الثلاثاء، فبراير ١٥، ٢٠١١

مصطلحات اقتصادية 3: المرض الهولندي Dutch Disease

شاع استخدام مصطلح المرض الهولندي بعد نشر مقال في الأكونوميست في عام 1977 يحمل هذا الاسم ويصف التجربة الهولندية مع هذا المرض. المرض الهولندي ليس مرضا بالمعنى المتعارف عليه، بقدر ما هو ظاهرة اقتصادية تحدث في دولة ما نتيجة تطورات اقتصادية معينة يترتب عليها ارتفاع قيمة عملة هذه الدولة، ومن ثم تراجع التنافسية الدولية لها، أو تحول الموارد فيها عن إنتاج السلع التي كانت تنتجها وتصدرها الدولة من الناحية التقليدية نحو قطاعات أخرى، ويسمى بالمرض نظرا لتأثر الإنتاج المحلي من الصادرات أو سلع التجارة (السلع التي يتم تصديرها للخارج) Tradables سلبا نتيجة لهذه التحولات، غير أن أكثر استخدامات المصطلح هي على الحالة التي يتم فيها اكتشاف مورد طبيعي معين مثل النفط أو الغاز، الأمر الذي يترتب عليه تراجع الصادرات التقليدية الأخرى سلبا نتيجة لذلك.

أما سبب إطلاق الجنسية الهولندية على هذه الظاهرة أو المرض فتعود إلى أنها أول حالة يتم تشخيصها تحت هذا المصطلح، ففي الستينيات من القرن الماضي اكتشفت هولندا كميات ضخمة من الغاز الطبيعي داخل حدودها في بحر الشمال، وترتب على هذه الأخبار السارة تطورات سلبية على أحد المتغيرات الاقتصادية الكلية فيها وهو الجلدر الهولندي (عملة هولندا في ذلك الوقت)، حيث أخذت قيمة الجلدر في التزايد بفعل تزايد إيرادات الصادرات من الغاز، الأمر الذي جعل الصادرات الصناعية الهولندية غير تنافسية فبدأت في الانخفاض، وهو ما ترتب عليه تراجع النمو في القطاع الصناعي أو ما يطلق عليه de-industrialization، وعندما تم تشخيص هذه المشكلة في 1977 أطلق عليها عبارة المرض الهولندي. غير أن هولندا استطاعت ان تخرج من حالة المرض الهولندي بسرعة.

وعادة ما يتم تقسيم القطاعات في الاقتصاديات التي تتعرض للمرض الهولندي إلى 3 قطاعات هي قطاع التصدير من المنتجات الجديدة والذي يواجه حالة الرواج، وقطاع التصدير من المنتجات التقليدية الذي يتأثر سلبا بحالة الرواج في القطاع الأول، ويمثل هذين القطاعين قطاع التجارة (مع الخارج) Tradables، وقطاع السلع التي لا تتم المتاجرة فيها Non-tradables، مثل الخدمات، وعندما يحدث المرض الهولندي، فإن قطاعي السلع التي لا تتم التجارة فيها، وقطاع الصادرات الجديد الذي يواجه حالة الرواج ينموان على حساب قطاع الصادرات من السلع التقليدية الذي يتأثر سلبا نتيجة للمرض.

ويمكن ان ينشأ المرض الهولندي إما من خلال ما يسمى بأثر الإنفاق Spending effect، أو من خلال أثر انتقال الموارد Resource movement effect. ولشرح الفرق بين الأثرين، افرض ان دولة ما اكتشفت كميات كبيرة من النفط على أرضها، سوف يترتب على عمليات تصدير النفط زيادة في الدخول ومن ثم ارتفاع في المستوى العام للأسعار، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع معدل الصرف الحقيقي لهذه الدولة، (انخفاض عدد السلع والخدمات التي يمكن ان يتم شراءها منها باستخدام وحدة نقد أجنبية مثل الدولار مقارنة بالوضع السابق)، ويؤدي ارتفاع معدل الصرف الحقيقي لهذه الدولة إلى تراجع تنافسية صادراتها، وهو ما يترتب عليه تراجع النمو في قطاع الصادرات التقليدي فيها، وهكذا يترتب على تغير إنفاق (أثر الإنفاق) الأجانب على صادرات الدولة تراجع قطاع تصديرها التقليدي.

أما اثر انتقال الموارد فيقصد به (في المثال السابق) مزيد من انتقال عناصر الإنتاج مثل العمل ورأس المال نحو قطاع الخدمات مثلا، أو تحول هذه العناصر نحو إنتاج السلع التي لا يتم الاتجار فيها لمواجهة الطلب المحلي المتزايد عليها وعلى القطاع النفطي. ويترتب على هذا الانتقال انخفاض حجم الإنتاج في قطاع التصدير التقليدي للدولة. على سبيل المثال ترتب على اكتشاف النفط في الكويت، نمو قطاع تصدير النفط، كما ازداد الطلب على قطاعات أخرى مثل الخدمات والإسكان وقطاع المال.. الخ، غير أن قطاعا تجاريا تقليديا آخر قد تأثر بصورة سلبية نتيجة لذلك، وهو صناعة صيد وتصدير اللؤلؤ والتي اندثرت تماما في الكويت، بعد ان كانت الكويت إحدى الدول الرائدة فيها، بينما نمت قطاعات السلع التي لا تتم المتاجرة فيها على نحو كبير، وذلك نتيجة أثر انتقال الموارد.

أخيرا، على الرغم من أن المرض الهولندي هو ظاهرة ترتبط من الناحية الكلاسيكية باكتشاف الموارد الطبيعية، إلا أنه يمكن أن ينشأ من أي تطورات أخرى يترتب عليها زيادة في تدفقات النقد الأجنبي إلى الداخل، بما في ذلك زيادة أسعار السلع الأولية التي تصدرها الدولة مثل ارتفاع أسعار حبوب القهوة مثلا في الدول التي تزرع البن، أو زيادة تدفقات المساعدات الخارجية للدولة، أو زيادة تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية للدولة.






هناك تعليقان (٢):

  1. شكرا دكتور على المقالة ..

    أعتذر عن تعليقاتي القديمة إلا إني أقرأ مقالات الآن بأثر رجعي لإبتعادي عن الكمبيوتر :)

    هل من الممكن أن تصاب دولة بالمرض الهولندي و ذلك بعد تحررها من نظام دكتاتوري ؟ حيث تتحول النظرة الدولية و زيادة العمل بشفافية إلى زيادة الصادرات؟؟

    ردحذف
  2. شكرا مساعد
    ملاحظتك مثيرة للاهتمام بشكل كبير مساعد، وهي في ذات الوقت نقطة تحتاج بالفعل الى دراسة في مجال العلم.
    حسب افضل معلوماتي لم يحدث المرض الهولندي بسبب التحرر من نظام ديكتاتوري.
    ولكنها بالفعل ملاحظة ذكية جدا وتحتاج الى دراسة.
    تحياتي

    ردحذف