الأحد، فبراير ٢٠، ٢٠١١

على من سيأتي الدور في العالم العربي

نشر في صحيفة القبس بتاريخ الاثنين 28/2/2011.
منذ اندلاع أحداث تونس والتي عرفت بثورة الياسمين، حيث استطاع الثوار إسقاط الرئيس بن علي، الذي حكم تونس لمدة 23 عاما، في 23 يوما فقط، والتقط الشباب في مصر خيوط الثورة، فقاموا بثورتهم السلمية في مواجهة واحد من أعقد النظم الديكتاتورية في العالم، والتي حظيت بدعم كافة فئات الشعب بعد ذلك، نتيجة تدهور الأوضاع في عهد مبارك إلى الحد الذي دفع الشارع إلى الانفجار مع أول دعوة للتمرد، حيث تمت إزاحة النظام عن السلطة هذه المرة في 18 يوما فقط، فإن هاتان الثورتان حفزتا الجماهير في ست بلدان عربية أخرى هي الجزائر وليبيا واليمن والأردن والبحرين وبصورة محدودة في المغرب، نحو إعلان التمرد على نظم الحكم القائمة، غير أن هناك فرقا جوهريا بين ثورة الجماهير في الأردن والبحرين والمغرب وباقي الدول الست. فالثورة في الدول الأخيرة ليست لإزاحة النظام الملكي الحاكم، أو هكذا يعلن الثوار، وانما لإزاحة الحكومة الحالية في تلك الدول، إضافة إلى المطالبة ببعض الإصلاحات السياسية الأخرى، وهي مهمة أراها سهلة نسبيا، فتغيير حكومة وإجراء بعض الإصلاحات السياسية ليست بالأمر الصعب أو المستحيل، مقارنة بالبديل الأسوأ.

الثورة في الجزائر وليبيا واليمن هي ثورة على نظم رؤساء، وليست ضد النظم الملكية، والتي أثبتت التجارب التاريخية في منطقتنا العربية أنا أكثر استقرار من النظم الرئاسية، وإن كانت الثورة في بلدين منها هما ليبيا واليمن هي أيضا ثورة على محاولة تعديل النظام الرئاسي الحالي، وذلك بفرض نظام ملكي لأسرة الرئيس، مثلما كان يخطط الرئيس السابق حسني مبارك بتوريث إبنه جمال مبارك سدة الحكم من بعده، لتتحول مصر من مملكة أسرة محمد على (سابقا) إلى مملكة أسرة محمد حسني مبارك (مستقبلا)، غير أن الثورة السلمية للشباب المصري قضت تماما على أحلام الأسرة وفقا هذا السيناريو، ومن ثم تطالب هذه الثورات الثلاث بتغيير النظام الرئاسي الحالي، أي رحيل الرؤساء الحاليين في هذه الدول الثلاث.


حتى كتابة هذا المقال، تتعقد الأوضاع بصورة واضحة في ليبيا واليمن والبحرين وعلى نحو ملفت للنظر، وهو ما يثير السؤال المهم، من سيقع أمام ضغط الثوار في هذه الدول أولا؟ كاقتصادي، لا أستطيع ان أتنبأ باحتمالات توقيتات وترتيب حدوث ذلك حاليا، ولكن الجدول التالي يعقد مقارنة طريفة بين الست دول استنادا إلى بيانات تنشرها مجلة الأكونوميست.


حيث يمكن الاسترشاد بالمتغيرات السابقة في رسم صورة، ولو أولية، عن ترتيب احتمالات سقوط النظم في هذه الدول، فنسبة السكان الأقل من 25 عاما إلى إجمالي عدد السكان تعطي خلفية عن مخزون عناصر الثورة في الدولة، ومتوسط نصيب الفرد من الناتج (باستخدام مدخل تعادل القوة الشرائية) يعبر عن حجم الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها السكان، حيث لعب العامل الاقتصادي دورا كبيرا في ثورتي مصر وتونس، أما مؤشرات الترتيب العالمي في مجال الديمقراطية والفساد وحرية الصحافة فتعطي خلفية عن طبيعة البيئة التي يعيش فيها الناس ومدى القهر الذي يتعرضون له، وأخيرا مؤشر عدم الاستقرار الذي يوضح مدى هشاشة النظام.

تحليل هذه البيانات يوحي بأنه من المفترض أن يسقط النظام اليمني أولا، حيث أنه الأكثر عرضة وفقا لهذه المؤشرات، يليه النظام الليبي ثم النظام في الجزائر في النهاية. غير أنه لا يمكن التكهن بما سوف يحدث على أرض الواقع، حيث سيعتمد مسار الأحداث في تلك الدول على عدة عوامل أهمها أسلوب مقاومة السلطات للثوار فيها (كلما ازدادت حدة مقاومة السلطات للثوار كلما ازداد احتمال سقوط النظام)، ودرجة القمع التي سيتعرض لها الثوار (كلما ازدادت درجة القمع كلما ساعد ذلك على سرعة سقوط النظام)، ودرجة ذكاء الحكومات في التعامل مع المطالب الجماهيرية (كلما ارتفعت درجة ذكاء الحكومات في التعامل مع المطالب الجماهيرية كلما قل احتمال سقوط النظام)، والأهم من ذلك كله، مدى إصرار الثوار على التغيير (كلما ازدادت درجة إصرار الثوار على إسقاط النظام كلما ازدادت احتمالات سقوطه). أعتقد أن أقسى نظام سيواجه الثوار هو النظام الليبي، واقلهم قسوة على الثوار سوف يكون النظام الجزائري.


اليوم تأتينا الأخبار من ليبيا بسقوط المئات من القتلى والجرحى في بني غازي، وهو ما دعا بعض المراقبين إلى الاعتقاد بأن ورقة ليبيا سوف تسقط أولا، ولكن الرئيس الليبي ربما يكون مستعدا للتضحية بعدد كبير من الثوار من أجل بقاء نظامه دون ان يخضع للضغوط الخارجية، حيث يختلف هذا الرئيس الثوري تماما عن باقي الرؤساء الذين تقوم ضدهم الثورة حاليا، كما أن النظام الليبي لديه إمكانيات مادية ضخمة يستطيع ان يشتري بها فئات كثيرة من الشعب الليبي ويؤلبهم على المتظاهرين، وربما تساعد الحالة الميسرة للشعب الليبي في أن تمنع قطاعات كبيرة من الشعب الليبي من النزول إلى الشارع، أو على الأقل يمكن أن تضمن حيادها أو استهجانها لتلك الاحتجاجات التي يقوم بها المتظاهرين، وأخيرا فإن قوات الأمن في ليبيا ربما تكون أكثر ولاء للرئيس الليبي، مقارنة بالوضع في أي بلد آخر. لهذه الأسباب أعتقد ان النظام الليبي لن يسقط قبل أن يرتكب اكبر المجازر في تاريخ الثورات العربية الحالية. وربما ينهار النظام بسرعة أكثر مما يتصور الجميع.


وأخيرا فإنه بغض النظر عما سيحدث، وهو ما سوف تطلعنا عليه الأيام القادمة، فإن رياح التغيير السياسي قد هبت على العالم العربي، ولن تتركه قبل ان يتحول إلى عالم حر، بعد ان كنا نوصف بأننا نعيش في أكثر بقاع العالم ديكتاتورية.

هناك ٥ تعليقات:

  1. مقالة جميلة وواضحة واتوقع انه حتى وان لم تتم الاطاحة باي من هذه النظم فان تغييرات جذرية لدى هذه الدول ستتم وبشكل سريع ولكن كلما زاد تباطؤ هذه النظم الرئاسية في اتخاذ اجراءات التغيير اللازمةكلما زادت نسبة اطاحته

    ردحذف
  2. Salam;
    It will be nice if you could show the same statistics for Egypt and Tunisia
    I think the numbers for Tunisia was beyond expectation!
    Thanks for the wonderful post
    Salam

    ردحذف
  3. أ.د. محمد ابراهيم السقاالأحد, فبراير ٢٠, ٢٠١١

    شكرا عبد الله
    شكر ريم أتفق معك

    ردحذف
  4. أ.د. محمد ابراهيم السقاالأحد, فبراير ٢٠, ٢٠١١

    Thank you
    I did and also extended the analysis a little bit. Thank you for your comment

    ردحذف