نشر في جريدة الوطن بتاريخ الاربعاء 11/2/2009 (http://www.alwatan.com.kw/Default.aspx?tabid=206&article_id=483489)
نحاول فيما يلي استعراض الاتجاهات العامة لمشروع الميزانية العامة للدولة في العام المقبل، والذي يفترض أن يتم العمل بها، بعد إقرارها من قبل مجلس الأمة، في ابريل المقبل. بشكل عام مالت الميزانية العامة للدولة نحو الانخفاض سواء بالنسبة لجانب الإيرادات، والتي انخفضت من 12678.3 في مشروع ميزانية 2008/2009 إلى 785.3 مليون دينارا في مشروع الميزانية الحالية، أو الإنفاق العام والذي انخفض من 18966 مليون دينارا إلى 12054 مليون دينارا على التوالي، وقد قدر العجز المتوقع في مشروع الميزانية بحوالي 4819 مليون دينارا.
الإيرادات النفطية
تعتمد الإيرادات النفطية المتوقعة في الميزانية بشكل أساسي على الفروض الخاصة بسعر النفط، وقد قامت الميزانية ولأول مرة في الكويت على افتراض سعر للنفط قريب جدا من السعر السوقي، على عكس ما درجت عليه العادة في وزارة المالية عند إعداد مشروع الميزانية أن يتم اخذ درجة كبيرة من التحوط فيما يتعلق بالسعر الذي على أساسه يتم حساب الإيرادات النفطية، وقد تم تقدير الإيرادات النفطية على أساس سعر 35 دولارا للبرميل. إن سعر 35 دولارا للبرميل يعد سعرا مرتفعا جدا حاليا، ويلامس السعر السوقي الحالي للنفط الكويتي. وأخذا في الاعتبار أن عام 2009، وفقا لكافة التوقعات، ربما يكون أسوأ أعوام الأزمة الاقتصادية العالمية، فليس هناك أي ضمان أن يتحقق هذا السعر الافتراضي المرتفع لبرميل النفط الكويتي خلال السنة المالية القادمة، مما يعني أن الإيرادات الفعلية قد لا تتماشى مع التنبؤات الخاصة به، وان العجز المحسوب في الميزانية العامة للدولة مرشح للتفاقم مع أي تدهور في أسعار النفط.
الإيرادات غير النفطية
مازالت الإيرادات غير النفطية تمثل نسبة ضئيلة من الإيرادات العامة للدولة، وقد بلغت تقديراتها في مشروع ميزانية العام الماضي 1026.1 مليون دينارا، أي بنسبة 8% من إجمالي الإيرادات العامة. أما في مشروع ميزانية هذا العام فيقدر أن تصل إلى 1150 مليون دينارا، ومن ثم ترتفع نسبتها إلى الإيرادات العامة إلى حوالي 14.6%، وهي أعلى نسبة تصل إليها الإيرادات غير النفطية في مشاريع الميزانية العامة للدولة. وتنبغي ملاحظة أن ارتفاع أهمية الإيرادات غير النفطية يعود أساسا إلى انخفاض تقديرات الإيرادات النفطية في الميزانية، ولذلك يفضل التركيز على القيم المطلقة لهذه الإيرادات والتي تشير إلى تواضع الإيرادات غير النفطية في هيكل الإيرادات العامة لدولة الكويت. هذا التواضع في الإيرادات غير النفطية يشير إلى ضرورة تفعيل برامج الإصلاح المالي لتخفيف آثار تراجع أسعار النفط على الميزانية العامة للدولة.
الإنفاق العام
يوضح مشروع الميزانية خطورة باب المرتبات على وضع الميزانية العامة للدولة، فقد مثلت زيادة المرتبات اكبر زيادة في مشروع الميزانية لهذا العام والتي بلغت 249 مليون دينار، أي بنسبة 7.8%. من ناحية أخرى فانه مقارنة بالإنفاق الفعلي على المرتبات في السنة المالية 2007/2008، والذي بلغ 2477 مليون دينارا تقريبا، فان الإنفاق على المرتبات قد تزايد بحوالي مليار دينار خلال السنتين الماضيتين، أي بنسبة 40% تقريبا. لقد تمت هذه الزيادة أساسا في فترة الأسعار المرتفعة للنفط، حيث كان الجميع يتصرف على أن الأسعار المرتفعة للنفط لا يمكن أن تنعكس. غير أن المشكلة الأساسية هي أن الزيادة في بند المرتبات غير قابلة للتخفيض مثلما هو الحال في الأبواب الأخرى، الأمر الذي يعقد أوضاع الميزانية العامة لدولة الكويت في فترات الأسعار المنخفضة للنفط الخام. وعلى ذلك فانه على الرغم من ميل أبواب الإنفاق العام نحو الانخفاض بشكل عام، استمر الإنفاق على هذا الباب نحو التزايد.
كانت أهم بنود خفض الإنفاق العام على الباب الخامس (المصروفات المختلفة والمدفوعات التحويلية)، حيث قررت الحكومة وقف دفع القسط الثاني من العجز الاكتواري لمؤسسة التأمينات الاجتماعية هذا العام، وكان العجز الاكتواري لمؤسسة التأمينات قد قدر بحوالي 11 مليار دينار، وقد قررت الحكومة استخدام جانب من الفوائض النفطية في سداد هذا العجز الضخم على جزأين، رصدت الحكومة 5.5 مليار دينار، أي نصف العجز الاكتواري في السنة المالية الماضية. ومع تراجع أسعار النفط قررت الحكومة وقف دفع القسط الثاني من العجز الاكتواري. والواقع انه بهذا التصرف للحكومة من المتوقع أن يتزايد العجز الاكتواري لمؤسسة التأمينات لسببين، الأول هو فقدان مؤسسة التأمينات لعوائد استثمار هذا القسط، حتى تقوم الحكومة بسداده. والثاني هو أنه مع تزايد المرتبات على النحو السابق الإشارة إليه من المتوقع أن يتزايد العجز الاكتواري للمؤسسة بسبب الفرق بين ما دفعه الموظفين من أقساط للتأمينات على أساس مستويات منخفضة للمرتبات، وما سيتقاضونه من معاشات تقاعدية على أساس مستويات مرتفعة للمرتبات، ومن ثم من المتوقع أن تتدخل الحكومة مرة أخرى في المستقبل لسداد العجز المتفاقم للمؤسسة بسبب زيادة مستويات الرواتب.
للأسف جاءت بيانات الإنفاق الاستثماري في الباب الرابع للميزانية (المشاريع الإنشائية والصيانة) مخيبة للآمال في هذا الوقت بالذات، حيث انخفض الإنفاق الاستثماري في الباب الرابع من 1664.5 إلى 1220 مليون دينار، أي بنسبة 26.7%، وهو (باستثناء تأجيل دفع القسط الثاني من العجز الاكتواري) يمثل أكبر نسبة للخفض في جوانب الإنفاق العام، ويعني ذلك أن ميزانية الدولة في العام المقبل هي ميزانية انكماشية. بهذه الميزانية الانكماشية تسير الكويت عكس التيار في العالم اجمع، حيث تميل دول العالم حاليا إلى أن ترصد المزيد من الأموال لأغراض الإنفاق العام كتحفيز مالي للاقتصاد للتخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية. لقد كان من المفترض أن تحمل ميزانية 2009/2010 أخبارا سارة للقطاع الخاص باعتماد ميزانية ضخمة للإنفاق الاستثماري على قائمة مشروعات الكويت الضخمة التي ما زالت حبيسة الأدراج حتى وقتنا هذا، وذلك باستخدام جانب من فوائض الكويت التي تحققت خلال فترة ارتفاع أسعار النفط.
الإيرادات النفطية
تعتمد الإيرادات النفطية المتوقعة في الميزانية بشكل أساسي على الفروض الخاصة بسعر النفط، وقد قامت الميزانية ولأول مرة في الكويت على افتراض سعر للنفط قريب جدا من السعر السوقي، على عكس ما درجت عليه العادة في وزارة المالية عند إعداد مشروع الميزانية أن يتم اخذ درجة كبيرة من التحوط فيما يتعلق بالسعر الذي على أساسه يتم حساب الإيرادات النفطية، وقد تم تقدير الإيرادات النفطية على أساس سعر 35 دولارا للبرميل. إن سعر 35 دولارا للبرميل يعد سعرا مرتفعا جدا حاليا، ويلامس السعر السوقي الحالي للنفط الكويتي. وأخذا في الاعتبار أن عام 2009، وفقا لكافة التوقعات، ربما يكون أسوأ أعوام الأزمة الاقتصادية العالمية، فليس هناك أي ضمان أن يتحقق هذا السعر الافتراضي المرتفع لبرميل النفط الكويتي خلال السنة المالية القادمة، مما يعني أن الإيرادات الفعلية قد لا تتماشى مع التنبؤات الخاصة به، وان العجز المحسوب في الميزانية العامة للدولة مرشح للتفاقم مع أي تدهور في أسعار النفط.
الإيرادات غير النفطية
مازالت الإيرادات غير النفطية تمثل نسبة ضئيلة من الإيرادات العامة للدولة، وقد بلغت تقديراتها في مشروع ميزانية العام الماضي 1026.1 مليون دينارا، أي بنسبة 8% من إجمالي الإيرادات العامة. أما في مشروع ميزانية هذا العام فيقدر أن تصل إلى 1150 مليون دينارا، ومن ثم ترتفع نسبتها إلى الإيرادات العامة إلى حوالي 14.6%، وهي أعلى نسبة تصل إليها الإيرادات غير النفطية في مشاريع الميزانية العامة للدولة. وتنبغي ملاحظة أن ارتفاع أهمية الإيرادات غير النفطية يعود أساسا إلى انخفاض تقديرات الإيرادات النفطية في الميزانية، ولذلك يفضل التركيز على القيم المطلقة لهذه الإيرادات والتي تشير إلى تواضع الإيرادات غير النفطية في هيكل الإيرادات العامة لدولة الكويت. هذا التواضع في الإيرادات غير النفطية يشير إلى ضرورة تفعيل برامج الإصلاح المالي لتخفيف آثار تراجع أسعار النفط على الميزانية العامة للدولة.
الإنفاق العام
يوضح مشروع الميزانية خطورة باب المرتبات على وضع الميزانية العامة للدولة، فقد مثلت زيادة المرتبات اكبر زيادة في مشروع الميزانية لهذا العام والتي بلغت 249 مليون دينار، أي بنسبة 7.8%. من ناحية أخرى فانه مقارنة بالإنفاق الفعلي على المرتبات في السنة المالية 2007/2008، والذي بلغ 2477 مليون دينارا تقريبا، فان الإنفاق على المرتبات قد تزايد بحوالي مليار دينار خلال السنتين الماضيتين، أي بنسبة 40% تقريبا. لقد تمت هذه الزيادة أساسا في فترة الأسعار المرتفعة للنفط، حيث كان الجميع يتصرف على أن الأسعار المرتفعة للنفط لا يمكن أن تنعكس. غير أن المشكلة الأساسية هي أن الزيادة في بند المرتبات غير قابلة للتخفيض مثلما هو الحال في الأبواب الأخرى، الأمر الذي يعقد أوضاع الميزانية العامة لدولة الكويت في فترات الأسعار المنخفضة للنفط الخام. وعلى ذلك فانه على الرغم من ميل أبواب الإنفاق العام نحو الانخفاض بشكل عام، استمر الإنفاق على هذا الباب نحو التزايد.
كانت أهم بنود خفض الإنفاق العام على الباب الخامس (المصروفات المختلفة والمدفوعات التحويلية)، حيث قررت الحكومة وقف دفع القسط الثاني من العجز الاكتواري لمؤسسة التأمينات الاجتماعية هذا العام، وكان العجز الاكتواري لمؤسسة التأمينات قد قدر بحوالي 11 مليار دينار، وقد قررت الحكومة استخدام جانب من الفوائض النفطية في سداد هذا العجز الضخم على جزأين، رصدت الحكومة 5.5 مليار دينار، أي نصف العجز الاكتواري في السنة المالية الماضية. ومع تراجع أسعار النفط قررت الحكومة وقف دفع القسط الثاني من العجز الاكتواري. والواقع انه بهذا التصرف للحكومة من المتوقع أن يتزايد العجز الاكتواري لمؤسسة التأمينات لسببين، الأول هو فقدان مؤسسة التأمينات لعوائد استثمار هذا القسط، حتى تقوم الحكومة بسداده. والثاني هو أنه مع تزايد المرتبات على النحو السابق الإشارة إليه من المتوقع أن يتزايد العجز الاكتواري للمؤسسة بسبب الفرق بين ما دفعه الموظفين من أقساط للتأمينات على أساس مستويات منخفضة للمرتبات، وما سيتقاضونه من معاشات تقاعدية على أساس مستويات مرتفعة للمرتبات، ومن ثم من المتوقع أن تتدخل الحكومة مرة أخرى في المستقبل لسداد العجز المتفاقم للمؤسسة بسبب زيادة مستويات الرواتب.
للأسف جاءت بيانات الإنفاق الاستثماري في الباب الرابع للميزانية (المشاريع الإنشائية والصيانة) مخيبة للآمال في هذا الوقت بالذات، حيث انخفض الإنفاق الاستثماري في الباب الرابع من 1664.5 إلى 1220 مليون دينار، أي بنسبة 26.7%، وهو (باستثناء تأجيل دفع القسط الثاني من العجز الاكتواري) يمثل أكبر نسبة للخفض في جوانب الإنفاق العام، ويعني ذلك أن ميزانية الدولة في العام المقبل هي ميزانية انكماشية. بهذه الميزانية الانكماشية تسير الكويت عكس التيار في العالم اجمع، حيث تميل دول العالم حاليا إلى أن ترصد المزيد من الأموال لأغراض الإنفاق العام كتحفيز مالي للاقتصاد للتخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية. لقد كان من المفترض أن تحمل ميزانية 2009/2010 أخبارا سارة للقطاع الخاص باعتماد ميزانية ضخمة للإنفاق الاستثماري على قائمة مشروعات الكويت الضخمة التي ما زالت حبيسة الأدراج حتى وقتنا هذا، وذلك باستخدام جانب من فوائض الكويت التي تحققت خلال فترة ارتفاع أسعار النفط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق