نشرت القبس اليوم الخميس 11/6/2009 تصريحا لوزير المالية السعودي بـ «إن انسحاب الإمارات من اتفاقية الوحدة النقدية الخليجية لن يؤثر على تنفيذ اتفاقية النظام النقدي وإصدار العملة الخليجية الموحدة»، وأشار إلى أن «التأثير السلبي سيكون على الدول غير الأعضاء في الاتحاد النقدي» والذي سيعطي ميزات تفاضلية للدول الأعضاء، ويعزز حركة الاستثمار والتجارة البينية، كما أنه سيعزز عملية التكامل ويعطي ثقلاً دولياً لمجلس التعاون في مقابل العملات الأخرى.
وقد أشار العساف إلى أن (اختيار الرياض مقراً للبنك المركزي الخليجي إلى أسباب موضوعية مفهومة، منها حجم الاقتصاد السعودي الذي يشكل أكثر من 50 في المائة من حجم الاقتصاد الخليجي، وكذلك حجم النقد المتداول في المملكة الذي يشكل نحو 70 في المائة من النقد المتداول في الدول الخليجية، فضلاً عن أهمية وجود البنك المركزي الخليجي بالقرب من الأمانة العامة لدول مجلس التعاون التي يقع مقرها في الرياض لناحية التكامل والتنسيق بين عمل المؤسستين). كما قال إبراهيم العساف: إن من العوامل المهمة التي رجحت كفة الرياض نشاط المملكة في المؤسسات المالية الدولية وعضويتها في كل من بنك التسويات الدولية، ومجلس الاستقرار المالي (التابع لمجموعة العشرين)، فضلاً عن تمثيلها الخاص في مجلس إدارة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ولكونها مساهماً رئيسياً في كثير من المؤسسات المالية الدولية.
جوهر تصريحات وزير المالية السعودي يشير إلى أن هناك إفراطا في التفاؤل حول مستقبل العملة الخليجية الموحدة، وتضخيما لحجم الآثار السلبية التي ستلحق بالإمارات جراء انسحابها من مشروع الوحدة وذلك اعتراضا على اختيار الرياض كمقر للبنك المركزي الخليجي بدلا من الإمارات العربية المتحدة والتي ترى أحقيتها في استضافة المقر. أين هي تلك التجارة البينية التي ستتعزز حركتها بإنشاء الاتحاد النقدي، وما هو حجمها وكثافتها، وما هي آفاقها سواء قبل إقرار الاتحاد النقدي أو بعده، وما هو الأساس الإنتاجي الذي يسندها. من ناحية أخرى هل منع تعدد العملات من تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الاقتصاد الإماراتي، وهل فعلا ستتوقف الاستثمارات الخليجية عن التدفق للإمارات لمجرد أنها ليست عضوا في العملة الخليجية الموحدة، أو حتى في مجلس التعاون الخليجي. وما هو هذا الثقل الدولي الذي ستعطيه العملة الخليجية الموحدة لمجلس التعاون في مقابل العملات الأخرى، خصوصا إذا ما علمنا أن كل اقتصاديات دول مجلس التعاون مجتمعة اقل من حيث الحجم من اقتصاد دولة متوسطة القوة الاقتصادية مثل اسبانيا.
والواقع أنه ليس مفهوما من الناحية الفنية أن الحجم هو أساس استضافة الموقع. قد سبق وأن اشرنا في أكثر من موضع إلى أن حجم الاقتصاد السعودي لا يبرر إنشاء البنك في المملكة، وأن البنك المركزي الخليجي يمكن أن ينشأ في اصغر الدول في المجلس بدون أية مشكلات. أما بالنسبة لحجم النقد المتداول في المملكة العربية السعودية فهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها، وهي التي جعلتني في أكثر من موقع أطالب بأنه إذا كانت دول مجلس التعاون تسعى فعلا لعملة موحدة، فلماذا لا تستخدم الريال السعودي باعتباره عملة أكثر أمانا واستقرار واقل مخاطرة من العملة الخليجية الموحدة المرتقبة. وقد سبق أن عددت المزايا المصاحبة لهذا الاقتراح، الذي يبدو انه من المستحيل أن يرى النور من الناحية العملية نظرا للحساسية المفرطة للاقتراح. أما حجة أن قرب موقع المؤسستين الجغرافي (الأمانة والبنك المركزي الخليجي) فهي أمر مثير للغرابة. إذا كان الأمر كذلك فقد كان الأولى إنشاء البنك الأوروبي في بروكسل. ثم ما هي المسافة الجغرافية التي تفصل بين دول مجلس التعاون قاطبة. القيود المكانية ليس لها وجود في عالم العالم اليوم.
عضوية السعودية في كل من بنك التسويات الدولية ومجلس الاستقرار المالي وتمثيلها الخاص في مجلس إدارة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، هي أمور تخص المملكة، ولا تعني أن الإمارات، كونها ليست كذلك، لا تستحق الموقع. فهذا أمر خاص بالمملكة السعودية وليس بمجلس التعاون الخليجي، ومن الناحية الفنية فان استفادة البنك المركزي المقترح من تلك المواقع التي تحتلها المملكة محدودة للغاية، ولا تعطيه أي ميزة نسبية.
كافة المبررات التي ساقها وزير المالية السعودي لا ترجح من كفة المملكة العربية السعودية في استضافة مقر البنك، ولا تبرر من جانب آخر حرمان الإمارات العربية المتحدة من استضافة المقر. والواقع أنه باستثناء الحجم لا يمكن مقارنة المزايا الديناميكية التي يتمتع بها اقتصاد الإمارات بالاقتصاد السعودي، فجميعها لصالح الإمارات، سواء من حيث مناخ الأعمال أو التنوع الاقتصادي، أو حتى حجم الأصول الخارجية، فالإمارات صاحبة اكبر رصيد للأصول الخارجية في العالم في إطار صناديق الثروة السيادية التي تملكها، ومع ذلك فان تلك المزايا، كما سبق أن ذكرنا، لا تعني تفوق الإمارات على باقي دول المجلس وأحقيتها في المقر.
المتتبع لسيناريو الأحداث يلاحظ انه قد تم تسريع عملية التوقيع على اتفاقية الوحدة النقدية والذي تم الأسبوع الماضي، ويبدو أن هناك ضغوطا على عمان لكي تنضم إلى المشروع مرة أخرى، حيث تشير الشواهد إلى أن هناك قدر اكبر من الليونة من جانب عمان حيال مشروع الوحدة النقدية، وأنها ربما تنضم إلى الاتفاقية لاحقا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق