تصاعدت في الفترة الأخيرة ما أسمي بأزمة الشاحنات المحملة بالبضائع القادمة من الإمارات إلى المملكة العربية السعودية، حتى بلغ طول طابور الشاحنات حسب بعض التقارير 35 كيلو مترا عند منفذ الغويفات الحدودي. وقد تم تبرير التشدد السعودي حسب المصادر السعودية بأنه يعود إلى أسباب أمنية التي تهدف أساسا إلى منع تهريب المخدرات والخمور إلى المملكة التي تأتي من الإمارات. بينما أشارت مصادر سعودية أن سبب معوقات انسيابية حركة الشاحنات هو عدم اكتمال المستندات والوثائق اللازمة لدخول تلك الشاحنات، وعدم توفر شروط دخول الترانزيت، فضلا عن عدم التقيد بالمواصفات الخليجية للنقل وذلك من حيث الارتفاعات والأبعاد وعدم امتثال سائقي الشاحنات لأوامر الجمارك، ولكن هل هذه المعوقات مستحدثة بالشكل الذي يبرر هذه الإجراءات الجديدة على الحدود. الأزمة على الرغم من انتهاءها إلا أنها أبرزت عدة نقاط مثيرة للاهتمام:
الأولى أن توقيت التطبيق في فصل الصيف لم يكن مناسبا على الإطلاق من الناحية المناخية، خصوصا في ظل تصاعد درجات الحرارة إلى مستويات مرتفعة، مما جعل عملية انتظار الشاحنات بالنسبة لسائقي الشاحنات في الصحراء أشبه بالانتظار في الجحيم، خصوصا في ظل عدم توافر التسهيلات المناسبة للانتظار على الحدود، وهو ما أدى خلق مأساة إنسانية لسائقي الشاحنات، الأمر الذي دفع الهلال الأحمر الإماراتي إلى تقديم الطعام والمياه لسائقي الشاحنات كما شكل الهلال الأحمر فريقا من الأطباء المتطوعين وأخصائيي الإسعافات الأولية.
الثانية: أن توقيت التطبيق تزامن مع قرار الإمارات العربية المتحدة بالانسحاب من الوحدة النقدية، الأمر الذي جعل بعض المعلقين ينظرون إلى القرار الإماراتي ورد الفعل السعودي بتشديد الرقابة على تدفقات السلع من الإمارات إلى السعودية، على انه نوع من العقاب السعودي لشقيقتها الإمارات، وهو ما نفته السعودية. وقد أشارت صحيفة جلف نيوز عن المدير العام للجمارك الإماراتية أن السعودية لم تقدم دليلا ماديا على أنه هناك مواد ممنوعة تهرب من الإمارات إلى المملكة. من ناحية أخرى أشار بعض المراقبين إلى أن هذه الإجراءات تطبق بصفة أساسية على الحدود الإماراتية وليس على الحدود الأخرى للمملكة مع باقي دول المجلس، وهو أمر لم نتأكد منه. ولكننا لم نلاحظ تقارير مماثلة على الحدود الأخرى للمملكة مع باقي دول المجلس، وربما يكون ذلك بسبب ارتفاع حجم التجارة البينية بين الإمارات والمملكة، كما دفعت الازمة البعض إلى الادعاء بأن موظفي الجمارك السعوديين يطيلون الإجراءات على نحو يبدو متعمدا من أجل خنق حركة المرور بين البلدين.
الثالثة: من المفترض أن هناك اتحادا جمركيا بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون، والذي يتكون من الدول الست الأعضاء بما فيها الإمارات كعضو، فضلا عن ذلك فان كل من المملكة والإمارات أعضاء في السوق الخليجية المشتركة، وفي ظل هذه الظروف يفترض تدفق السلع بين الدولتين بنفس السهولة التي تتدفق بها داخل الدولة الواحدة بدون أية معوقات إدارية، ومن المفترض من الناحية النظرية انه في حال نية أي دولة في اتخاذ إجراءات إضافية أن يتم إبلاغ باقي الدول الأعضاء، والتأكد من أن الإجراءات الجديدة على الحدود سوف يتم تطبيقها من خلال استعداد اكبر من الجانب الذي سيطبق تلك الإجراءات بما يضمن مرة أخرى التدفق السلس للتجارة البينية. غير انه من الناحية النظرية يفترض أن تكون كافة إجراءات الدخول واحدة في دول المجلس كونها أعضاء في سوق خليجية مشتركة.
الرابعة: أظهرت الأزمة أنه ربما تكون مشكلة حقيقية على الحدود بين دول المجلس، حيث تحتاج البنى التحتية للتجارة البينية بين دول المجلس إلى تطوير كبير بحيث تكون إجراءات الدخول واحدة، ومستندات الدخول واحدة، وإدخال نظم المعلومات الحديثة وأجهزة التفتيش الحديثة وسبل أخذ بصمات السائقين، وتوسيع المنافذ بين دول المجلس بما يضمن سرعة تخليص الإجراءات على الحدود ومن ثم ضمان سهولة تدفقات السلع بين دول المجلس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق