الخميس، يناير ٢٧، ٢٠١١

كي لا يتكرر المشهد التونسي في مصر

على الرغم من انطلاق الأحداث التي حملت شعار "يوم الغضب" أمس الأربعاء 25/1/2011، والذي وافق عيد الشرطة في مصر، والذي لم يحتفل به أحد، تعالت الأصوات بأن المشهد التونسي في سبيله إلى أن يتكرر في مصر، وان ثورة الشعب في تونس ضد حاكمه هي كرة الثلج العظيمة التي تتجه الآن نحو مصر، فإنني شخصيا لم اشك لحظة في أن الموضوع لن يتطور أكثر من مجرد انتفاضة محدودة ستنتهي بإيصال رسالة محددة إلى النظام السياسي في مصر. الرسالة التي توجهها هذه المظاهرات التي انتشرت في معظم أنحاء مصر هي:

- أن هناك بطالة مرتفعة، خصوصا بين صفوف الشباب، من الخريجين الذين يعدهم النظام التعليمي الحالي، ليكتشفوا بعد ذلك أنهم غير مؤهلين لسوق العمل الذي يطمحون بأن يعملوا فيه.

- أن هناك تضخما مرتفعا للغاية يأكل دخول الناس ويدمر قوتهم الشرائية، ويقصم ظهور الفئات المحدودة الدخل بصفة خاصة، والذين من الواضح أنهم يعانون بصورة كبيرة منذ فترة طويلة من الزمن، دون ان يروا ردود فعل مناسبة من جانب الحكومات المتعاقبة، لمكافحة هذه الضغوط التضخمية والذود عن الطبقات الكادحة.

- أن الحكومات المتعاقبة لم تبذل الجهود اللازمة لحل المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الناس، في الوقت الذي تقوم فيه بنشر التقارير عن الأداء الاقتصادي على نحو لا يعكس الواقع الذي يعيشه أو يشعر به معظم الناس، وبالشكل الذي يجعل من يقرأ هذه التقارير يميل الى الاعتقاد بأنها تصف التطورات في دولة أخرى غير مصر.

- أن هناك فسادا ينتشر على نطاق واسع، ومثبت في التقارير المحلية والدولية، ومن المعلوم أن الفساد هو العدو الأول للتنمية، لأنه كفيل بإجهاض أي جهود تنموية تهدف إلى رفع مستويات الدخول والرفاهية لعموم الشعب، لأن الفساد سوف يحول تلك الجهود لصالحه، ويحول مسار النمو نحو جيبه الخاص.

- أن هناك ضغوطا على حق ممارسة الناس لحريتهم في الاختيار، وان الحزب الحاكم يستأثر بالسلطة لنفسه على نحو أصبح يأخذ شكلا فاضحا، وقد بدى ذلك أكثر وضوحا في الانتخابات الأخيرة، حيث كان هناك لاعبا وحيدا فقط في الشارع، أو الذي أريد له أن يكون اللاعب الوحيد في الانتخابات، وهو أمر على الرغم من خطورته، لا يبدو أنه يثير حفيظة أي سياسي في الحزب الحاكم، وهو سوء إدراك فظيع، لأن مثل هذه الأخطاء التاريخية  هي اكبر تهديد للحزب الوطني نفسه.

- أن الأوضاع العامة غير مريحة للجميع وأن الناس تشعر أنها تستحق حكومات أفضل، وبرامج أفضل من تلك التي تنفذها الحكومات المتعاقبة.

تبقى الاشارة إلى أنه على الرغم من تكرار المظاهرات في مصر بصورة شبه متكررة، ومن وقت لآخر، من جانب جهات محددة في الماضي، إلا أن ما حدث يوم 25 يناير كان مختلفا، فلم يكن هناك قيادة محددة لما حدث، أو لافتة يمكن ان يعزى إليها المسئولية عن تنظيم ما حدث، وأن ما تم كان على درجة عالية من التنظيم والوعي، وأن من سار في تلك المظاهرات لم يعمد إلى أي تخريب للممتلكات، أو الخروج على القانون، واكتفى بالتعبير عن رأيه بصورة سلمية جدا، وبدرجة من الوعي مرتفعة جدا.

على الجانب الآخر، ربما كانت هذه هي المرة الأولى التي أشهد فيها الأمن المصري يتصرف بهذه الصورة السلمية مع المتظاهرين. صحيح ان الأمن قد تدخل بعد ذلك واستخدم القوة لفض تلك المظاهرات، حينما شعر بأن هناك نية لمحاولة الاستمرار في التظاهر على نحو مشابه لما حدث في تونس، وأن الخوف من تطور الأوضاع على نحو خطير اقتضى ضرورة الحسم للحد من تدهور الأوضاع على نحو أسوأ، إلا أن الصورة التي تعامل بها الأمن طوال اليوم مع المتظاهرين هذه المرة، لم تكن هي الصورة المعهودة من جانبه في مثل هذه المواقف، وهو تطور أراه ايجابي جدا.

ليس لدي شك في أن الرسالة قد وصلت إلى النظام، ومن المؤكد ان النظام السياسي في مصر يدرس هذه الظاهرة الجديدة نسبيا على مصر، ويدرس كيفية الرد وخياراته المختلفة، ولا أعتقد ان الحكومة ستصنع "أذن من طين وأذن من عجين" كما يقول المثل الشعبي المصري هذه المرة، لأن استمرار الأوضاع الحالية على ما هي عليه هو أمر في منتهى الخطورة، بالنسبة للنظام السياسي بالدرجة الأولى، إنه ببساطة شديدة أمر غير مستدام، وهو أيضا غير مقبول من أحد، بالطبع عدا المستفيدين من استمرار الأوضاع الحالية. في رأيي أن النظام مطالب الآن، أكثر من أي وقت مضى، ببحث الخيارات الممكنة للتغيير، وأنه لا يمكن تجاهل ما يحدث.

وأخيرا، لقد حان الوقت الذي يوضع فيه المواطن المصري البسيط، والشاب الصغير المقبل على الحياة على رأس أولويات الحكومة، وأن على الحكومة أن تفهم أن تبني سياسات للتحرير الاقتصادي ورفع درجة كفاءة الاقتصاد، لا ينبغي أن يكون على حساب المواطن البسيط، وانما يجب أن يصب في صالحة بالدرجة الأولى، لا في صالح الفئات ذات الدخل المرتفع، حتى لا يتكرر المشهد التونسي في مصر، رغم أنني من أشد المؤمنين بأن احتمال تكرار المشهد التونسي في مصر لا يتجاوز نسبة الصفر في المائة.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق