في هذا الجزء نركز عن السبب الثاني لأزمة الكهرباء في الكويت، وهو التكاليف المرتفعة لتوليد الكهرباء، والدعم المتزايد للمستهلك. وأهمية تخفيف عملية اشتراك الحكومة في إنتاج وتوزيع هذه السلعة الحيوية، وتحويل عملية الإنتاج تدريجيا إلى القطاع الخاص.
أول ما يجب ملاحظته بالنسبة لتكاليف الكهرباء هو أن هذه التكاليف تميل إلى التقلب بشكل واضح من سنة إلى أخرى حسب اتجاهات أسعار النفط، وبصفة خاصة تتزايد تكاليف إنتاج وتوزيع الكهرباء مع ارتفاع أسعار النفط. فمع بلوغ أسعار النفط لمستويات قياسية خلال عامي 2007 و 2008، ارتفعت تكاليف إنتاج وتوزيع الكهرباء إلى حوالي 33 فلسا للكيلو وات ساعة. وخلال الفترة من 1986 إلى 2008 بلغ متوسط تكلفة إنتاج وتوزيع الكيلو وات ساعة إلى حوالي 19 فلسا، وذلك مقارنة بسعر بيع الكهرباء الذي لا يتجاوز 2 فلس.
ونتيجة لثبات أسعار الاستهلاك للكهرباء في الكويت عند 2 فلس للكيلو وات ساعة، فان الدعم الذي يحصل عليه المستهلك في الكهرباء أخذ في التزايد بالتبعية. حيث بلغ الدعم الذي يحصل عليه المستهلك في دولة الكويت عن الكيلو وات الواحد حوالي 31 فلسا عام 2007/2008. وخلال الفترة من 1986-2009 بلغ متوسط الدعم الذي يحصل عليه المستهلك في الكيلو وات ساعة حوالي 17 فلسا.
هذه الفجوة الواضحة بين التكلفة الحقيقية لإنتاج وتوزيع الكهرباء وما يدفعه المستهلك فعلا في مقابل استهلاك الكهرباء تؤدي إلى تزايد عدم شعور المستهلك بالتكلفة الحقيقية للسلعة التي يستهلكها، خصوصا مع ميل التكلفة الحقيقية إلى التناقص مع مرور الوقت بفعل التضخم، الأمر الذي يشجع المستهلك على الإفراط في استهلاك الكهرباء، ومن ثم حدوث هدر واضح في استخدام الكهرباء متمثل في دفع الدولة أموالا طائلة لدعم استهلاك كميات إضافية من السلعة تزيد أصلا عن حاجة المستهلك، على الرغم من تكلفتها العالية بالنسبة لها.
جدول (1) تكلفة إنتاج وتوزيع الكهرباء
السنة | تكلفة إنتاج وتوزيع الكيلو وات | سعر البيع | دعم الكيلو وات/ساعة |
1986/85 | 21.14 | 2 | 19.14 |
1987/86 | 14.5 | 2 | 12.5 |
1988/87 | 15.44 | 2 | 13.44 |
1989/88 | 14.18 | 2 | 12.18 |
1993/92 | 16.47 | 2 | 14.47 |
1994/93 | 17.02 | 2 | 15.02 |
1995/94 | 16.8 | 2 | 14.8 |
1996/95 | 15.31 | 2 | 13.31 |
1997/96 | 13.74 | 2 | 11.74 |
1998/97 | 13.59 | 2 | 11.59 |
1999/98 | 13.39 | 2 | 11.39 |
2000/99 | 17.04 | 2 | 15.04 |
2001/2000 | 20.25 | 2 | 18.25 |
2002/2001 | 17.41 | 2 | 15.41 |
2003/2002 | 18.4 | 2 | 16.4 |
2003 / 2004 | 18.68 | 2 | 16.68 |
2004 / 2005 | 21.88 | 2 | 19.88 |
2005 / 2006 | 29.08 | 2 | 27.08 |
2006 / 2007 | 28.66 | 2 | 26.66 |
2007 / 2008 | 32.89 | 2 | 30.89 |
المتوسط | 18.79 | 16.79 |
المصدر: وزارة الطاقة
الآثار الناجمة عن ذلك على الميزانية العامة للدولة واضحة، حيث تواجه الدولة بشكل عام إشكالية استدامة عملية تمويل الدعم الضخم لمثل هذه السلعة. وبشكل عام تخضع مصادر التمويل العامة للعديد من الطلبات المتنافسة عليها، الأمر الذي يضع قيودا عملية على تمويل سلعة ما من السلع العامة بغض النظر عن مدى قوة المنطق الخاص بتمويل دعم تلك السلعة.
وتعد استدامة التمويل العام اللازم لتوفير السلعة العام من المفاتيح الأساسية في عملية تصميم سياسة التسعير الخاصة بها، بصفة خاصة بالنسبة لتلك السلع التي تحتاج إلى تمويل لفترات طويلة مثل الكهرباء. ومثل هذه الاعتبارات قد تؤثر على الخدمات المؤهلة للتمويل العام، وحجم الدعم الذي يمكن دفعه ومن ثم مجموعة المستهلكين المؤهلين للحصول على الدعم الحكومي في تقديم السلعة. استدامة عملية التمويل من الاعتبارات الهامة إذن عند وضع السياسات التي تهدف إلى توفير التمويل العام للسلع والخدمات المقدمة من قبل الحكومة. فدعم الاستهلاك للسلع التي تقدمها الحكومة مثل الكهرباء غالبا ما يترتب عليه التزامات طويلة الأجل، ما لم تكون إستراتيجية الحكومة في عملية التمويل هي الانتقال لاحقا إلى تحميل المستهلك برسم يغطي كافة تكاليف إنتاج وتوزيع السلعة أو الخدمة، بحيث ينتقل استهلاك الكهرباء في النهاية اعتمادا على الرسم الذي يدفعه المستهلك، والذي يغطي تكاليف إنتاج وتوزيع السلعة بالكامل. وعلى ذلك فإن سياسات التسعير الخاطئة للسلع والخدمات العامة قد تهدد المصادر المتاحة لتمويل عمليات تقديم السلع والخدمات العامة ومن ثم استدامة عملية تمويل إنتاج وتوزيع تلك السلع والخدمات التي تقدمها الحكومة. في مثل هذه الحالات فان عمليات إعادة التسعير قد تساعد في تقليل الأعباء على الميزانية العامة للدولة ومن ثم ضمان توفير الموارد لتقديم تلك السلع والخدمات بشكل أسهل.
وتعتمد المداخل التقليدية لعملية تسعير السلع والخدمات العامة على بعض الفروض حول درجة استعداد وقدرة المستخدم على المساهمة في عملية تمويل إنتاج وتوزيع السلع والخدمات الخدمات العامة من خلال رسوم المستخدم. على سبيل المثال فان عملية توفير خدمات البنية الأساسية يتم تسعيرها على أساس أسعار تقل بشكل كبير عن التكلفة الحقيقية لعرض تلك الخدمات، وذلك استنادا إلى الرغبة في مساعدة الفقراء. إلا أن المستفيد الأساسي من تلك الخدمات غالبا ما يكونون الأعلى دخلا ومن ثم الأكثر قدرة على الدفع، بينما تقل استفادة الطبقات الأكثر فقرا من تلك السلع كما هو مخطط سلفا وذلك بسبب عدم قدرتها على الاستفادة منها بالشكل المناسب أساسا، الأمر الذي يقتضي إعادة النظر في سياسات دعم الكهرباء في دولة الكويت لأنها تؤدي إلى عدم المساواة بين مستهلكي الكهرباء على أساس درجة استحقاقهم للدعم المقدم من خلال المدخل الحالي لتسعير الكهرباء.
وتتمثل الخطوة الأولى في إعادة النظر في السياسات الحالية لدعم الكهرباء في تقييم مدى استعداد وقدرة المستخدم على الدفع. على سبيل المثال من خلال القيام بإجراء مسوحات للمستهلكين، غير أن هناك بعض المشكلات التي قد تحدث قدرا من التحيز في نتائج هذه المسوحات خصوصا إذا ما تعلق الأمر بإعادة تسعير خدمة عامة هامة جدا مثل الكهرباء. ومن الأساليب الأخرى النظر إلى إنفاق الفرد على الخدمات البديلة. على سبيل المثال فان المستهلكين الذين لا تصلهم إمدادات المياه يوفرون هذه السلعة من خلال استخدام التناكر، وغالبا ما تفوق أسعار إمدادات مياه التناكر تكلفة تقديم المياه من خلال خطوط الضخ للإمدادات العامة للمياه. كذلك فان المناطق التي لا تصلها الخدمة التليفونية الأرضية تعيش أساسا على خدمات الهاتف المحمول، وهو ما يعني استعداد هؤلاء المستهلكين لدفع تكاليف أعلى لتقديم الخدمة التليفونية الأرضية في حال توفيرها لهم. أو من الممكن أن يتم ذلك من خلال وضع مستهدفات محددة للإنفاق على السلعة الأساسية بحيث لا تتجاوز نسبة ثابتة من دخل المستهلك. على سبيل المثال فان سياسة الدعم في شيلي تقوم على أساس ان حد الكفاف subsistence-level من المياه والنظافة لا يجب أن تتجاوز التكلفة التي يتحملها المستهلك من هاتين السلعتين5% من دخل الفرد.
سياسات التسعير المصممة بشكل جيد يمكن أن تساعد إذن في تسهيل القيود على الميزانية العامة للدولة، فضلا عن ذلك فان عملية تحسين توجيه الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين وتدعيم حوافز الكفاءة يمكن أن تسهم في حفز الاستثمارات الخاصة بحيث تزيد من مساهمة القطاع الخاص في تقديم السلع أو الخدمات العامة، حيث تصبح تلك المشروعات أكثر جاذبية للقطاع الخاص، على الأقل من خلال المساعدة في عملية توليد هذه السلعة ثم توزيعها من خلال الحكومة. ذلك أن أحد أهم العقبات التي تواجه تشجيع القطاع الخاص على المساهمة في أنشطة تقديم السلع والخدمات العامة هو القيود على عمليات التسعير والتي قد لا تسمح للاستثمارات الخاصة بتحقيق هامش ربح معقول أو مناسب، على أسوأ الأحوال من خلال قيام القطاع الخاص بتوليد الكهرباء، والذي يمكن أن يتم من خلال شركات مساهمة تنشأ لهذا الغرض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق