الثلاثاء، مارس ٢٧، ٢٠١٢

جدل حول الذهب 2: الفقاعة السعرية


نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الثلاثاء 27/3/2012

في الأسبوع الماضي تناولنا وجهة النظر الأولى حول الذهب كأصل عقيم غير منتج ولا يولد عوائد بذاته، وقد أشرنا إلى أنه مع ذلك فإن أسعار الذهب ترتفع بصورة كبيرة في المتوسط أكثر من أي اصل استثماري حاليا، فهل يعني ذلك أن الذهب يعاني من فقاعة سعرية؟ وجهة النظر الأولى التي عرضناها في الأسبوع الماضي والتي تمثل رأي المستثمر العالمي وارن بوفيت هي أن الذهب يمر بالفعل بمرحلة فقاعة سعرية، ولكن ما هو مفهوم الفقاعة السعرية Price Bubble، فهو مصطلح يتردد كثيرا، من وقت لآخر، بصفة خاصة عندما تحدث أزمة.

الكتابات العلمية في مجال فقاعات الأصول تميل إلى الاتفاق على أنه من الصعب الحكم على ما إذا كان أصل ما يعاني من فقاعة سعرية أم لا، لذلك لا بد من اللجوء إلى بعض التحليلات المتقدمة للحكم على مدى وجود الفقاعة من عدمه، على سبيل المثال فإن تحليل السلاسل الزمنية لسعر الأصل الاستثماري الذي يشير إلى أن الأصل تميل أسعاره إلى الارتفاع السريع ثم ينهار بصورة حادة بعد ذلك هو أصل يعاني من فقاعة سعرية.

بعض وجهات النظر الأخرى ترى أنه لا يمكن الحكم بصورة مباشرة على وجود فقاعة سعرية في الأصل الاستثماري بصورة مباشرة، وأنه لا بد من الانتظار لبعض الوقت للتأكد من أن الأسعار الحالية للأصل مبررة بالتدفقات النقدية له، وبشكل عام هناك تعريفات عديدة للفقاعة السعرية، على سبيل المثال يعرف شارلز كندلبرجر الفقاعة السعرية بأنها الحالة التي يحدث فيها تحرك لسعر الأصل نحو الارتفاع خلال مدى زمني متسع نسبيا ثم ينهار سعره بعد ذلك.

البعض الآخر يعرف الفقاعة السعرية بأنها ارتفاع حاد في أسعار أصل استثماري محدد أو مجموعة من الأصول وبصورة مستمرة بحيث يترتب على الارتفاعات المبدئية للأصل تغذية التوقعات بمزيد من الارتفاعات في المستقبل، وهو ما يجذب مستثمرين جدد إلى سوق الأصل الاستثماري مندفعين أساسا نحو تحقيق أرباح من التداول في الأصل، أي من خلال الإتجار فيه وليس بسبب قدرة الأصل على توليد عوائد من الأساس. معنى ذلك أن هذا التعريف ينص على أن أسعار الأصل الذي يواجه حالة فقاعة تكون أساسا غير مبررة بالعوائد التي يتم تحقيقها على الأصل.

بعض الاقتصاديين حاول ربط الفقاعة السعرية بالعوامل الأساسية التي تحدد سعر الأصل مثل التدفقات النقدية المتوقعة للأصل، ومعدل الخصم .. الخ التي يتحدد على أساسها سعر الأصل الاستثماري، ووفقا لهذا المدخل فإن الفقاعة السعرية هي الحالة التي يتجه فيها سعر الأصل نحو التزايد بصورة لا تبررها العوامل الأساسية Fundamentals المحددة له. وعندما لا تعكس أسعار الأصول تدفقات العوائد النقدية المتوقعة فإن ذلك يعكس حقيقة إما أن التوقعات حول التدفقات النقدية المستقبلية للأصل غير عقلانية، أو أن معدل الخصم المستخدم في خصم الإيرادات النقدية المتوقعة لحساب السعر العادل للأصل غير مناسب. معنى ذلك أن تعريف الفقاعة وفقا لهذا المدخل يعتمد على ما اذا كان سعر الأصل مبرر بالتدفقات النقدية المستقبلية له أم لا، فإذا اتجهت أسعار الأصل نحو الارتفاع خارج هذا النطاق فإن الأصل يواجه حالة فقاعة سعرية، وبالتالي فإن تعريف الفقاعة هو الحالة التي يوجد فيها انحراف لسعر الأصل السوقي عن السعر العادل للأصل الذي يجب أن يتحدد بالعوامل الأساسية.

ولكن لماذا تنشأ الفقاعة السعرية؟ إن الإجابة على هذا السؤال نجدها في النماذج السلوكية للمتعاملين في الاصول الاستثمارية والتي تأخذ بشكل عام أربعة تفسيرات أساسية لوجود الفقاعة السعرية؛

·         التفسير الأول يتمثل في انحراف معتقدات المستثمر حول القيمة العادلة للأصل الاستثماري مقارنة بسعر الأصل السوقي.

·         التفسير الثاني ينطلق من طلب المضاربين على الأصول والذي يستند إلى أحدث اتجاهات سعر الأصل في السوق، مع وجود اعتقاد  بأن الأسعار الحالية للأصل سوف تستمر في الزيادة في المستقبل.

·         التفسير الثالث يفترض أن المضاربين يعانون من تحيز ذاتي، حيث يهتمون بالإشارات السعرية التي تتماشى مع ما يؤمنون به من معتقدات حول الأصل، بينما في ذات الوقت يهملون تلك التي لا تتوافق مع توقعاتهم أو ما يتمنونه حول اتجاهات الأسعار في المستقبل، الأمر الذي قد يسبب مبالغة في أسعار الأصول.

·         أما التفسير الرابع فيفترض أن المستثمرين يبالغون في الاستجابة لأي أخبار تلفت انتباههم، على الرغم من أنها قد لا تحمل أي معلومات مفيدة، وهو ما يدفعهم إلى المبالغة في ردة الفعل في حول الأصل، أو ربما يكون لدى المضاربين قدر كبير من التحفظ في الاستجابة، بحيث تكون استجابتهم بطيئة لعمليات التصحيح للنموذج الخاطئ الذي يستخدمونه في تحديد قرار الإقبال على شراء الأصل من عدمه، وذلك استنادا إلى الإشارة المناسبة التي تأتيهم من الواقع الذي يتعاملون فيه.



تاريخ الفقاعات السعرية في كافة الأزمات المالية التي مر بها العالم يشير إلى أن المستثمرين، أو بالأحرى المضاربين الذين عاشوا حالة الفقاعة لم يكونوا يقومون بإدارة محافظهم الاستثمارية على نحو جيد أو رشيد، وأنهم غالبا ما يتجاهلون الإشارات السوقية، على سبيل المثال بالرغم من ميل أسعار الأصل للتزايد على النحو المثير للقلق، فإن هذه الإشارات السعرية لا ينظر الهيا المتعاملون على أنها إشارات سلبية، بالعكس لقد كان الجميع يرحب بالانتفاخ السعري ويدلل به على سلامة الموقف الذي اتخذه من الأصل الاستثماري. مثل هذه المواقف الاستثمارية قد تكون راجعة إلى نقص الخبرة أو نقص المعلومات أو عدم ملائمتها، أو التحليل الغير ملائم لها أو سلوك القطيع Herd behavior حيث يسير المستثمر وراء المتعاملين في السوق أينما ذهبوا وبصورة عمياء، باعتبارها استراتيجية للحماية ضد المخاطر، وهي استراتيجية يطبقها قطيع الحيوانات في الغابة أو الأسماك في البحار بسير الجميع في اتجاه واحد في ذات الوقت للحماية ضد هجمات الوحوش المفترسة. لذلك دائما ما سنجد أن قانون سوق المال في أي دولة يؤكد على ضرورة توافر المعلومات الكاملة للمتعاملين في سوق الأصول لتجنب فجوات المعلومات.

ولكن هل كل الفقاعات السعرية لها نفس الأثر على الاقتصاد الحقيقي، الإجابة هي لا، فبعض الفقاعات كان تأثيرها عميقا ومنتشرا للغاية مثل فقاعة أسعار المساكن في الولايات المتحدة التي مهدت إلى انطلاق أزمة مالية شملت العالم كافة وتسببت في الكساد الحالي، وقد يكون تأثير الفقاعات محدود للغاية على الاقتصاد الكلي مثل فقاعة الإنترنت في 2000. في الأسبوع القادم نتناول تحليل البيانات الفعلية لاتجاهات أسعار الذهب، بإذن الله تعالى.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق