضا أشفى منه على الموت، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده وهو بمكة، فقال: يا رسول الله، إن لي مالا كثيرا، وليس يرثني إلا ابنتي، أفأتصدق بثلثي مالي قال: ' لا ' قال: والشطر ؟ قال: ' لا ' قال: ' الثلث والثلث كثير، إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس. إنك لن تنفق نفقة إلا أجرت فيها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك'. من المؤكد أن ورثة وارن بوفيت سوف يلعنونه بعد موته على أنه تركهم على هذه الحال وهو ينظرون الى ثروة والدهم تذهب لأشخاص غيرهم.  

أعود الى حالتي، إن معظم وقتي الذي اقضيه حاليا، اقضيه في العمل، لذا لم اعد اشعر بوقع الزمن، الذي تمر ساعاته الطوال وأنا أمام شاشة الحاسوب. هل هو أثر الإحلال الذي يجعلني افضل قضاء وقتي في العمل سعيا وراء المال؟، بالتأكيد لا، فدخلي والحمد لله مرتفع، وكل كتاباتي لا أتقاضى عليها أي أجر تقريبا، ربما هو أثر الأذواق Tastes على الطلب على ساعات العمل، الذي يعطي الاحساس بالمتعة في قضاء الوقت في حالة عمل واضافة شيء جديد الى معلوماتي أو إلى معلومات بعض من يقرؤون لي.

أنا اليوم أشعر بأن وقع الزمن قد تغير تماما عن الماضي، فأصبح أكثر سرعة، أو أن الأرض، كما يبدو لي، أصبحت تدور بسرعة اكبر مما مضى بحيث أصبحت الـ 24 ساعة مجرد عدة ثوان تمر يوما وراء الآخر، وسنة تلو الأخرى، والعمر يمر أمام الإنسان كأنه شريط سريع من الذكريات حتى يلقى الله سبحانه وتعالى. لم يعد في الوقت بركة، وقد قل الاحساس بأثر الزمن في حياة الإنسان سوى على شكله أو ملامحه، والتي لا يمكن ان تخفي أثر الزمن، واليوم بداية سنة جديدة، أدعو الله أن تمر علينا جميعا بخير وسلام وبركات من الله سبحانه وتعالى، كل عام وانتم جميعا بخير.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق