يعتقد أن المافيا نشأت في صقلية في ايطاليا، في أواخر القرون الوسطي، وذلك من خلال قيام الإقطاعيين بتأجير مجموعات من الرجال الأقوياء، والذين استقلوا فيما بعد وكونوا مجموعات مستقلة في المناطق الريفية يمارسوا فيها هذا النشاط الاجرامي. وفي شكلها الحالي فان المافيا عبارة عن مجموعات محلية بينها نوع من الاتحاد، وغالبا ما تكون هناك علاقة قرابة بين أفراد المجموعة الواحدة، أو تتكون هذه الصلة بمجرد أن ينضم عضو جديد إلى المجموعة، ويتمثل الصمت المطلق عن أنشطة المافيا بالإضافة إلى الطاعة العمياء لنسق الترتيب القيادي في المجموعة أهم القواعد المتعارف عليها بين الأعضاء، وفي العشرينيات والثلاثينيات من هذا القرن ازدهرت أنشطة المافيا في المناطق الريفية في صقلية، وقد حاول النظام الفاشستي في ايطاليا القضاء عليها عندما اجتاح صقلية في الحرب العالمية الثانية.
ومع هجرة الصقليين في نهاية القرن التاسع عشر بدأت تمارس المافيا أنشطتها في العديد من المدن الكبرى في الولايات المتحدة، وقد ترتب على عمليات المنافسة بين اسر المافيا إنشاء نوع من التقسيم المتعارف عليه حول مناطق النفوذ، ويتم الاتفاق عادة أما بالتفاوض أو بالإرهاب. ويعتقد انه خلال الثلاثينيات تم إرساء الهيكل المؤسسي الذي يشكل الجريمة المنظمة في الولايات المتحدة والذي يتكون من عشر عصابات هي:
1. The Vito Genovese Family
2. The Carlo Gambino Family
3. The Gaetano Lucchese Family
4. The Giuseppe Magliocco Family
5. The Joseph Bonanno Family
6. Buffalo, New York Organization
7. Rhode Island and Boston, Massachusettes Organization
8. The Mafia Organization in the Tampa, Florida, Area
9. The Mafia Organization in the Detroit Area
10. Chicago-Italian Organization
وتنتشر أنشطة المافيا عبر معظم دول العالم تقريبا، وقد يصل نفوذها الى مستوى مرتفع بحيث تهدد نفوذ الحكومات الرسمية، أو بالصورة التي تمكنها من السيطرة على مجريات الأمور في المقاطعات الجغرافية التي تفرض سيطرتها عليها. على سبيل المثال تسيطر المافيا حاليا على معظم أنشطة الأعمال والصناعة في مدن صقلية. كذلك شكلت عصابة مافيا كالي Cali ( نسبة إلى مدينة كالي في كولومبيا ) المستلم الأساسي لإيرادات المخدرات من الولايات المتحدة، وحتى وقت قريب كانت تلك العصابة مسئولة عن 80% من الكوكايين الذي يباع في شوارع الولايات المتحدة. وتتم السيطرة على هذه الأموال من خلال مجموعة من المحاسبين المهرة، والذي يتبعون القواعد المصممة بواسطة زعماء عصابة مافيا كالي لتتبع اثر كل دولار في الشبكة الدولية لعملية نقل الأموال التابعة لهم، ويتم نقل مليارات الدولارات سنويا إلى كولومبيا وبصفة خاصة كالي، والتي تستخدم في شراء أصول حقيقية في النهاية. على سبيل المثال فان ناطحات السحاب الحديثة تملأ سماء كالي، كما انه لم يتم بناء أي منها من خلال القروض العقارية.
وحينما اصدر قانون سرية البنوك في الولايات المتحدة والذي يقضي بضرورة ملأ تقرير عن المودعات التي تزيد عن 10000 دولار، قامت العصابة بتشكيل شبكة جديدة لعمليات غسيل إيرادات تجارة المخدرات. وفي البداية اتبعت العصابة أسلوبا يطلق عليه الـ smurfing حيث يتم تأجير العديد من الأشخاص للانتقال بين البنوك المختلفة وإيداع مبالغ نقدية تقل قليلا عن 10000 دولار، وبحسبة بسيطة فان مجموعة من عشر أشخاص smurfs يمكنها أن تنتقل بين عشرة بنوك يوميا وبالتالي إيداع مليون دولار يوميا، ومن ثم تحويلها بسهولة إلى الخارج، غير أن هذا النظام اصبح غير مناسب ومرتفع المخاطرة مع تحقيق عصابة كالي السيطرة على تجارة الكوكايين في الولايات المتحدة في التسعينيات، وارتفاع أرباح تجارة المخدرات بصورة كبيرة.
ولكي تحل جانبا من مشكلات التحويل لديها قام تجار المخدرات بشراء أسطول طائرات ضخمة مثل البوينج 727، وقد تم استخدامها في نقل الكوكايين إلى المكسيك وكندا والبرتغال وجنوب أفريقيا وكذلك للبيع في الولايات المتحدة وأوروبا. وعندما يتم تفريغ الكوكايين يتم شحن الطائرات بالدولارات من أرباح التجارة والتي تصل في بعض الأحيان بين 20-30 مليون دولارا عائدة إلى كولومبيا، وقد استمرت عمليات شحن الطائرات بالنقد باعتبارها الوسيلة الأساسية لنقل النقود. وقد استعملت العصابة وسائل أخرى مثل التحويلات البريدية وتزييف فواتير التجارة الخارجية وغيرها من الأساليب. إلا أن القبض على زعماء عصابة كالي في عام 1995 وإصدار قانون غسيل الأموال في كولومبيا أدى إلى التأثير على حجم الأموال التي تعود إلى كولومبيا.
وترتفع معدلات الأرباح على إنتاج المواد المخدرة بصورة كبيرة بالمقارنة بباقي الأنشطة الاقتصادية في دراسة عن تجارة الهيروين في أربعة مدن هي نيويورك ونابولي وباريس ولندن وجد أن هوامش الربح هي 370% للمستوردين، 135% لتجار الجملة، 90% للموزعين، 54% للمتعاملين في الشوارع street dealers و 40% للمتعاملين بالوزن weight dealers أما الموزعين على المستهلكين فيحققون معدلات ربح تصل إلى حوالي 12%.
وبسبب هذه الأرباح الضخمة أصبحت منظمات تجارة المخدرات ثرية وقوية بمرور الوقت بالدرجة التي جعلت منها منافسا للحكومات الشرعية في الكثير من الدول من حيث القدرة على التأثير والسيطرة. حيث تستخدم أموالها وثرواتها الضخمة في أضعاف الحكومات والمؤسسات التجارية. وهو ما يعبر عن حالة كولومبيا والى درجة كبيرة المكسيك، وتستغل الجريمة المنظمة الفساد الإداري لتحقيق الكثير من أهدافها، وهي مشكلة لا تقتصر على الدول النامية فقط بل تعاني منها أيضا الدول المتقدمة. ففي الدول النامية عادة ما تكون مرتبات رجال الأمن منخفضة، ويصعب على البعض مقاومة إغراء المال في ظل تلك الظروف، أو مقاومة سطوة عصابات المافيا، كما قد لا تتوافر للسلطات الأمنية في الدول النامية الخبرة أو الموارد الكافية التي تمكنها من تتبع أنشطة منظمات تجار المخدرات، وهو ما قد يجعل منها هدفا لتلك المنظمات الغنية.
ولقد ترتب على عملية تدويل النشاط المالي على المستوى الدولي إلى خلق سبل جديدة لنقل أرباح الجريمة المنظمة على المستوى الدولي. فمع ازدياد حجم التجارة الدولية ازداد الاعتماد على وسائل الاتصال المتقدمة تكنولوجيا، وبنفس الدرجة أيضا ازداد اعتماد عصابات الجريمة المنظمة على تلك الوسائل. وتعتمد الكثير من منظمات الجريمة حاليا على التحويلات السلكية لنقل الأموال بين البنوك المختلفة عبر العالم. على سبيل المثال فان اتحادات تجار المخدرات في أمريكا الشمالية على درجة عالية من التنظيم ويسلكون نفس سلوك الشركات عابرة الجنسيات.
ولا يمكن التصرف في كافة النقود التي يتم تكوينها من خلال عصابات الجريمة المنظمة في عمليات توزيع مباشرة للأرباح بين المشاركين في تلك العصابات. كذلك فان استخدام بطاقات الائتمان والشيكات لسداد قيم صفقات ضخمة قد يؤدى إلى لفت انتباه السلطات القانونية، ومن ثم فان أسرع أساليب التصرف في هذه الأموال هو استخدام التحويلات السلكية الدولية بالرغم من أن ذلك قد يتضمن استخدام خدمات البنوك الرسمية في هذه العملية. إذ يسهل مع ضخامة عدد التحويلات التي تتم يوميا إخفاء تلك التحويلات، وتعد هذه التحويلات أسهل واقل مخاطرة بالمقارنة بالنقل المادي للنقود الذي عادة ما يكون ناجحا، إلا انه بطيء ويحمل في طياته مخاطر غير مقبولة.
وحينما تخرج أرباح الجريمة المنظمة ويتم غسلها فإنها تعود في اغلب الأحوال إلى بلد الأصل لكي تستخدم في دفع التكاليف المختلفة مثل الأجور والرشاوى والعمولات وغيرها من التكاليف، أو قد تستخدم في الاستثمار في الأنشطة القانونية، أو في شراء العقارات أو في أسواق المال. وبالمقارنة فان عملية ضبط ومصادرة النقود القذرة عند الخروج تعد اسهل نسبيا من ضبطها أو تسجيلها في رحلة العودة لان التحويلات إلى الداخل تكون في هذه الحالة قانونية، ومن ثم يصعب توفير الدليل القانوني لتبرير الضبط والمصادرة في هذه الحالة.