الاثنين، مارس ١٢، ٢٠١٢

وجهة نظر في زيادة المرتبات في الكويت


لعل مشكلة زيادة رواتب العاملين في الحكومة هي أهم القضايا التي تشغل بال الشارع هذه الأيام، خصوصا بعد إعلان الحكومة عن إقرار زيادة في رواتب العاملين في الدولة بنسبة 20%، وهو ما سيكلف الباب الأول في الميزانية العامة للدولة نحو 600 مليون دينارا. يقدر أن إقرار هذه الزيادة سوف يترتب عليه أن تصعد النفقات المخصصة للباب الأول في الميزانية إلى حوالي 5 مليار دينار لأول مرة. بهذه المستويات من الإنفاق يصبح الباب الأول من أخطر أبواب الميزانية العامة للدولة وأكثرها نموا.
ليس هناك مانع من زيادة المرتبات، بل إن زيادة المرتبات من وقت لآخر هو ضرورة أساسية للحفاظ على القوة الشرائية لدخول العاملين في الدولة في مواجهة التضخم الذي يحدث في الأسعار، معنى ذلك أن المفترض في زيادة الأجور أن يكون هدفها الأساسي هو حماية العاملين من التضخم، حتى لا تتدهور مستويات معيشتهم. غير أن زيادة الرواتب غير المدروسة قد تؤدي أيضا إلى تدهور مستويات المعيشة للعاملين على النحو الذي قد لا يدركه العاملين في الدولة عندما تتجاوز هذه الزيادات المحققة معدلات التضخم، حيث ستشكل هذه الزيادات في المرتبات عنصر ضغط على الأسعار نحو الارتفاع ومن ثم سوف يجد العاملون في الدولة انفسهم يخسرون ما حصلوا عليه من زيادات في الرواتب في صورة ارتفاع في المستوى العام للأسعار، أي أننا نعود مرة أخرى إلى نفس النقطة التي بدأنا منها قبل زيادة الأسعار. حيث التهمت الزيادات في الأسعار الزيادات التي  حدثت في الأجور.
من هنا يبدأ العاملون في الدولة بالمطالبة بزيادة أخرى في الرواتب لتعويض الارتفاع في تكلفة المعيشة، وفي حالة إقرار هذه الزيادات ترتفع اعتمادات الرواتب في الميزانية أكثر فأكثر، ومن ثم تزايد الضغوط على المالية العامة للدولة. هذا ما نسميه في علم الاقتصاد "الوهم النقدي"، حيث يهتم العاملون بمستوى دخولهم النقدية دون أن يأخذوا بعين الاعتبار أثر هذه الزيادة في الأجور على مستويات الأسعار ومن ثم القيمة الحقيقية للدخول من الناحية النقدية. الزيادات المطلوبة في الأجور ينبغي إذن أن ترتكز إلى دراسات دقيقة حول تطورات تكلفة المعيشة وأن تكون الزيادات المحققة في الرواتب متماشية مع هذه التطورات، بما في ذلك ما يحصل عليه العاملين من زيادات دورية في مرتباتهم.  
عندما نعقد مقارنة بين الزيادات التي حدثت في اعتمادات الباب الأول في الميزانية العامة للدولة سوف نجد أن متوسط معدل النمو في باب المرتبات كان أعلى من متوسط معدل التضخم، وهو ما يعني أنه إذا كان ارتفاع المستوى العام للأسعار هو الأساس الذي يستخدم للمطالبة بتحقيق زيادات عادلة في المرتبات، فإن الزيادات الحادثة في الباب الأول لم تكن مدروسة على نحو جيد، وأن الزيادات التي حققها العاملون في دخولهم كانت أحد عوامل الضغط على الطلب الكلي في الاقتصاد المحلي ومن ثم المستوى العام للأسعار، ولا شك أن أي جولة في الأسواق سوف توضح مدى الزيادات التي حدثت في أسعار معظم السلع والخدمات، ولولا قيام الدولة بدعم السلع والخدمات الأساسية لتطورت تكلفة المعيشة على نحو كبير في الدولة.
الخلاصة هي أن زيادات المرتبات أمر مهم ومطلوب، ولكنه يجب أن يكون مدروسا بعناية حتى لا يترتب على زيادة المرتبات آثار عكسية على مستوى معيشة العاملين في الدولة وضغوط على الميزانية العامة للدولة.

هناك تعليقان (٢):

  1. محمد الكندري - alkandari89@gmail.comالاثنين, مارس ١٢, ٢٠١٢

    شكرا دكتور على المقال الأكثر من رائع ...

    للأسف قرار زيادة الرواتب لم يكن مبني على دراسة اقتصادية و إنما هو قرار سياسي بامتياز. السلطة تغطي على فشلها في تطوير مرافق الدولة بزيادتها لرواتب الموظفين و التي تؤدي بدورها لزيادة مستوى الأسعار. و الدليل على ذلك هو تقديم محافظ البنك المركزي استقالته احتجاجا على عدم أخذ رأيه في الموضوع، حيث أنه من الكفاءات التي خسرتها الدولة.
    أضف إلى ذلك تأثير التوترات السياسية في الدول العربية على السلطة في الكويت حيث أنها تريد شراء محبة الناس لها برفعها للرواتب غير مكترثه بالآثار السلبية لها.

    ردحذف
  2. مشكلة زيادة الرواتب أنها لم تكن عادلة بين الفئات المختلفة واتسمت بالعشوائية، فأدت الى حالة السخط التي تراها بين مختلف العاملين في الدولة

    ردحذف