الثلاثاء، مارس ٠٦، ٢٠١٢

إيران خارج نظام سويفت 1


نشر في صحيفة الاقتصادية بتارخ الثلاثاء 6/3/2012

انشغل العالم في الأسبوع الماضي بإعلان شبكة سويفت أنها جاهزة لعزل البنوك الإيرانية من استخدام خدمات النظام، والتي تعد الحالة الأولى التي يتم فيها قطع خدمات الشبكة عن النظام المصرفي لدولة في العالم منذ أن تم إنشاء النظام، وقد أشار المحللون إلى أن القرار يعد أنه اقسى ضربة تم توجيهها إلى إيران حتى الآن. البعض الآخر ينظر إلى القرار على انه سوف يؤدي إلى تدمير الاقتصاد الإيراني الذي يواجه صعوبات جمة حاليا بسبب العزلة التي يفرضها العالم عليه لوقف البرنامج النووي الإيراني.

الخطوة سوف تمنع ايران من إصدار أوامر دفع أو تلقي رسائل تحصيل لأموال أو تحويل لأموال إلى ايران، ووفقا لآخر التقديرات المتاحة عن عدد الرسائل المالية التي أرسلت من والى ايران عبر نظام سويفت في 2010 هي 2 مليون رسالة. كذلك يتوقع المراقبون ان يؤدي القرار إلى التأثير على سوق النفط الخام، وذلك استنادا إلى الاعتقاد بأنه من الممكن ان يترتب عليه توقف عمليات تصدير النفط الإيراني إلى الخارج بسبب عدم قدرة المشترين على سداد قيمة هذه الصادرات وعدم قدرة ايران على تحصيل قيمة صادراتها من خلال استخدام النظام. مثل هذا الخفض في الإنتاج الإيراني يمكن أن يؤثر على العرض العالمي ومن ثم يمكن ان يتسبب في ارتفاع كبير في أسعار النفط خصوصا وأن الدول النفطية تنتج حاليا عند طاقتها القصوى تقريبا وان فرص تعويض النفط الإيراني في السوق العالمي للنفط تعد محدودة، وبلا شك فإن ارتفاع أسعار النفط في هذه المرحلة التي يمر بها العالم تأتي في الوقت غير المناسب تماما، حيث من الممكن ان يعقد من الأوضاع الاقتصادية للعالم المعقدة أصلا بفعل الأزمة.

بعض المراقبين يبالغ في تأثير القرار بالقول بأنه سوف يمحو ايران من النظام المالي العالمي بصفة خاصة اذا تم قطع خدمات النظام عن البنك المركزي الإيراني، حيث أن الإجراء سوف يعزل ايران بصورة جوهرية ويحرمها من رؤوس الأموال اللازمة لتمويل برنامجها النووي، ولكن ما هو نظام سويفت؟

سويفت هي الأحرف الخمسة الأولى لعبارة Society for Worldwide International Financial Telecommunication (SWIFT)  وترجمتها مجتمع الاتصالات المالية الدولية عبر العالم، وقد تم إنشاء النظام في عام 1973 بين 7 بنوك وبمرور الوقت اتسع نطاق النظام بحيث أصبح يخدم حاليا حوالي 10000 بنك ومؤسسة مالية في 210 دولة في العالم، وبدون الدخول في تعقيدات فنية، فإن نظام سويفت هو في جوهره نظام للرسائل المالية بين المؤسسات المالية في العالم. معنى ذلك ان مجموعة سويفت لا تنقل الأموال بذاتها وإنما يسمح نظامها من خلال النقل الآمن للرسائل المالية للمؤسسات المالية بأن تقوم بتحويل الأموال بين الحسابات بصورة اتوماتيكية استنادا إلى تلك الرسائل، ومن هذا المنطلق فإن نظام سويفت يسهل عملية تسوية المعاملات الدولية بتكلفة منخفضة وفي وقت قياسي وفوق كل ذلك بصورة آمنة، ولذلك تستخدمه كل بنوك ومؤسسات العالم المالية تقريبا، ويقدر إجمالي عدد الرسائل المالية اليومية التي يتم إرسالها من خلال النظام في عام 2010 بحوالي 18 مليون رسالة (أو حوالي 6.6 تريليون رسالة في ذلك العام) يتم من خلالها نقل تريليونات الدولارات يوميا عبر أنحاء العالم.

منذ فترة طويلة والولايات المتحدة تحاول تطبيق عقوبات على البنوك الإيرانية، وقد كان إقدام سويفت على الخطوة بإيعاز من الاتحاد الأوروبي والذي طلب من المجموعة عزل ايران ماليا، كما كانت الولايات المتحدة قد طلبت من المجموعة ذلك من قبل، غير أن مسئولي سويفت يتحججون بأن قطع الخدمات عن إيران إنما يأتي تطبيقا للنظام الأساسي للمجموعة. فوفقا لنظام سويفت يمكن حرمان أي طرف يترتب على استخدامه لخدمات النظام التأثير على اعتمادية أو سمعة سويفت، ويقصد بذلك أساسا المعاملات المالية التي تشمل عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وأنشطة التخصيب النووي الحساسة وتطوير نظم تؤدي إلى إنتاج أسلحة نووية. من هذا المنطلق تستند سويفت إلى نظامها الأساسي في تبرير عزل ايران عن النظام، غير أنه من الواضح ان المجموعة تعرضت لضغوط شديدة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. على أي حال من وجهة نظري فإن القرار يعد خطيرا لعدة أسباب:

الأول هو أن القرار يعد عملية تسييس واضحة لنظام يفترض انه نظام عالمي مفتوح لكافة دول العالم بغض النظر عن أيديولوجيتها أو نظامها السياسي، والذي يفترض أساسا أنه نظام محايد يجب ألا يتأثر بأي تحولات في السياسة العالمية، خصوصا تلك الخاصة بالقوى الكبرى، ومن ثم فإن مجموعة سويفت تضر بسمعتها وحيادها أمام العالم حيث يفترض ألا تكون مثل هذه النظم طرفا في أي نزاعات دولية من أي نوع.

الثاني هو أن هذه الخطوة يمكن ان يكون لها انعكاسات سلبية على النظام نفسه وذلك من خلال إقدام دول العالم على البحث عن نظام مواز يحمي الدول من أي تدخلات سياسية في عمله حتى لا يتحيز النظام ضد دولة مهما كان الدافع وراء عملية العزل، ذلك أن استخدام نظام سويفت في الحرب ضد ايران لن يحول دون تكرار استخدامه في المستقبل ضد دول أخرى، وهو ما يفتح باب التحفظات على مدى اعتمادية النظام الذي يمكن ان يصبح أداة في يد الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، فهذه أول مرة يتم استخدام نظام أعمال عالمي خاص بطبيعته في الحرب ضد دولة من دول العالم.

الثالث أن قرار المجموعة بالدخول طرفا في الحرب على ايران يضم المجموعة إلى قائمة الأسلحة التي يمكن ان تستخدمها الولايات المتحدة في حربها ضد أي دولة في العالم وذلك من خلال الضغط على سويفت لعزل من ترى عزله وترك من ترى تركه، ومثل هذا النظام لا يمكن أن يقدم أساسا مستقرا للتدفقات المالية العالمية القائمة على الأغراض التجارية بالدرجة الأولى.

الرابع أن مثل هذا الإجراء ربما يؤدي إلى آثار عكسية تماما حيث لن يزيد ايران إلا عزما وتصميما على مواجهة الولايات المتحدة، وقد يكون رد الفعل الانتقامي هو تسريع حصول ايران على القنبلة النووية خصوصا وأن الشواهد تشير إلى ان ايران أصبحت قريبة جدا من هذا الهدف، ولنا في تجربة كوريا الشمالية الكثير من العبر، فعلى الرغم من كل ما فعله الغرب لعزل وتركيع كوريا الشمالية اقتصاديا، إلا ان ما اتخذه الغرب من خطوات لم يزد هذه الدولة إلا عنادا وإصرارا عل مواجهة المجتمع الدولي بأي ثمن.

ولكن السؤال الأهم في هذا النطاق هو هل فعلا سوف يترتب على الخطوة خنق ايران ماليا؟ هذا ما سوف أتناوله في الجزء الثاني من هذا المقال في الأسبوع القادم بإذنه تعالى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق