الثلاثاء، مارس ١٣، ٢٠١٢

إيران خارج نظام سويفت 2


نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الثلاثاء 13/3/2012

تناولنا في الأسبوع الماضي بالتحليل قرار مجموعة سويفت منع إيران من استخدام نظامها للرسائل المالية والأبعاد المختلفة لهذا القرار. وتبقى السؤال الأساسي وهو: هل سيؤدي منع إيران من استخدام النظام إلى خنق إيران ماليا؟ إجابتي عن هذا السؤال ببساطة شديدة لا. بالطبع ستكون للقرار آثار سلبية على النظام المصرفي الإيراني والاقتصاد الإيراني والعملة الإيرانية ومستوى معيشة الإيرانيين، لكن القرار لن يسقط إيران ماليا، لأن القرار في جوهره، كما ذكرنا في الأسبوع الماضي، يعني حرمان إيران من استخدام الرسائل المالية من خلال نظام سويفت، وهي حاليا الوسيلة الأساسية التي تلجأ إليها المؤسسات المصرفية والمؤسسات المالية الأخرى في العالم في تسوية مدفوعاتها.

معنى ذلك أن هذا المنع لا يمنع إيران من استخدام الوسائل الأخرى، غير سويفت، في تسوية مدفوعاتها إلى الخارج وتسلم قيمة ما تصدره من نفط، صحيح أن الوسائل الأخرى ستكون أكثر تكلفة وأبطأ في التنفيذ وأكثر مخاطرة من نظام سويفت، وهو ما يعني أن قرار سويفت سيرفع من تكلفة المعاملات المالية التي تقوم بها إيران، لكنه لن يمنعها. فقبل شيوع نظام سويفت كان العالم أيضا يقوم بإجراء معاملاته المالية بطرق عديدة، لكنها بشكل عام كانت أبطأ وأقل في درجة الأمان ومكلفة نسبيا، وهي المزايا التي تتوافر في نظام سويفت والتي تسببت في انتشاره. والآن ما الأساليب التي يمكن أن تلجأ إليها لمواجهة قرار منعها من استخدام نظام سويفت؟ من بين أساليب عديدة يمكن لإيران اللجوء إلى الآتي:

أولا: استخدام اتفاقيات التبادل الثنائية، التي تأخذ شكل مبادلات السلع والخدمات وفقا لنظام المقايضة، كأن تصدر إيران نفطا مثلا إلى الهند أو الصين وتستورد في مقابل قيمته سيارات أو سلعا منزلية، دونما أي حاجة إلى تسوية قيمة هذه المعاملات بصورة مالية، فالعملية في جوهرها عملية مقاصة لا تتطلب استخدام النقود، ولا تتطلب اللجوء إلى نظام سويفت. غير أن أهم عيوب هذا الأسلوب أن إيران ستواجه صعوبات عدة أهمها أنها ربما لن تتمكن من بيع كامل حصتها النفطية وفقا لهذا النظام أو قد تضطر إلى قبول أسعار أقل من الأسعار السوقية لمستهلكي النفط الإيراني، كما أن مثل هذا الخيار سيكون مناسبا في حالة واحدة وهي إذا كانت قيمة الصادرات والواردات من إيران وإليها متساوية أو شبه متساوية، فيما عدا ذلك فإن عملية المقاصة سيترتب عليها تحقيق فائض أو عجز لدى أي من الطرفين، وهو ما يقتضي ضرورة الاتفاق على آلية لتمويل هذه الفوائض للطرفين خارج نطاق نظام سويفت.

ثانيا: لجوء البنوك الإيرانية إلى فتح حسابات خاصة مع البنوك الأخرى في العالم بحيث تتم تسوية المعاملات بين إيران والعالم من خلال هذه الحسابات، وهو ما يطلق عليه تسويات ما بين البنوك Inter-bank settlements، وذلك من دون الحاجة إلى اللجوء إلى نظام الرسائل المالية سويفت.

ثالثا: عودة البنوك الإيرانية إلى استخدام نظم التحويلات التقليدية مثل استخدام خدمات التحويل المالية السلكية لإرسال الأموال واستقبال التحويلات إلى إيران أو استخدام تحويلات التلكس، أو حتى من خلال استخدام رسائل البريد الإلكتروني، لكن مشكلة هذه الوسائل أنها ليست بكفاءة نظام سويفت نفسها.

رابعا يمكن لإيران إقناع أصدقائها باستخدام بنوكها التجارية أو حتى بنوكها المركزية لتمرير المعاملات المالية الإيرانية من خلال نظام سويفت، لكن تحت اسم هذه الدول، وذلك للالتفاف حول قرار المنع، على سبيل المثال يمكن لإيران بمساعدة حزب الله في جنوب لبنان استخدام تأثيره في بعض البنوك اللبنانية لتمرير جانب من المعاملات الإيرانية من خلال نظام سويفت، من ناحية أخرى فإن شريك سويفت الإقليمي AEG يوجد في بيروت ويقدم خدمات سويفت لأكثر من 400 بنك في الشرق الأوسط وإفريقيا، ولا شك أن حزب الله له نفوذ داخلي في كثير من المؤسسات المالية اللبنانية، الذي يمكن من خلاله ولوج إيران إلى النظام المالي العالمي، أو أن تتولى البنوك التجارية العراقية أو السورية القيام بهذه المهمة، كما أنه لا شك أن هناك عديدا من البنوك المركزية في العالم التي تتبع لدول لها علاقات مضطربة مع الولايات المتحدة أو ذات الصلة اللصيقة بإيران قد تكون مستعدة لأن تتولى القيام بهذه العملية نيابة عن إيران، على سبيل المثال البنوك العراقية والسورية والفنزويلية. المشكلة الأساسية التي يمكن أن تواجهها إيران في هذا الخيار هي ضرورة أن تتم عملية توزيع معاملاتها المالية على هذه البنوك حتى تبدو المعاملات التي تجريها هذه المؤسسات على نظام سويفت طبيعية، وهي مسألة صعبة نظرا لضخامة التحويلات التي تتم من إيران وإليها، كما أنه ربما تتردد تلك المؤسسات في القيام بهذه المهمة خوفا من أن تتعرض لمخاطر العقوبات من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، أو أن تتعرض هي الأخرى لإجراء مماثل من جانب سويفت.

خامسا، يمكن أن تلجأ إيران إلى استخدام خدمات المؤسسات المالية في مراكز الأوفشور لتتولى تسوية المعاملات المالية التي تقوم بها نيابة عنها، ومن المعلوم أن المؤسسات المالية في مراكز الأوفشور أقل خضوعا للنظم والقوانين التي تنظم أعمال القطاعات المالية في العالم، مقارنة بالمؤسسات المالية الأخرى في العالم.

سادسا، وهو أصعب الخيارات من حيث التطبيق، أن تقوم إيران بتطوير نظام المدفوعات والمقبوضات الخاص بها، الذي من خلاله يمكنها أن تستمر في التعامل مع العالم الخارجي والوصول إلى النظم المالية الدولية، وهي مهمة في غاية الصعوبة.

الخلاصة هي أنه لن تعدم إيران الوسيلة للالتفاف حول قرار سويفت بمنعها من استخدام نظام الرسائل المالية الخاص بها من خلال العديد من الحلول، غير أن هذه الحلول ستكون بالطبع حلولا مكلفة مقارنة بالتكلفة التي تدفعها إيران حاليا من خلال استخدام نظام سويفت، لكن بالتأكيد عندما يتصل الأمر بالشريان المالي الأساسي للاقتصاد الوطني فإن أي تكلفة ستتحملها إيران في استخدام الخيارات البديلة لسويفت ستكون قليلة بالنسبة للعوائد التي ستعود عليها من تجنب المقاطعة المالية لها، ومما لا شك فيه أن التجربة الإيرانية في التعامل مع قرار سويفت ستكون غنية بالنسبة للدول التي يمكن أن تتعرض لاحقا لإجراء مماثل من جانب سويفت، فما ستتفتق عنه قريحة الإيرانيين من أفكار في هذا المجال وما ستلجأ إليه إيران من حلول سيشكل الأرضية التي يمكن أن تتحرك على أساسها أي دولة أخرى يمكن أن تتعرض لمثل هذا الإجراء مستقبلا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق