يعد النفط أهم مصادر توليد الطاقة في العالم حاليا، وهو أكثر المصادر كثافة للطاقة، بعد اليورانيوم، وقد فشلت بدائل النفط حتى هذه اللحظة في أن تحل محله نظرا لفقدانها الكثافة التي يتمتع بها النفط، فضلا عن أنها لا تحقق معدلات العائد التي يحققها الاستثمار في استكشاف وإنتاج النفط، وهناك أبحاث علمية تشير إلى أن العالم مقدم على كارثة إذا لم يتوصل لمصدر بديل للنفط، حيث لا يمكن للعالم ان ينمو حليا بدون وجود كميات كافية من الطاقة تتماشى مع احتياجات هذا النمو، ويتزايد الحديث اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن العالم بدأ بالفعل يعيش، أنه انه اقترب من أن يعيش عند نقطة الذروة النفطية.
مصطلح الذروة النفطية من المصطلحات التي يساء فهمها على نطاق واسع، حيث يفهمها البعض على أن النفط قد نفد من العالم، وهذا غير صحيح، فالتقديرات المتاحة حاليا تشير إلى أن العالم اكتشف حوالي تريليوني برميل من النفط، استهلك نصفها خلال القرن ونصف الماضي، وهناك حوالي تريليون برميل من النفط ما زالت في باطن الأرض في صورة احتياطيات نفطية، غير أن الصورة الأكثر واقعية للنفط الآن هي أن العالم قد قام بتطوير الجانب الأكبر من المكامن النفطية السهلة، أو ما يطلق عليه النفط الحلو، وأن الاحتياطيات المتاحة في هذه المكامن هي الآن في طريقها الآن نحو الانخفاض. فما هي الذروة النفطية؟
الذروة النفطية هي مصطلح ادخله عالم الجيولوجيا الأمريكي الشهير M. King Hubbert والذي استطاع ان يتنبأ بالذروة النفطية في الولايات المتحدة في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، حيث تنبآ هبرت في عام 1956 بأن إنتاج النفط في 48 ولاية أمريكية سوف يصل إلى الذروة في 1970، وقد كانت هذه التنبؤات صحيحة، كذلك فإنه تنبأ بأن يصل العالم إلى الذروة النفطية في عام 2000، ويقصد بالذروة النفطية بلوغ عملية الاستخراج من النفط لمستوياتها القصوى، ولتي تأخذ بعدها عمليات الاستخراج في التراجع، بسبب أن النفط مورد ناضب أو غير متجدد، ومن ثم فإنه مع كل برميل يتم استخراجه من باطن الأرض يتراجع المخزون ومن ثم الإنتاج النفطي من مكامن النفط ببرميل واحد، ويمكن تصوير الذروة النفطية باستخدام الشكل البياني الذي يأخذ شكل الجرس، حيث أنه مع تزايد عمليات الاكتشافات النفطية تزداد الاحتياطيات النفطية المتاحة للاستخراج في باطن الأرض، وهو ما يمكن من زيادة عمليات الاستخراج من باطن الأرض، ومع تزايد عمليات الضخ تصل معدلات الاستخراج إلى مستوياتها القصوى أي إلى الذروة Peak، ثم تأخذ عمليات الاستخراج بعد هذه النقطة في التراجع، كما يتضح من الشكل الآتي. الشكل يوضح عملية الاستخراج النفطي من منطقة بترولية مفترضة، لاحظ من الشكل أن عملية استخراج النفط تأخذ في التزايد مع تزايد عمليات الاستكشاف واضافة آبار جديدة، حتى يبلغ الانتاج نصف الاحتياطيات في المنطقة، عند هذه النقطة يصل النفط في هذه المنطقة الى ذروته (أعلى قمة الجرس)، ثم تأخذ عملية الانتاج في المنطقة في التراجع مع انخفاض عمليات الاستكشاف واضافة آبار جديدة، ونضوب النفط من الآبار القائمة، حتى يتوقف الانتاج في المنطقة تماما.
المصدر:
http://www.energybulletin.net/primer.php ومن الناحية الفنية يفترض ان عملية الإنتاج من الآبار في منطقة ما تبدأ بمعدلات محدودة نسبيا، ثم تأخذ كميات الإنتاج في التزايد مع إضافة المزيد من الآبار في المنطقة، ثم تأخذ الآبار القديمة في ضخ مزيج أكثر من الماء والنفط، وينخفض الضغط داخل الحقول، وللحفاظ على معدلات الاستخراج تقوم الشركات النفطية بحفر آبار جديدة في نفس المنطقة، أو ضخ غاز أو ماء في الآبار للحفاظ على الضغط داخل الآبار، وكذلك تطبيق تقنيات إنتاج حديثة. غير أنه في النهاية فإن نسبة النفط في مزيج النفط والماء تأخذ في التراجع وتتزايد بالتالي تكاليف إنتاج النفط بصورة عالية، ويتوقف الإنتاج من المنطقة عندما تزيد التكاليف عن الإيرادات المتوقعة من الإنتاج فيتوقف الإنتاج نهائيا.
من الواضح ان بلوغ نقطة الذروة يتطلب شرطا أساسيا وهو أن تكون معدلات النمو في الاستكشاف الجديدة من الحقول النفطية اقل من معدلات النمو في الاستخراج، بمعنى آخر، إذا كانت معدلات النمو في الاستكشافات الجديدة من النفط اكبر من معدلات استخراج النفط من باطن الأرض، فإن ذلك يعني أنه ما زال هناك بعض الوقت حتى بلوغ الذروة النفطية، بينما عندما تنمو معدلات الاستخراج بصورة اكبر من معدلات النمو في الإضافات الجديدة من الاحتياطيات النفطية، على سبيل المثال عندما يكون النمو في الاستكشافات هو بمعدل برميل واحد يوميا، بينما نقوم بإنتاج برميلين من الاحتياطيات الحالية، فإن ذلك يعني بدء مرحلة الذروة النفطية، حيث يصبح من الصعب ان نقوم بعمليات الضخ عند نفس المعدلات السابقة، ومن ثم يميل الإنتاج العالمي من النفط نحو التراجع، ولكن لماذا لا تنمو الاستكشافات بمعدلات تتماشى مع النمو في الإنتاج؟ ان السبب في ذلك يرجع إلى ان النفط يعتبر مصدرا من مصادر الطاقة غير المتجددة Non-renewable، حيث يتطلب الأمر ملايين السنين لتكوين النفط، ونحن لا نملك هذه الفسحة من الوقت لتكوين احتياطيات جديدة من النفط. إذ يقدر العلماء بأن النفط الذي في باطن الأرض تكون على مدى 90 مليون عاما، بينما استخرج العالم في القرن ونصف الماضي حوالي نصف تلك الاحتياطيات، أي أننا في قرن ونصف فقط استهلكنا نصف ما تم إنتاجه عبر أكثر من 90 مليون عاما.
ولكن متى ستحدث الذروة النفطية، هناك اختلاف كبير بين المحللين في هذا المجال، فالبعض يرى أننا لن نصل إلى هذه النقطة أبدا، حيث ان الطور التكنولوجي سوف يمكننا من تطوير طرق أفضل للاستكشاف وتطوير الآبار، أو لاستغلال مليارات البراميل من النفط المذاب في الرمال النفطية حاليا .. الخ. بينما يرى البعض الآخر أن هذا الكلام هو نوع من الهراء نظرا للحجم الهائل من الاستهلاك العالمي للنفط والذي ينذر بانهيار الاحتياطيات النفطية في العالم في غضون فترة زمنية قصير من الوقت، بينما يرى البعض الآخر أننا ربما قد تجاوزنا بالفعل النقطة الزمنية للذروة النفطية، ويستدلون بذلك على ان اكبر منتج للنفط في العالم وهو المملكة العربية السعودية لم يعد لديها أي طاقة فائضة للإنتاج، وإذا بلغت المملكة هذه النقطة، فإن ذلك يعني أن العالم قد بلغ بالفعل مرحلة الذروة النفطية.
شخصيا، أميل إلى تصديق وجهة النظر الأخيرة، ولدي قلق بالفعل بأن العالم مقبل لا محالة في المستقبل القريب على، ان لم يكن قد بدأ بالفعل يواجه، الذروة النفطية، خصوصا وأن الطلب على النفط ينمو بمعدلات كبيرة حاليا من مصادر غير تقليدية للطلب في الدول الناشئة مثل الصين والهند، ومثل هذه الدول تنمو بمعدلات نمو استثنائية لم يشهدها تاريخ النمو في الدول الصناعية، ولكن الأمر المؤسف هو ان هذا النمو يتم على حساب استهلاك كميات هائلة من الثروة النفطية في العالم.
خلاصة التحليل السابق هي ان الذروة النفطية سوف تؤدي إلى وجود فجوة بين العرض من النفط والطلب عليه، وأن هذه الفجوة لابد أنها سوف تنعكس على الأسعار، فوفقا للمبادئ البسيطة لقوى العرض والطلب، عندما يزيد الطلب بمعدل أسرع من معدل نمو العرض، فان الأسعار لا بد وأن تميل نحو الارتفاع، والعالم الآن يضع المزيد من السيارات على الطرق يوميا بمعدلات غير مسبوقة، ولذلك تتسابق شركات النفط العالمية لمحاولة البحث عن المكامن النفطية في قاع المحيط وعلى بعد أميال تحت سطح البحر، وفي منطقة القطب الشمالي في ظروف مناخية قاسية جدا، وكذلك في مناطق الرمال النفطية، حيث ترتفع تكلفة استخراج النفط بصورة كبيرة، إذ تحتاج عملية استخراج برميل من النفط طاقة غاز تعادل الطاقة المستخرجة من 3 براميل نفطية. إن آثار هذه الاتجاهات في الصناعة النفطية والمتمثلة في الاحتياطيات المحدودة، وصعوبة اكتشاف مكامن جديدة للنفط، وصعوبة تكرير النفط الخام تعني أن تكلفة استخراج النفط من مكامنه سوف تميل نحو الارتفاع، ولكن ما هي دلالات الذروة النفطية لنا هنا في الخليج؟
الإجابة هي ان لها دلالات هامة جدا، أهم هذه الدلالات هي أننا قد بدأنا بالفعل نجتاز مرحلة النفط الرخيص، وان استمرارنا في الضخ بمعدلات الإنتاج الحالية يعني أننا نهدر جانبا كبيرا من ثروتنا النفطية بأسعار رخيصة، لأنه ما أن يبدأ أثر الذروة النفطية في السريان على مستوى العالم، فإن أسعار النفط سوف تقفز نحو السماء، حتى يجد العالم بديلا للنفط، وهي مهمة من الواضح ان العالم يواجه فيها صعوبات شديدة للغاية حتى الآن، ومن ثم فإن علينا ان ننتج من النفط ما يتساوى مع احتياجاتنا المالية فقط، ذلك أن إنتاج نفط أكثر من حاجاتنا المالية سوف يعني تحويل النفط من صورته الخام في باطن الأرض، تلك الثروة النادرة، إلى احتياطيات نقدية على السطح، لتواجه العديد من المخاطر مثل مخاطر التضخم وغيرها من المخاطر.
هناك بعض المداخل في اقتصاديات الموارد الطبيعية الغير متجددة، مثل النفط، تحدد حجم الإنتاج من هذه الموارد من خلال المقارنة بين معدل النمو المتوقع في أسعار النفط ومعدل العوائد المتوقعة على الفوائض النفطية المحققة من عمليات إنتاج وبيع النفط. على سبيل المثال إذا كان معدل النمو المتوقع في أسعار النفط اكبر من معدل العوائد المحققة على تلك الفوائض، فيجب في هذه الحالة تخفيض الإنتاج من النفط والاحتفاظ به في باطن الأرض، والعكس.
بعض المصادر
http://economyofkuwait.blogspot.com/2009/10/blog-post_21.html
http://www.energybulletin.net/primer.php
http://peakoil.com/generalideas/what-is-peak-oil-%E2%80%93-everything-you-should-know/
http://www.peak-oil-news.info/what-is-peak-oil/
السلام
ردحذفوضعت يدك على الجرح
و لكن... تخفيض الانتاج أمر مستحيل و ليس بيد دول الخليج
هو قرار للدول العظمى و خاصة أمريكا
الله يعين هذه الشعوب حين تفاجأ بأن النفط انتهه
و السلام