كل عام تقوم الأسر الصينية بادخار حوالي ثلث دخلها، وتضعها في أوعية
من خلالها تتمكن الأسر الأمريكية بالاقتراض لتغطية إنفاقها، أو الفجوة بين دخلها
وإنفاقها. في بداية التسعينيات لم يكن يتجاوز معدل الادخار في الصين 15% من الدخل
المتاح، في ذلك الوقت كان معدل الادخار في الولايات المتحدة 7%. غير ان معدلات
الادخار اخذت في التضاعف مع تبني سياسات النمو المعتمدة على التصدير، والهجرة
الضخمة للعمال الفقراء من الريف الى المدن، حيث ترتب على هجرة مئات الملايين من
الريفيين الى تراكم المدخرات على هذا النحو الضخم.
ارتفاع معدلات الادخار لدى الأسر الصينية له تفسيرات عديدة، بعضها
يعود الى الثقافة، غير أن من العوامل المفسرة أيضا هو الطبيعة الهيكلية للاقتصاد
الصيني، حيث يرتفع معدل النمو وتتزايد الدخول بصورة تفوق قدرة الأسر على انفاقها،
ومن المعلوم أن تغيير أنماط استهلاك الأسر من مستويات استهلاك منخفض وتبني الأسر أنماط
استهلاك اعلى يتطلب وقتا.
بعض التفسيرات تعود أيضا إلى ارتفاع الحوافز على الادخار لدى الأسر
الصينية، حيث ترتفع مخاطر عدم الادخار بين الأسر، حيت تحتاج هذه الأسر للمدخرات
لأغراض التقاعد، أو لتدبير الخدمات الصحية أو الخدمات التعليمية، أو مواجهة توقف
الدخول نتيجة التعرض للحوادث أو العجز .. الخ، أو حتى لتوفير الحوافز والاغراءات للحصول
على زوجة مناسبة لابنها الوحيد، حيث أدت سياسة الطفل الواحد الى ندرة هائلة في
الإناث في الصين، وأصبح هناك فائضا واضحا بين الذكور بالنسبة لرصيد الإناث المتاح،
وهو ما يعني تزايد الحاجة لتدبير المدخرات اللازمة لجذب الزوجة المناسبة. في دول
العالم الأخرى مثل هذا التكاليف تغطيها دائما الدولة، أو تتكفل بها الشركات
الموظفة للعمال.
الصين أيضا تستثمر سنويا أموالا ضخمة لترقية بنيتها التحتية وبناء
المزيد من المساكن والمصانع، لضمان استدامة النمو عند معدلات مرتفعة وخلق المزيد
من الوظائف للداخلين الجدد في سوق العمل فيها، لكن هذا السلوك أصبح بمرور الوقت
سلوكا مستمرا بحيث يصعب إيقافه، خصوصا في ظل ضغوط سوق العمل، حيث يقدر أن الصين
تحتاج الى تدبير قدرا هائلا من الوظائف سنويا، يقدر بحوالي 10 ملايين وظيفة، وفي
بعض السنوات 20 مليونا، يعتمد ذلك على تيار الهجرة الداخلية، لذلك فإن معدلات
النمو المرتفعة تعد ضرورة أساسية لدولة مثل الصين. غير أن استمرار الصين في هذا
السلوك سوف يترتب عليه الاستمرار في بناء طاقة إنتاجية هائلة، وربما فائضا كبيرا
فيها، وهو ما قد يحمل مخاطر مالية هائلة ليس فقط داخل الصين، وإنما أيضا في
العالم.
...
من كتاب:
The Unfair Trade: How Our Broken Global Financial System Destroys the Middle Class
لمايكل كيسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق